لم يكن التغيير في مجرى الحرب في اليمن نبأً سعيداً لـ”حزب الله” في الأيام الماضية، ولم يهبط عليه برداً وسلاماً. وكذلك الكلام عن التغيير الإيجابي في مناخات المفاوضات النووية الجارية بين طهران والغرب لم يكن بالأمر السارّ في الضاحية الجنوبية لبيروت. أمّا الحديث القائم عن استئناف المفاوضات الإيرانية – السعودية في جولة جديدة، فهو بدوره يندرج في سياق ما يمكن وصفه بـ”الأنباء غير المرغوب في سماعها”.
كيف اتّفق أن تتوالى هذه الأحداث في وقت واحد، فيما كان الأمين العامّ للحزب حسن نصرالله ذاهب إلى الحرب، والناس في المنطقة والعالم عائدون منها ولو ظاهرياً ومؤقتاً؟
لم يكن التغيير في مجرى الحرب في اليمن نبأً سعيداً لـ”حزب الله” في الأيام الماضية، ولم يهبط عليه برداً وسلاماً. وكذلك الكلام عن التغيير الإيجابي في مناخات المفاوضات النووية الجارية بين طهران والغرب لم يكن بالأمر السارّ في الضاحية الجنوبية لبيروت
ربّما ينطوي هذا الكلام على مبالغات، سواء في التوصيف أو في الوقائع. حسناً، قد يكون الأمر على هذا النحو. ولكنّ المعطيات تشير إلى أنّ نصرالله قد صعد إلى أعلى شجرة في الغابة، إثر هجومه غير المسبوق على المملكة العربية السعودية، وبعد مؤتمر الأمس تبين أنّه لا يزال على أعلى غصن في الشجرة. فمن ينزله؟
إنّها أزمة كلّ من يكون في موقع المُطالَب بتنفيذ أجندات لا صناعتها، فيكون كمن يقوم بدور الاستطلاع ولو بالنار، من دون أن يعلم مآل ما يفعله باعتبار أنّ القرار ليس بيده.
فكيف كانت الارتدادات الداخلية لصعود نصرالله على أعلى شجرة التصعيد ضدّ السعودية؟
لم يجارِ “حزبَ الله” في تصعيده صوتٌ واحدٌ من خارج دائرته المباشرة ولو مسايرة. وربّما كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مضطرّاً إلى أن يكون أكثر وضوحاً في البيان، الذي ردّ فيه على خطاب نصرالله الأخير، من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي مارس سياسة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”. وعلى ذمّة من يصفون أنفسهم “أصدقاء مشتركين” فإنّ قناة الاتصال الدائمة بين الرئيس ميقاتي والحزب، التي يتولّاها الحاج حسين الخليل، المعاون السياسي للأمين العام للحزب، معلّقة في الوقت الراهن. وكان لا بدّ من اللجوء إلى القناة الاحتياطية في هذه الاتصالات المتمثّلة برئيس مجلس النواب نبيه بري لكي يبقي على شعرة “دقيقة جدّاً” في علاقات ميقاتي والحزب.
من أدوات النزول عن الشجرة التحرّك السريع الذي قام به “حزب الله” بشخص نائب الأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم، لإعادة ضخّ الدماء في شرايين العلاقات بين الحليفين اللدودين، كما هو معلن بلا مواربة، “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”
نزول الحزب عن الشجرة
من أدوات النزول عن الشجرة التحرّك السريع الذي قام به “حزب الله” بشخص نائب الأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم، لإعادة ضخّ الدماء في شرايين العلاقات بين الحليفين اللدودين، كما هو معلن بلا مواربة، “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”. وشملت مساعي إعادة رأب الصدع كلّاً من “المردة” و”التيار الوطني الحر.”
هل تكفي هذه الخطوات لإعادة إصلاح ما كسره نصرالله في الستاتيكو الداخلي الهشّ؟
ليس من داعٍ إلى التردّد في الإجابة سلباً. ففي عزّ مسعى “حزب الله” إلى إعادة لمّ شمل بيت الحلفاء، أوردت قناة “التيار الوطني الحر” التلفزيونية قبل أيام في مقدِّمة نشرتها الإخبارية المسائية الرئيسية، الآتي: “في موضوع العلاقة مع رئيس مجلس النواب، رأى رئيس الجمهورية أنّ الأخير متّهم بالتعطيل في مكامن كثيرة، مؤكّداً أنّ معارضته ألحقت الضرر بالبلد، مذكّراً بأنّ الرئيس نبيه بري أبلغه صراحة أنّه سيكون معارضاً لوصوله إلى سدّة الرئاسة الأولى، ولافتاً إلى أنّ المعارضة استمرّت وتظهّرت في أكثر من مناسبة…”.
أمّا نجل زعيم “المردة” النائب طوني فرنجية، فلفت إلى أنّ علاقة التيار الذي يرأسه والده “برئيس الجمهورية منفصلة عن علاقته السياسية مع التيار الوطني الحر”، الذي يرأسه النائب جبران باسيل. أمّا بالنسبة إلى الأخير، فلم يتوانَ بعد لقائه مع الرئيس عون أن يتهم حزب الله وحركة أمل والميقاتي بتعطيل العمل الحكومي، لكنّ اللقاءات بينه وبين الحاج وفيق صفا مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” لم تتوقّف حتى الآن.
إقرأ أيضاً: الحزب يحتفل بالضاحية الجنوبيّة بسقوط “شبوة”
تلك عيّنة من غرفة الخزف التي دخلها الفيل (حزب الله) فأحدث فيها ولا يزال يحدث قرقعة تحطُّم الأواني. لكنّ ذلك لن يغيّر حرفاً في الكتاب الذي يقرأه “حزب الله”، وفيه أنّه غير معنيّ بتغيير المعادلات الإقليمية والدولية. لا بل تعتبر دوائر الحزب أنّه في زمن الرئيس الأميركي جو بايدن لن يكون تغيير في قواعد اللعبة، وإنّما سعي فقط إلى العودة إلى “بيت الطاعة” في هذه اللعبة، كما ظهر أخيراً في حرب اليمن، وذلك وسط ثقة بأنّ تجربة العراق لن تتكرّر في لبنان، إذ لن تتراجع قبضة حلفاء طهران لمصلحة الشيعة المؤمنين بأنّهم عراقيون وعرب قبل أيّ انتماء آخر.
في الخلاصة: مع احتمال أن تتحوّل ليالي فيينا إلى “ليالي أنس” نووي، إلا انّه لسوء الحظّ لن ينعم لبنان بمثلها.