إنّها “الحرب الشاملة” بين الرئاستين الأولى والثانية. لم تنفع محاولات “حزب الله” لنزع الألغام الكامنة على الطريق بين قصر بعبدا، ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وبين عين التينة، للتخفيف من أضرار اللاقرار الذي اتّخذه المجلس الدستوري في الطعن الذي قدّمه “تكتّل لبنان القوي”، والذي سيكون من نتائجه نشر أكثر من مئتي ألف ناخب غير مقيم في الدوائر الـ15. ولم ينفع أيضاً مسعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ترطيب الأجواء بين الفريقين من خلال إقناع رئيس الجمهورية بالمبادرة إلى توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية، بعدما تعمّد الأخير تكبيل هذه الدورة ببرنامج معدّ سلفاً، الأمر الذي زاد طين الخلافات بلّة.
هكذا صار جليّاً أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري قرّر قيادة المواجهة الكبرى ضدّ العهد وهو يمضي آخر أيّامه. بالأساس، لو قُدّر لبرّي أن يقود تلك المعركة منذ اليوم الأول للعهد، لَما كان ترك أيّ وسيلة، لكنّه فضّل المهادنة أحياناً، والشراكة أحياناً أخرى. لكنّ الاشتباك بدا دوماً الخيار الأقرب إلى قلبه وذهنه. وها هو اليوم يعوّض كلّ ما فاته من معارك ضدّ الفريق العوني، وفي باله هدف وحيد: إقصاء جبران باسيل عن القصر.
يبدو أنّ الاشتباك القضائي بين القاضية غادة عون ورياض سلامة قد يشتدّ كثيراً في الأيام المقبلة إذا ما امتنع الأخير عن المثول أمامها
بدت أحدث تجلّيات هذه المواجهة أمس من خلال “يوم الغضب” الذي دعت إليه اتحادات ونقابات قطاع النقل البرّي، والذي كان رسالة مباشرة من عين التينة إلى بعبدا، لا يُراد منها إلّا تأكيد أنّ الشلل سيكون سمة ما تبقّى من أيام الرئيس ميشال عون. وهذا يشير أيضاً إلى أنّ محاولات ميقاتي لإعادة لمّ شمل حكومته ستكون محكومة بالعراقيل، وقد يُواجَه مسعاه إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار مشروع الموازنة العامّة بالكثير من المطبّات التي قد تحول دون عقد هذه الجلسة أو غيرها من الجلسات.
مقاطعة الحوار
قبل ذلك بساعات قليلة، كانت مقاطعة بعض القوى السياسية للمبادرة الحوارية التي طرحها رئيس الجمهورية، وفي مقدَّم هذه القوى رئيس مجلس النواب نبيه برّي و”صديقه العتيق” رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، تضع العصيّ في دواليب الطاولة الحوارية التي أراد الرئيس عون إحياءها، والتي ارتطمت بواقع الصراع القاتل الحاصل بين بعبدا والعديد من القوى السياسية التي تعدّ أيام روزنامة العهد بالساعة والدقيقة.
ولهذا السبب أيضاً، قرّر العهد خوض كلّ المعارك المتاحة أمامه. وها هي المدّعية العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون تسطّر مذكّرة منع سفر بحراً وجوّاً وبرّاً بحقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بناء على الشكوى المقدّمة من الدائرة القانونية لمجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام” ممثّلة بالمحاميَيْن هيثم عزو وبيار الجميل.
في الواقع، هذه ليست الجولة الأولى من معركة غادة عون ورياض سلامة. سبقها العديد من الجولات التي انتهت جميعها لمصلحة حاكم مصرف لبنان، فيما يبدو اليوم أنّ الفريق العوني يبذل جهوداً مضاعفة لكي يستخدم هذه الورقة في ضغوطه على كلّ خصومه. إذ يتردّد أنّه طرح على بعض شركائه الحكوميين فكرة تعيين حارس قضائي لحاكميّة مصرف لبنان في حال تعذّر الاتفاق على تعيين بديل لرياض سلامة. وهي مسألة وضعها الفريق العوني على طاولة البحث أكثر من مرّة، لكن من دون أن تلاقي إجابات مُرضية. خصوصاً أن لا أحد من الجالسين قبالة رئيس الجمهورية متحمّس لمنحه هذه البطاقة الذهبية، أي تعيين بديل، في آخر أيّام العهد. ومن هنا جاءت فكرة تعيين حارس قضائي، لكن قوبلت بالرفض أيضاً.
لهذا يبدو أنّ الاشتباك القضائي بين القاضية غادة عون ورياض سلامة قد يشتدّ كثيراً في الأيام المقبلة إذا ما امتنع الأخير عن المثول أمامها (لم يحضر جلسة الأمس، وقد تقدّم محاموه بدعوى ردّ بحقّ القاضية عون). وهو ما قد يدفع بالقاضية عون إلى تسطير مذكّرة بحث وتحرٍّ بحقّه، أو توقيفه. وقد سبق لها أن فعلتها في آب الماضي حين سطّرت مذكّرة بحث وتحرٍّ لمدّة شهر بحقّه، لكنّها بقيت في الأدراج. والأرجح أنّ المشهد ذاته سيتكرّر بحيث تمتنع النيابة العامة عن تعميم المذكّرة.
إقرأ أيضاً: الإفلاس السرّيّ: سلامة أخفى ورطته منذ 2011؟
الجديد في هذا الموضوع أنّ وفداً رسمياً من صندوق النقد الدولي سيكون في بيروت خلال الأسابيع المقبلة للانطلاق في جولات التفاوض الرسمية، ويفترض أن يكون حاكم مصرف لبنان ضمن الوفد اللبناني الرسمي، لكن هذه المرّة سيحضر “فارّاً من وجه العدالة”!.