ثلاثة سيناريوهات للاتّفاق النوويّ الإيرانيّ

مدة القراءة 7 د

سيد حسين موسويان*

اُستؤنفت يوم الإثنين  في 27 كانون الأوّل 2021 الجولة الثامنة من المفاوضات بين إيران والقوى العالمية الخمس التي تحاول إحياء الاتفاق النووي الإيراني المتعثّر لعام 2015، والمعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA).

في ختام الجولة السابقة، قال كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كاني، إنّه قد أُحرز “تقدّم جيّد”. “في البداية، رفض المشاركون الأوروبيون (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) مقترحات إيران، لكنّهم اتّفقوا أخيراً على مواصلة المحادثات على أساس المشروع الإيراني”. ومن جانبهم، ذكر المفاوضون الأوروبيون أنّه أُحرز بعض التقدّم التقني في اليوم الأخير من المفاوضات، لكنّ هذا لم يجعلهم إلا أقرب إلى النقطة التي وقفت فيها المحادثات في حزيران الماضي. وقال جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي: “لا تسير الأمور على ما يرام، بمعنى أنّه ليس لدينا بعد طريق للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. وما يسير على ما يرام هو الوحدة مع شركائنا الأوروبيين، وزيادة التوافق مع الصين وروسيا”.

الحقيقة أنّ تصرّفات إدارة دونالد ترامب في عام 2018، بترك الاتفاق النووي وجعل الرجوع إليه صعباً سياسياً على الولايات المتحدة، هي المصدر الرئيسي للتعقيدات في الجهود الحالية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلاوة على ذلك، تغيّرت الظروف بشكل كبير مقارنة بعام 2015، عندما انتهت المفاوضات بعقد الاتفاق.

اُستؤنفت يوم الإثنين  في 27 كانون الأوّل 2021 الجولة الثامنة من المفاوضات بين إيران والقوى العالمية الخمس التي تحاول إحياء الاتفاق النووي الإيراني المتعثّر لعام 2015، والمعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA)

عقوبات اقتصاديّة شرسة

في عام 2015، أنجزت القوى العالمية أشمل اتفاق مع إيران، وهو الأول من نوعه لمنع انتشار الأسلحة النووية. وعندما انسحب ترامب منه فيما كانت إيران تمتثل تماماً له، فرض أيضاً أشدّ العقوبات الاقتصادية ضراوة عليها. ولأنّ هذه العقوبات اشتملت على عقوبات ثانوية على أيّ شركة تتعامل مع إيران، فقد منعت الأطراف الأخرى في الاتفاق إلى حدّ كبير من الوفاء بالتزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، والقاضي باحترام العلاقات التجارية العادية مع إيران. وبموجب خطة العمل الشاملة المشتركة  (من اتفاق 2015)، كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ملزمين بالامتناع عن أيّ سياسة تهدف على وجه التحديد إلى التأثير بشكل مباشر وضارّ في تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران.

الدرس الرئيسي الذي استخلصه الشعب الإيراني وحكّامه من تجربتهم في “الاتفاق النووي” أنّ إيران لا يمكن أن تثق أبداً بأميركا. وحتى لو وقّعت الولايات المتحدة اتفاقاً دولياً يعزّزه مجلس الأمن الدولي، فليس هناك ما يضمن التزامها بجانبها من الصفقة.

وبالنظر إلى الخسائر الهائلة التي لحقت بالاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الثانوية الأميركية، والتي تُقدّر بنحو تريليون دولار، فسيكون من المفهوم أن تطلب إيران ضمانات من الأطراف الغربية المشاركة في هذا الاتفاق بأن تُلغى عقوبات ترامب بشكل دائم، في مقابل عودة إيران إلى الامتثال للاتفاق.

وعلى الرغم من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في أيار 2018، نفّذت إيران كامل التزاماتها بموجب الاتفاق حتى أيار 2019، على أمل أن ينشئ الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين آليّة لتجاوز العقوبات الثانوية الأميركية المستمرّة حتى تحصل إيران على الفوائد الاقتصادية الناتجة عن الاتفاق. وعندما لم يحدث ذلك، بدأت إيران أيضاً بخرق التزاماتها من خلال نشر أجهزة طرد مركزي متقدّمة، وزيادة مستوى تخصيب اليورانيوم فوق الحدّ المنصوص عليه في الاتفاق، من 3.67 في المئة إلى 60 في المئة. وهو مستوى يمكن استعماله في تصنيع السلاح النووي، إن لم يكن هو بمستوى سلاح نووي.

وقال بهروز كمالواندي، المتحدّث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية: “لدينا أكثر من 210 كلغ من اليورانيوم المخصّب إلى 20 في المئة، وقد أنتجنا 25 كلغ بنسبة 60 في المئة، وهو مستوى لا تستطيع أيّ دولة إنتاجه باستثناء تلك التي تمتلك أسلحة نووية”.

تصرّفات إدارة دونالد ترامب في عام 2018، بترك الاتفاق النووي وجعل الرجوع إليه صعباً سياسياً على الولايات المتحدة، هي المصدر الرئيسي للتعقيدات في الجهود الحالية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة

ثلاثة سيناريوهات

بفضل استراتيجية الضغط القصوى التي انتهجها ترامب، والتي تفتقر إلى الحكمة، تقترب إيران الآن من أن تكون دولة على عتبة إنتاج أسلحة نووية، فيها ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع رأس نووي واحد في الأقلّ. إذا أمكن إحياء الاتفاق النووي، فيمكن عكس هذا الوضع بسرعة، ربّما في غضون شهر أو شهرين. يمكن القيام بسرعة بمزج مخزونات اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المئة، وبنسبة 20 في المئة، أو تصديرها، وإلغاء تركيب أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة.

غير أنّ إيران متردّدة في اتخاذ هذه الإجراءات خشية أن تفرض الولايات المتحدة العقوبات نفسها مرّة أخرى تحت مظلّة الإرهاب، أو حقوق الإنسان، أو الصواريخ، أو القضايا الإقليمية. إذا فُرِضت عقوبات تتعلّق بهذه القضايا، فقد تقضي على جميع الفرص الاقتصادية التي توفّرها خطة العمل الشاملة المشتركة لإيران. لهذا السبب، تريد إيران اتفاقاً نووياً مستداماً، يمكن تصوّر ثلاثة سيناريوهات للمضيّ قدماً فيه:

الأول: هو ما يدعو إليه عدد من المسؤولين الإسرائيليين: ضربة عسكرية أميركية على المنشآت النووية الإيرانية في حالة الفشل في استعادة الاتفاق. أعتقد أنّ هذه خدعة لممارسة المزيد من الضغط على إيران. ليست الولايات المتحدة في حالة مزاجية ملائمة لشنّ حرب جديدة في الشرق الأوسط.

الثاني: إذا فشلت الجهود المبذولة لاستعادة الاتفاق النووي، فسيكون هذا استمراراً لاستراتيجية ترامب الفاشلة، أي الضغط الأقصى على إيران: على وجه التحديد، تدمير الاقتصاد، وشنّ الحروب السياسية والسيبرانية، مع عمليّات تخريب، بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية السريّة المستمرّة على المنشآت النووية الإيرانية واغتيالات علمائها النوويين. في هذا السيناريو، من المرجّح أن تدفع الولايات المتحدة وأوروبا باتّجاه صدور قرار عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضدّ إيران. وبالمقابل، من المرجّح أن تردّ إيران على ذلك بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة. إذا أحالت الولايات المتحدة وأوروبا بعد ذلك قضية إيران إلى مجلس الأمن الدولي لإحياء القرارات الستّة المفروضة على إيران خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، فمن المحتمل أن تنضمّ إيران إلى كوريا الشمالية في الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

الثالث: والأكثر عقلانية، هو إحياء الاتفاق النووي من خلال الدبلوماسية. هنا، يجب أن يكون هناك تمييز مثير للاهتمام. فبينما كان هدف إدارة ترامب هو اعتبار خطة العمل الشاملة المشتركة إرث باراك أوباما، يسعى الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، على الرغم من معارضته للرئيس السابق حسن روحاني الذي أشرف على المفاوضات بشأن الصفقة، إلى إحيائها.

إقرأ أيضاً: توازن “باليستي” بين إيران والسعودية؟

باختصار، السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية التي كانت تخنق بها إيران وتضمن استدامة الصفقة. إذا فعلت ذلك فستنفّذ إيران من جانبها كامل التزاماتها بموجب الاتفاق النووي بشكل دائم.

* سيد حسين موسويان هو متخصّص في الأمن في الشرق الأوسط والسياسة النووية في جامعة برينستون، ورئيس سابق للجنة العلاقات الخارجية للأمن القومي الإيراني.

 لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…