“الجوائز الكبرى” لإسرائيل… و”الترضية” للفلسطينيّين!!

مدة القراءة 4 د

إسرائيل المعتدي الدائم على الفلسطينيين، من أبسط حقوقهم إلى أعلى طموحاتهم، تعيش في هذه الفترة السياسية أفضل أيامها منذ تأسيسها.

تطبيع متنامٍ ومتعمّق مع العديد من الدول العربية تسبغ عليه صفة “التحالف”، واستئناف علاقات فترت قليلاً، ويجري بعث حرارة قويّة في أسلاكها مع تركيا.

ذلك بعضٌ ممّا يُعلَن، وان كان ما لا يُعلَن يندرج تحت مصطلح “ما خُفِيَ كان أعظم”.

الفلسطينيون المغلوب على أمرهم لا يملكون إلا أن يقولوا “شكراً” على ما يُقدّم لهم من جوائز ترضية مهما بدت هزيلة. أمّا الإسرائيليون فلا يقولون “شكراً”، فهم يطلبون من مانحيها أن يقولوا هم “شكراً” لإسرائيل على مجرّد قبولها بالجائزة

ما يحدث مع إسرائيل في هذه المرحلة السياسية هو تسابق على تقديم جوائز ثمينة لها طالما سعت إليها في الماضي ولم تنَلها، وها هي تضع جداول زمنية للاحتفاء بها والاستمتاع بمزاياها.

اللافت في الأمر أنّ إسرائيل تحصد الجوائز الكبرى دون أن تقدّم ثمناً يُذكَر، اللهمّ إلا إذا اعتبرنا تنسيقها الأمني مع السودان ميزة استراتيجية تنعم بها الدولة العربية المنكوبة.

فيما مضى، أي قبل موجة التطبيع وتطوير العلاقات، سرّيّة كانت أم علانيّة، كانت القضيّة الفلسطينية والموقف منها هما الميزان الذي تُقاس به العلاقات مع إسرائيل. وكان العنوان الأهمّ لهذا الميزان هو المبادرة العربية للسلام، التي نُظِر إليها ككلمة أخيرة من العرب جميعاً اتجاه الصراع مع إسرائيل وفق معادلة حلّ القضية الفلسطينية بما يُرضي أصحابها، مقابل ثمن هو التطبيع العربي والإسلامي الذي لم تحلم الدولة العبرية يوماً بالحصول عليه. لكن فيما يبدو فإنّ إسرائيل كانت أعرف بالواقع العربي الرسمي ومؤثّراته، إذ رأت أنّ باستطاعتها الحصول على أقصى ما تريد من دون أن تقدّم شيئاً للفلسطينيين. بل هي الآن تطاردهم من أجل عدّة شقق يملكونها في حيّ الشيخ جرّاح في القدس.

جوائز ترضية للفلسطينيين

الجوائز الكبرى التي حصلت عليها إسرائيل، وهي في سبيلها إلى الازدياد، ليس آخرها “الهدية” التركية، الأقرب إلى “الاعتذار”، عن كلّ ما سبق من مظاهر البرود في العلاقة والاحتداد في لغة المناكفات الديبلوماسية التي اعتمدها الأتراك. وحصلت عليه إسرائيل، والذي سمّيناه “الجوائز الكبرى”، تقابله جوائز ترضية للفلسطينيين، إمّا بزيارة لهم في الذهاب إلى إسرائيل أو الإياب منها، أو دعوات لبعض قادتهم للمشاركة في مناسبة أو احتفال أو مؤتمر، أو تقديم هبات ماليّة تبدو ثمينة كلّما شارفت سلطتهم على الإفلاس.

غير أنّ جوائز الترضية هذه يعرف الفلسطينيون أكثر من غيرهم قلّة جدواها في موضوعهم الأساسي، وهو التخلّص من الاحتلال وإقامة دولتهم المستقلّة وحلّ قضية اللاجئين. وهي جوائز تُغطّى على الدوام بجملة واحدة يقولها المطبّعون والأميركيون والأتراك والأوروبيون وغيرهم من مانحي الجوائز الكبرى لإسرائيل: “نحن مع حلّ الدولتين”. وكثيرون يستخدمون هذا المصطلح لتغليف الجوائز الكبرى، وليبرّرون كلّ ما يفعلونه باعتباره “تهيئة”، لإقناع إسرائيل بحلّ الدولتين، مع معرفتهم بأنّه غير وارد أن تستمع لحلّ كهذا.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وأزمة أوكرانيا

حتّى حين يذهب أيّ مسؤول إسرائيلي لتسلّم الجائزة الكبرى، يكون قد ضمن سلفاً أن لا يُؤتى على ذكر الفلسطينيين وحقوقهم، وحتى المفاوضات معهم، ولو على هوامش الاحتفالات البروتوكولية. إنّهم يبرّرون هذا الاستبعاد غير المنطقي بأنّ حكومتهم هشّة وعلى شفير الهاوية وذكر الفلسطينيين سيطيح بها. أمّا ما هو خارج عن الشأن الفلسطيني وفي مجال التطبيع والعلاقات المستجدّة فهي الحكومة القادرة على كلّ شيء.

الفلسطينيون المغلوب على أمرهم لا يملكون إلا أن يقولوا “شكراً” على ما يُقدّم لهم من جوائز ترضية مهما بدت هزيلة. أمّا الإسرائيليون فلا يقولون “شكراً”، فهم يطلبون من مانحيها أن يقولوا هم “شكراً” لإسرائيل على مجرّد قبولها بالجائزة.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…