حوّل السيّد حسن لبنان إلى ما يشبه المعتقل الكبير. يريد أن تكون وظيفة هذا المعتقل مسح كامل ذاكرتنا المحمّلة بالكثير من الحقائق والثوابت والأفكار، وأبرز ما فيها أنّ المملكة العربية السعودية هي المساهم الأوّل في وقف الحرب الأهلية اللبنانية بكلّ آلامها ومآسيها عبر استضافتها مختلف الأفرقاء اللبنانيين في الطائف، حيث عقدوا اتفاق الطائف في شهر أيلول من العام 1989، وفي حثّ ودفع كلّ الأفرقاء المجتمعين في تلك المدينة الجميلة من ربوع مملكة الخير كي يتوافقوا ويتّفقوا ويقلبوا صفحة الحرب من أجل إعادة البناء والتمسّك بالحياة.
يريد منّا السيد حسن أن نحذف من هذه الذاكرة أنّ السعودية هي من قامت بإعادة إعمار لبنان منذ العام 1990، فموّلت شقّ الطرقات والأوتوسترادات وبناء المدارس الرسمية والجامعات الوطنية والمستشفيات الحكومية، وإعادة إعمار المدينة الرياضية.
يريدنا أن ننسى أنّ المملكة العربية السعودية قالت لنا: “اتركوا للسيّد وميليشياته طريق المطار القديمة”، ودعمتنا ودفعتنا وساعدتنا لشق طريق جديدة للمطار كي تكون خير واجهة لخير لبنان الجديد.
يريدنا أن ننسى أنّه قال: “لو كنت أعلم” بعد مغامرته عام 2006 على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة، التي استدرجت عدواناً إسرائيلياً هدَم الجسر والمدرسة والجامعة، ودمّر القرى وسفَك دماء الناس.
قادت المملكة العربية السعودية كلّ العرب لإعادة بناء ما تهدّم بفعل العدوان، فيما اكتفت إيران في حينه بطلاء العوازل الحديدية في طريق الأوزاعي، وفقط الأوزاعي، بالدهان مستعملةً اللونين الأصفر والأخضر وألوان علم إيران.
معتقلون نحن اللبنانيين في هذا السجن الكبير، لكن ما يجب أن يعلمه الجميع أنّنا لسنا ولن نكون كأقليّة “الإيغور”، وأنّ السيّد حسن ليس ولن يكون بحجم وقوة حكومة الصين
يريدنا أن ننسى أنّ المملكة أطعمت كلّ النازحين المقيمين في مدارس بيروت في خلال ذاك العدوان، فمنحتهم الدواء والغذاء والغطاء على قاعدة “إنّنا كلّنا أشقّاء كلّنا إخوان”.
يتعامل الأمين العامّ لحزب الله حسن نصر الله معنا نحن اللبنانيّين غير المنتسبين إلى حزبه أو سرايا مقاومته أو محور ممانعته، كما تتعامل الحكومة الصينية مع أقليّة “الإيغور” المسلمة في الصين، حتى نخال أنّ السيّد معجب بالتجربة الصينية مع هذه الأقليّة المسلمة، وبمدى نجاح هذه التجربة في قمع وإلغاء هويّتها ومعتقدات أفرادها. لعلّ أكثر ما يُعجب السيّد في هذه التجربة هي معسكرات إعادة التعليم في “شينجيانغ” عاصمة إقليم “الإيغور”، التي تضمّ مئات الآلاف من الشباب والرجال والأطفال الذكور من “الإيغور”، والمعروف عنها أنّ الحكومة الصينية قد أقامتها لتكون مراكز اعتقال بالفعل من أجل تدجين هذه الأقليّة المسلمة وإلغاء هويّتها، فإن نجحت تُطلق سراح المعتقل بعد مدّة لا تقلّ عن 12 شهراً، وإن فشلت تعدم المعتقل وتلغي وجوده في هذه الحياة.
اللافت في الأمر أنّ عدد المعتقلين “الإيغور” في تلك المراكز قد لامس مليوناً ومئتيْ ألف معتقل، أي أنّه يقارب تعداد الطائفة السُنّيّة في لبنان، أو بشكل أدقّ تعداد ثلث اللبنانيين عامّةً، أو النصف الذي ما يزال يقيم في لبنان بسبب تعثّره في إيجاد تأشيرة عمل أو تأشيرة هجرة للهروب إلى أحد البلدان.
حاولت البحث أمس الأول عن شيء لبناني في إطلالة السيد في ذاك المهرجان. عن يمينه كانت صورة قاسم سليماني، وعن يساره صورة جمال المهندس، ولم أجد في الصورة أو خلفيّتها ما يشير إلى وطننا لبنان.
إقرأ أيضاً: ما تريده ميليشيا الحزب
حاولت أن أتابع الكلمة الملقاة مفردةً مفردةً وسطراً سطراً فخُيّل إليّ أنّني أتابع قناة عراقية، وأنّ الكلام الذي يُقال موجّه إلى العراقيين ولا علاقة لنا به في لبنان. بعد طول عناء وجهد كبيرين وجدت أنّ للبنان حصة في إطلالة السيّد تمثّلت في الإصرار على إلحاق الأذى بكلّ من له صلة بلبنان ناساً وحجراً واقتصاداً وليرةً ومستشفى وحتى هواء نتنشّقه نحن اللبنانيين لمواجهة غدرات الزمان.
معتقلون نحن اللبنانيين في هذا السجن الكبير، لكن ما يجب أن يعلمه الجميع أنّنا لسنا ولن نكون كأقليّة “الإيغور”، وأنّ السيّد حسن ليس ولن يكون بحجم وقوة حكومة الصين.