لبنان الحشيش وسوريا “عاصمة” الكبتاغون (1)

مدة القراءة 6 د

عبر سلسلة الجبال المغطّاة بالثلوج في وادي البقاع اللبناني، تتمايل حشائش القنّب الهندي في مساحات شاسعة من حقول المزارعين. تتركّز هذه الزراعة أساساً في شرق البلاد، في سهول منطقة البقاع الخصبة، وتمتدّ على أكثر من 33 ألف دونم بحسب تقديراتٍ حديثة. وتعود إلى عدّة قرون مضت.

تاريخيّاً، ومنذ منتصف الثمانينيّات قدّرت أجهزة الاستخبارات الغربية إنتاج لبنان من الحشيش بأكثر من 1814 طنّاً سنوياً. وكان لبنان في ذلك الوقت أحد المراكز الرئيسية لتجارة المخدّرات في العالم. وكان ذلك يضمن، بالإضافة إلى إنتاج الهيرويين والكوكايين، قرابة 4 مليارات دولار من الربح السنوي لتجّار المخدّرات المحليّين.

شكّلت المناطق الجردية في البقاع الشمالي من جرود الجبال الغربية وعلى الحدود السورية إلى البقاع الأوسط، أرضاً خصبة وتقليدية لزراعة الحشيشة، وطريقاً مهمّاً غير شرعي يُستعمل للتهريب

عملية الإنتاج هذه هي مرحلة أولى، إذ تمرّ شحنات المخدّر برحلة طويلة تنطلق من أولى محطاتها في البقاع إلى أسواق تصريف الإنتاج. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه لطالما كان للنظام السوري أو رجال أعمال مرتبطين به، دور في هذه التجارة وطرق تهريبها. فقد كان النظام السوري، في زمن هيمنته العسكرية والاستخبارية في لبنان (1976-2005)، يجعل زراعة القنّب الهندي في البقاع مادّة ابتزاز ومساومة مع الولايات المتحدة، وكان ضباطه واستخباراته يحمون مزارعيها وتجّارها لقاء حصص معينة من الإنتاج، إلا أنّ هذه الزراعة باتت اليوم تجارة للنظام السوري تدرّ على الخزينة الملايين بالعملة الصعبة، بحسب خبراء.

تسهيلات الحرب السورية

في محادثة إلكترونية، تواصل “أساس” مع أحد التجّار في منطقة البقاع، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه. وقد أفاد هذا التاجر بأنّ “منتجاتهم” تُباع إلى سوريا عبر سماسرة محليين، فيما تُباع الكميّات الباقية حسب الطلب، وعادة ما تُرسَل عبر شحنات بحرية إلى دول الخليج.

وأضاف أنّه “قبل الحرب السورية كنّا نقطع الجبال حاملين أكياس الحشيش على ظهور الحمير أو الدراجات النارية، ونبيعها ونأخذ ثمنها، ثمّ نعود أدراجنا، إلا أنّنا اليوم ننقلها بكلّ يسر وسهولة وبطرق مختلفة إلى سوريا. وسوق التهريب ماشي هذه الأيام ومثل الذهب”.

شكّلت المناطق الجردية في البقاع الشمالي من جرود الجبال الغربية وعلى الحدود السورية إلى البقاع الأوسط، أرضاً خصبة وتقليدية لزراعة الحشيشة، وطريقاً مهمّاً غير شرعي (يُستعمل للتهريب) لنقل المنتج الذي يُزرع في الجرود من دون ريّ.

عبد الهادي رحمة، وهو مهندس زراعي، قال في اتصال مع “أساس” إنّ “جغرافية المنطقة ووقوعها بين سلسلتين من الجبال العالية يوفّران مناخاً ملائماً لزراعة القنّب الهندي، إضافة إلى نوع التربة والمناخ البارد شتاء والحار صيفاً، هي كلّها عناصر مهمّة ومتوفّرة في هذه المنطقة لزراعة هذه النبتة في لبنان”.

والجدير ذكره أنّه تفصل بين سوريا ولبنان حدود برّيّة يبلغ طولها 375 كيلومتراً، تخترقها رسمياً خمسة معابر بريّة هي: معبر العبودية، والعريضة وجسر قمار (قبيعة)، وهي معابر شمالية، إضافة إلى معبريْ المصنع وجوسيه القاع، وهما معبران شرقيّان في منطقة البقاع اللبناني، ويديرها الجيش والأمن اللبناني، لكنّ هناك طرقاً ومعابر أخرى للمهرّبين لا تعدّ ولا تُحصى.

 

حديث الصورة: زراعة الحشيشة (القنّب الهندي) في مناطق سهل البقاع في شرق لبنان. (المصدر: وسائل التواصل الاجتماعي).

الكبتاغون بين لبنان والخليج

لكن ما خرج إلى الضوء أخيراً هو تجارة الكبتاغون، التي تورّط بها لبنان، وورّطته في علاقاته مع الدول الخليجية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية. إذ بات تصدير الكبتاغون من لبنان إلى الخليج مسألة أمن قومي خليجي، لما تشكّله من اعتداء، لا يرتبط بالمخدّرات ومخالفة القوانين فحسب، بل يقترب من كونه عدواناً على شباب الخليج، عبر إغراقهم بهذه المخدّرات بكميّات ضخمة وغير مسبوقة.

لهذا يكشف “أساس” في سلسلة تقارير مُعمّقة كيف تحوّلت سوريا ولبنان إلى مركز عالمي لإنتاج “الكبتاغون” المخدّر، وكيف أصبح هذان البلدان أكثر تصنيعاً وأكثر تطوّراً تقنيّاً في صناعة هذه المخدّرات من أيّ وقت مضى، ويحدّد، عبر مقابلات حصرية مع تجّار وسماسرة وخبراء أسواق، كيفية تصريف الإنتاج والمكاسب المالية.

لأنّه على مدار العقد الماضي صارت سوريا ولبنان المورِّدين الرئيسين لـ”الكبتاغون” في المنطقة. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية ضُبِط عدد كبير من شحنات “الكبتاغون” الآتية من ميناء اللاذقية أو بيروت، وذلك في موانئ أوروبية أو معابر حدودية عربية.

 

المسارات البحريّة؟

“الكبتاغون” الاسم التجاري لدواءٍ ذي ??تأثير نفسي أنتجته الشركة الألمانية Degussa Pharma Gruppe عام 1961، وتمّ بيعه على شكل أقراص بيضاء اللون عليها شعار مميّز يشتمل على نصفيْ قمر.

يكشف الباحث في مجال الاقتصاد بجامعة إسطنبول، أنور ماردني، في مقابلة مع “أساس”، أنّ “النزاع الدائر في سوريا مثّل منعطفاً في الإنتاج مع تزايد الطلب على “الكبتاغون”. إذ استغلّ المُصنّعون والتجار المرتبطون بالنظام السوري الفوضى الناجمة عن الحرب وتوافر الهياكل الأساسية اللازمة للإنتاج والنقل والتهريب”.

بحلول عام 2013، أظهرت أنماط المصادرة أنّ سوريا أصبحت عاصمة الكبتاغون الجديدة في العالم، وفقاً لمقال نُشر عام 2016 في مجلة الشؤون الدولية، الصادرة عن جامعة كولومبيا. ومع تدهور الزراعة والنفط والصناعة، أصبحت صادرات المخدّرات الآن من بين أهمّ مصادر العملات الأجنبية في سوريا.

إقرأ أيضاً: من لبنان إلى قبرص: “أكبر مقبرة في العالم”

وأكّد ماردني أنّ “الكبتاغون يُنقل بطرق شتّى وبأساليب مختلفة، في شحنات خضار أو فواكه أو غيرها، برّاً عبر الأردن والعراق، البلدَين المجاورَين، وصولاً إلى دول الخليج الغنيّة بالنفط”.

وأضاف: “من الشائع أيضاً استخدام المسارات البحرية عبر الساحل السوري، أو موانئ بيروت، بسبب قدرة المهرّبين على تجنّب نقاط التفتيش والمعابر الحدودية، الأمر الذي يسمح لهم بنقل كميّات أكبر من المخدّرات ومواجهة مخاطر أقلّ”.

في الحلقة الثانية غداً:

ما علاقة حزب الله؟ والطفيل؟

مواضيع ذات صلة

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…