نشر إعلام طهران صورةً للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وهو يصلّي صلاة العشاء في الكرملين بعد لقاء له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالطبع فإنّ للصور السياسية مدلولات لا يمكن إغفالها.
وعليه، لماذا صلّى رئيسي في الكرملين؟ ولماذا هلّل الإعلام الإيراني للصورة؟ وعندما نقول إنّ للصورة مدلولات سياسية فذلك انطلاقاً ممّا فعله الإيرانيون سابقاً، وعلى رأسهم المرشد الأعلى، الذي جعل الكوفيّة الفلسطينية، مثلاً، جزءاً من لباسه، وتعمّد الظهور بها في جلّ صوره.
فقد استخدم الإيرانيون صور المسجد الأقصى والسلاح، وحتّى الموتى وأكثر، لترويج مواقفهم السياسية. والآن يستخدم الرئيس الإيراني صورته مصلّياً في الكرملين، ولا يمكن أن تكون الصورة عفويّة بالتأكيد.
هناك عدّة روايات، منها أنّ الصورة هي للردّ على الانتقادات التي تُوجَّه إلى النظام الإيراني على اعتبار أنّه “يبيع” إيران لكلّ من الروس والصينيين من خلال الاتفاقات الاقتصادية التي تريد طهران من خلالها تخفيف الأعباء الاقتصادية عن نفسها.
ويقال إنّ رئيسي أراد من نشر صورته مصلّياً التأكيد أنّ إيران تفرض منهجها وتقوم بالدفاع عن الإسلام حتى في الكرملين، والحقيقة أنّ كلّ تلك التفسيرات لا يمكن أن تحجب حقائق راسخة.
وأولى تلك الحقائق أنّ الرئيس الإيراني يزور روسيا وبلاده تتلقّى الصفعة تلو الأخرى في سوريا حيث تستهدف إسرائيل بضربات عسكرية القوات والأسلحة الإيرانية هناك، وتستهدف أيضاً باستمرار حزب الله الإرهابي.
وحدث كلّ ذلك بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، والرئيس الروسي بوتين. فهل صلّى رئيسي لأنّ الروس وافقوا، مثلاً، على أن تتوقّف إسرائيل عن قصف الإيرانيين في سوريا؟ أكيد لا.
الحقيقة الأخرى تتّصل بكون الرئيس الإيراني يزور روسيا وبلاده تئنّ تحت طائلة العقوبات، وفي حاجة ماسّة إلى المال، وخصوصاً أنّ الحديث عاد الآن عن إمكانية تفعيل الاتفاق الإيراني الصيني الاقتصادي، وهو ما يعني أنّ إيران أضعف من أن تعزّز مكانة الإسلام كما يُروَّج.
صلاة رئيسي في الكرملين لا هي بـ”البركة”، كما يردّد مريدو إيران، ولا هي بـ”صلاة الفرض”، بقدر ما هي “صلاة الخوف”
والحقيقة الثالثة أنّ رئيسي يزور موسكو وبلاده لم تحقّق انفراجاً في مفاوضات فيينا، وفيما تؤكّد إسرائيل أنّ أيّ اتفاق في فيينا حول الملف النووي الإيراني غير ملزم لها، وهو ما يعني أن ليس بمقدور الروس مساعدة طهران بهذا الشأن.
ماذا تبقّى؟
يزور رئيسي موسكو وعملاؤه الحوثيون يتلقّون ضربات نوعية باليمن، فيما المتغيّرات على الأرض هناك جعلتهم في ربكة، ودفعت المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية إلى الخروج بتصريح فضفاض يُظهر قلق طهران من ضربات التحالف هناك.
يقول المتحدّث باسم الخارجية إنّ “إيران تؤكّد دوماً أنّ حلّ أيّ أزمة في المنطقة لا يكون باللجوء إلى الحرب والعنف”، وإنّه “لا سبيل للأمل بإرساء السلام والاستقرار إلا في أجواء يسودها الهدوء”.
إقرأ أيضاً: “متأيرنون” أكثر من إيران
وبالطبع لا تحظى إيران الآن بهذا الهدوء الذي يشير إليه المتحدّث باسم خارجيّتها، لا في سوريا ولا العراق ولا اليمن، ولا حتى في لبنان، حيث تنتظم تحرّكات لبنانية في حملة من أجل إنهاء الاحتلال الإيراني هناك.
وعليه فإنّ صلاة رئيسي في الكرملين لا هي بـ”البركة”، كما يردّد مريدو إيران، ولا هي بـ”صلاة الفرض”، بقدر ما هي “صلاة الخوف”.