بالبحث والرصد يمكن القول والتأكيد أنّ النائب السابق الدكتور فارس سعيد هو صاحب الرقم القياسي في لبنان، لا بل في الشرق الأوسط، وإن لم يُسجَّل ذلك في كتاب “غينيس”، بإنشاء وإطلاق التجمّعات السياسية، التي تختلف تسمياتها من دون أن تختلف أهدافها والأشخاص المنضوون فيها، من لقاء المبادرة الوطنية إلى لقاء سيّدة الجبل، وما بينهما سلسلة تبدأ ولا تنتهي من اللقاءات والتجمّعات.
أحدث الإصدارات، مجلس يطلقه اليوم الإثنين النائب سعيد تحت اسم “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني” وفقاً للدعوة التي وجّهها سعيد إلى أعضاء تجمّعاته السابقة وبعض الأصدقاء.
من الأمانة القول إنّ فكرة مقاومة الاحتلال الإيراني للبنان، التي يُطلق سعيد ما يُسمّى بمجلسها الوطني، ليست بالفكرة الجديدة
من المؤكّد أنّ “الحركة بركة”، كما يقول المثل الشعبي. لكن من الأمانة القول إنّ فكرة مقاومة الاحتلال الإيراني للبنان، التي يُطلق سعيد ما يُسمّى بمجلسها الوطني، ليست بالفكرة الجديدة. وتأكيداً للأمانة الفكرية السياسية، هي ليست فكرة سعيد نفسه. وتفصيل ذلك يأتي في آخر محطة:
في 22/11/2021 كرّم النائب نهاد المشنوق بصفته الناشر لموقع “أساس ميديا” شخصيات استقلالية في فندق الريفييرا في بيروت، وقال في كلمته بالحفل المذكور مخاطباً المكرّمين: “أيّها المقاتلون من أجل استقلال لبنان”، مضيفاً: “الذي أغضب العرب هو اعتداءات فريق لبناني عليهم، هم لا يطلبون منّا غير الحياد، ونحن نهديهم الطائرات المُسيّرة على مدنهم بخبرات لبنانية، والصواريخ الإيرانية على مرافقهم الحيوية بتكليف من فريق لبناني، والهجمات الإعلامية والشتائم في الشوارع وعلى المنابر الإعلامية والسياسية، كلّ هذه البديهيّات ضاعت وسط غضب الناس وخوفهم على مستقبلهم ويأسهم بسبب ضياع جنى العمر والإعمار، وذهولهم أمام هول المأساة العينية التي ضربتهم وضربت كلّ بيت لبناني، ألا وهي انفجار مرفأ بيروت بكلّ ما أنتجه من مآسٍ”.
وختم كلامه بالقول: “إنّنا إزاء هذه البديهيات نطمح إلى إعادة الاعتبار لبديهيّات المواجهة عبر جبهة سياسية سلمية تقاوم الاحتلال السياسي الإيراني لقرار الدولة اللبنانية، أبناؤها هم أبناء الحياد الذي دعت إليه بكركي التي أُعطي لها مجد لبنان، وتبنّاه كلّ العقلاء والحرصاء على وطننا ودولتنا ودستورنا، وعقدنا الاجتماعي وعيشنا المشترك”.
.. صبيحة هذا الاحتفال، حضرت قبل الموعد بثلاث ساعات لمتابعة اللمسات الأخيرة على الاحتفال في سبيل العمل على استدراك أيّ خلل أو هفوة فاتتنا خلال الإعداد في الأيام السابقة، وفوجئت، قبل ساعتين من الموعد الرسمي للحفل، بحضور النائب سعيد إلى الفندق، وهو من الأشخاص المقرّر تكريمهم.
ألقى النائب سعيد التحيّة معانقاً قائلاً: “حضرت الآن تقديراً ومحبّةً لموقع “أساس” ودوره الوطني السيادي. أنا ذاهب إلى لقاء قريب من هنا، ثمّ أعود عند موعد انطلاق الحفل، ثمّ غادر على عجل. بدأ الحفل، وتسلّم المكرّمون دروعهم إلا أنّ النائب سعيد لم يعُد، وهو ما لفت إليه الوزير السابق مروان حمادة أبرز المكرّمين في كلمته مستفقداً مستغرباً غياب سعيد، عازياً ذلك بذكائه المعروف إلى بُعد المسافة بين قرطبا وبيروت. وها هو النائب سعيد يطلّ بعد شهر ونصف داعياً إلى إطلاق مجلسه الخاص لمقاومتنا جميعاً للاحتلال الإيراني. فهل الفكرة وُلدت عبر الاستعانة بأفكار صديق أم هي قبّعة اُختُطفت من صديق لوضعها على رأس مجلس ربّما يتمّ من خلاله استدراك ما عجز عن استدراكه داخل الحدود وخارجها وهذا ما لن يحصل.
خلال كتابتي هذا المقال استحضرت ما جاء في كتاب مصوّر للأطفال صدر عام 2012 للرسّام والمؤلّف الأميركي جون كلاسين تحت عنوان “هذه ليست قبّعتي”، وقد حصد الكتاب عدّة جوائز عالمية.
إقرأ أيضاً: من أين تبدأ مواجهة الاحتلال الإيرانيّ؟
يروي الكتاب المصوّر قصة سمكة صغيرة اختطفت قبّعة من سمكة نائمة كبيرة، متفاخرةً بمدى سهولة الاختطاف، معتقدةً أنّ السمكة الكبيرة لن تستيقظ في وقت قريب وربّما لا تلاحظ غياب القبّعة المفقودة، أو تعرف مَن اختطفها. اختبأت السمكة الصغيرة في بعض النباتات، فرصدها سرطان البحر وسارع إلى إعلام السمكة الكبيرة بمكان السمكة الصغيرة، التي ظنّت أنّ اختطافها للقبّعة لن يتمّ اكتشافه، لكن في نهاية القصّة استردّت السمكة الكبيرة القبّعة، والسمكة الصغيرة أكملت طريقها من دون قبّعة.
وللحديث صلة…