مرّت السنة 2021، وستمرّ السنة 2022، وليس في لبنان مرجعيّة سياسيّة قادرة، أقلّه، على “تنظيم الخراب” الذي تتسبّب به ميليشيا مذهبيّة تابعة لإيران أخذت على عاتقها تغيير هويّة البلد وصورته نهائياً. يحصل ذلك في ظلّ سعي إلى إلغاء المسيحيّين وتقزيم السُنّة وتدجين الدروز. هذا هو العنوان العريض للمشروع الذي ينفّذ حالياً في لبنان، بفضل “العهد القويّ”، “عهد حزب الله”، بقيادة ميشال عون وجبران باسيل، نظريّاً ليس إلّا.
لم تعُد في لبنان سوى مرجعيّة واحدة اسمها “حزب الله” الذي ينفّذ مصالح “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. كيف يمكن أن يكون هناك مستقبل لبلد يتقرّر مستقبله في طهران التي لا علاقة لمصالحها، من قريب أو بعيد، بمصالح لبنان واللبنانيّين؟
مَن لديه أيّ اعتراض على هذا الكلام يستطيع أن يسأل نفسه: أين مصلحة لبنان في الحملة التي شنّها حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” لمناسبة الذكرى الثانية لتصفية الأميركيين لقاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، على المملكة العربيّة السعوديّة؟ أين مصلحة لبنان في اكتفاء رئيس الجمهوريّة ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بنوع من العتاب الخجول لحسن نصرالله؟
في غضون أسبوع، تحدّث ميشال عون ونجيب ميقاتي ورئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل والأمين العامّ لـ”حزب الله”. ما يجمع بين كلام الأربعة السعي الدؤوب إلى استرضاء الحزب بطريقة أو بأخرى. الهمّ الوحيد لدى ميشال عون وجبران باسيل أن يخلف الأخير عمّه في قصر بعبدا. الأكيد أنّ حقوق المسيحيين لافتة للمتاجرة بهم لا أكثر. أين حقوق المسيحيين في ظلّ هجرتهم المستمرّة من لبنان؟
لم يتردّد جبران باسيل في القول إنّ “السيد حسن له مكانة خاصة عندي في العقل والقلب”. يصعب على أيّ سياسي ماروني لبناني الذهاب إلى هذا الدَرَك من التزلّف من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة، وهو تزلّفٌ ترافق مع استخدام لغة لا يمكن وصفها إلّا بابتذال الابتذال في الحديث عن سمير جعجع. يفعل جبران باسيل ذلك لمجرّد أنّ المطلوب الحصول على رضا حسن نصرالله لأنّه المسيطر على موقع رئيس الجمهوريّة وموقع رئيس مجلس النوّاب ورئيس مجلس الوزراء في آن!
لم تعُد في لبنان سوى مرجعيّة واحدة اسمها “حزب الله” الذي ينفّذ مصالح “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” الإيراني
يتمثّل أخطر ما شهدته السنة 2021 في الفوضى التي عمّت المشهد السياسي اللبناني في ظلّ حكومة يسيطر عليها عمليّاً الثنائي الشيعي والكلمة الفصل فيها لـ”حزب الله”. فعلى الرغم من كلّ المؤهّلات التي يمتلكها نجيب ميقاتي، الذي يعرف المنطقة والعالم، لم يقدّم وجوده في موقعه الحالي ولم يؤخّر. لم يعُد من وجود لجلسات حكومية نظراً إلى أنّ “حزب الله” يريد التحكّم بالتحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت وكلّ شاردة وواردة في البلد. لم يعُد سرّاً أنّ الحزب يرفض أن يكشف التحقيق لماذا خُزِّنت أطنان من نيترات الأمونيوم في أحد عنابر المرفأ طوال سنوات، ومَن كان يستطيع إخراج كميّات معيّنة من هذه المادّة لاستخدامها في سوريا أو غير سوريا ساعة يشاء!
كشفت السنة 2021 أن لا وجود لحكومة في لبنان. استطاع “حزب الله” التحكّم بكلّ مفاصل السلطة في البلد بعدما صار يقرّر مَن هو رئيس الجمهوريّة، ومَن يستطيع تشكيل حكومة، وهل تجتمع هذه الحكومة أم لا، وهل يحقّ للقضاء متابعة تحقيقاته في موضوع ذي طابع وطني في غاية الخطورة مثل تفجير المرفأ!
في السنة 2021، فَقَد لبنان أيّ قدرة على المقاومة. لم يعُد لرئيس الجمهوريّة أو لرئيس مجلس الوزراء موقف من الاعتداء الذي تعرّضت له عين الرمّانة التي دافع أهلها عن أنفسهم لا أكثر. لم يعُد هناك رئيس للجمهوريّة يهمّه فعلاً استيعاب الكارثة الناجمة عن انهيار النظام المصرفي اللبناني ولا عن العزلة العربيّة للبنان. صار البلد من دون رأس، فيما كلّ السلطات فيه معطّلة بوجود رئيس للجمهوريّة لا يحرّكه سوى صهره والحقد على كلّ شخص ناجح أو على أيّ نجاح، مثل إعادة إعمار وسط بيروت، وهو مشروع نُفِّذ بالفعل وكلَّف، مع أسباب أخرى، رفيق الحريري حياته.
لا وجود في المرحلة الراهنة إلّا لبهلوانيّات ولعب على الكلام من نوع الخطاب الأخير الذي ألقاه رئيس الجمهوريّة والآخر الذي ألقاه صهره محاوليْن الظهور في مظهر مَن يتميّز عن “حزب الله” برضا الحزب والتفاهم معه. مثل هذا التميّز القائم على إثارة الغرائز لدى السذّج من المسيحيين غير موجود، مثلما أنّه لا وجود لعالم عربي أو غير عربي يفرّق بين لبنان و”حزب الله”. صار لبنان “حزب الله” وصار الحزب الذي يعمل عسكرياً في سوريا واليمن والعراق وأماكن أخرى صورة لبنان ووجهه في العالم. لم يكن الهدف الأخير من خطاب حسن نصرالله وهجومه الوقح على المملكة العربيّة السعودية سوى تعميق الهوّة بين لبنان وكلّ ما هو عربيّ في المنطقة.
إقرأ أيضاً: 2022: سنة الانتصار النهائيّ للحزب على لبنان؟
عندما يكون لبنان من دون مرجعيّة باستثناء مرجعيّة “حزب الله”، يصبح كلّ شيء ممكناً، بما في ذلك غياب مَن ينظّم الخراب في البلد، على حدّ تعبير نائب بيروت نهاد المشنوق. يصبح كلام نجيب ميقاتي عن أنّ كلام “سماحة الأمين العامّ” حسن نصرالله في ما يخصّ السعوديّة “لا يمثّل الحكومة اللبنانية والشريحة الأوسع من اللبنانيين” مجرّد وجهة نظر. حقيقة الوضع اللبناني في مكان آخر. تتمثّل هذه الحقيقة في أنّ لبنان لم يعُد لبنان، وأنّ الثنائي ميشال عون – جبران باسيل الذي يشغل موقع رئيس الجمهوريّة لا همّ لديه سوى أن يكون في خدمة “حزب الله” وعند حسن ظنّه، فيما لم يعُد من مهمّة لرئيس مجلس الوزراء السُنّيّ غير محاولة يائسة لترقيع ثوب مهترئ…