مصر 2021.. رئيس و22 ملكاً

مدة القراءة 7 د

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022.

 

في مصر استقوى الحاضر بالتاريخ، واستعانت السياسة بالحضارة. إنَّهُ ذلك الإدراك المصري الدائم بأنّ الأرقام لا تُغني عن الروح، والاقتصاد لا يُغني عن المكانة.

 

ستّة أيّام هزّت العالم

في آذار 2021 جنحتْ سفينة حاويات كبيرة في قناة السويس، وبدا الأمر وكأنَّ السفينة “إيفرغيفن” ستبقى هناك إلى الأبد، أو أنّها قد تقضي العام في ذلك الوضع المائل، في انتظار المقبلين من الشمال.

بدأ البعض يتحدّث عن أزمة ممتدّة، ثمّ راح آخرون يهاجمون مشروع “قناة السويس الجديدة”، ذلك الرافد الممتدّ لنحو 35 كيلومتراً، والذي مكّن القناة من العمل في الاتجاهين بشكل متزامن بدلاً من العمل في اتجاه واحد، حينما كانت السفن الأخرى تنتظر في الجانب الآخر.

 كان عام 2021 عاماً مهمّاً في تاريخ مصر، وربّما يؤسّس ذلك العام لِما بعده، وبعد بعده، إذ أظهر ضرورة ذلك التحالف بين الاقتصاد والثقافة، وما بين السياسة والحضارة

كانت السفينة تتّجه من الصين إلى هولندا، لتنقل قرابة ربع مليون طن، وكانت موانئ العالم تراقب مسار السفينة الجانحة، التي كبّد جنوحها التجارة العالمية مليارات الدولارات. وبعدما اهتزّت التجارة العالمية خمسة أيّام كاملة، نجحت هيئة قناة السويس في اليوم السادس بفضل خبرائها البارعين، من تعويم السفينة واستعادة الحركة في المجرى الملاحيّ الأهمّ في العالم.

بقدر ما كانت أزمة السفينة في آذار 2021 مدعاة للقلق، بقدر ما كان النجاح المصري في إدارة الأزمة دافعاً للثقة واليقين.

 

حرس الشرف يطلق 21 طلقة

بعد أسابيع من النجاح المصري في إدارة أزمة “إيفرغيفن”، كان العالم على موعد لمشاهدة حدث غير مسبوق على مرِّ التاريخ. ففي شهر نيسان 2021، قامت السلطات المصرية بنقل مومياوات 22 ملكاً وملكة من القادة الفراعنة، من المتحف المصري في ميدان التحرير وسط القاهرة إلى متحف الحضارة في حيّ الفسطاط.

كانت الحكومة المصرية قد قامت بتجديد بحيرة قديمة، كانت في طريقها إلى الزوال، لتعود “بحيرة عين الصيرة” معلماً جماليّاً أخّاذاً، إلى جوار متحف الحضارة.

بعد مئة عام في المتحف المصري بالتحرير، قطع الملوك الاثنان والعشرون طريقهم إلى المقام الأخير، وسط احتفال مذهل كان أجمل أحداث العالم في تلك الأثناء. قاد الملك “سقنن رع” الملوك الثمانية عشر والملكات الأربع، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي في استقبال الموكب الملكي المهيب، وأطلق حرس الشرف 21 طلقة تحيّة للملوك.

كانت اللغة الهيروغليفية “الفرعونية” حاضرة إلى جوار اللغتين العربية والإنكليزية، على سيارات الملوك، وكانت الرسوم والنقوش الفرعونية الجديدة جيّدة، إلى الحدّ الذي اعتقد البعض أنّها تعود إلى تلك الأزمنة المجيدة.

كان استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي للملوك المصريّين، وإعطاؤه التحيّة، رسالةً حاسمةً في أنّ الأحفاد لا يزالون على خطى الأجداد، وأنّ ما كان لا يزال جزءاً ممّا هو كائن، وممّا سيكون.

 المدينة ذات المئة باب

قبل أن ينتهي عام 2021 كان العالم على موعد آخر مع حدث أسطوري جديد، هو افتتاح طريق الكباش بعد ثلاثة آلاف وخمسمئة عام من تشييده.

يقع طريق الكباش في مدينة الأقصر، وهي المدينة التي تحوي أكبر عدد من آثار العالم، وتحظى بشهرة عالمية واسعة، وكان عالم المصريّات الفرنسي الشهير “شامبليون” قد وصفها قائلاً: “طيبة هي أعظم كلمة بين اللغات”.

في كانون الأول 2021، التقيتُ عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، في حفل عشاء دعانا إليه الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد في منزله المطلّ على نيل الجيزة. سألتُ الدكتور حواس عن سبب تسمية الأقصر بهذا الاسم، قال إنّ العرب إبّان الفتح الإسلامي لمّا هالهم ما وجدوا من معابد ومنشآت فرعونية، اعتبروها قصوراً، وأطلقوا عليها اسم الأقصر، أي القصور.

تعود بداية تدشين طريق الكباش الذي يصل ما بين معبد الأقصر ومعبد الكرنك، ويمتدّ لقرابة ثلاثة كيلومترات، إلى عهد الملكة المصرية القوية “حتشبسوت”، وكان يُسمّى طريق المواكب الملكية، وفي ذلك الطريق كان يُقام “أقدم حفل ديني” في التاريخ الإنساني.

نقلت 200 وكالة أنباء احتفالات طريق الكباش بالأقصر، وهي الاحتفالية التي حضرها الرئيس السيسي، وشهدت احتفالات أسطورية برّاً ونهراً، لتعود المدينة الملقّبة “مدينة المئة باب” إلى صدارة عناوين العالم 2021.

 

المتحف الكبير والنهر الأخضر

أقامت مصر شبكة طرق متميّزة في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الطرق والجسور والمحاور من معالم النهضة العمرانية المعاصرة. لكنّ ثلاثة منها ذات مكانة خاصة.

الطريق الأوّل هو ذلك “الممشى” الذي يصل “المتحف الكبير” بالأهرامات، حيث سيتمكّن الزوّار من قطع ذلك الطريق الحضاري مشياً على الأقدام في رحلة مميّزة وبديعة.

سيكون “المتحف الكبير” بالقاهرة، وهو أكبر متحف في العالم، متقدّماً على متحف اللوفر في باريس، ومتحف الإرميتاج في سان بطرسبورج.

أقامت مصر شبكة طرق متميّزة في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الطرق والجسور والمحاور من معالم النهضة العمرانية المعاصرة

لقد سبق لي زيارة المتحفيْن في فرنسا وروسيا، ولطالما سعدتُ بتوقّف الزوّار فترة أطول في الجناح المصري. واليوم تستعدّ مصر لإقامة حفلها العالمي الثالث، بعد موكب المومياوات وطريق الكباش، وذلك في افتتاح المتحف الكبير، الذي يضمّ مئة ألف قطعة أثرية.

وأمّا الطريق الثاني فهو كورنيش النيل الجديد، والمسمّى “ممشى أهل مصر”، وهو ليس طريقاً مدهشاً على نيل القاهرة فحسب، بل هو بمنزلة الطريق – المدينة، إذ يحوي العديد من المطاعم والمحالّ، جاعلاً من المشي على شاطئ النيل سياحةً متكاملة، ورحلةً بذاتها.

في العاصمة الإدارية يكمن الطريق الثالث، والمسمّى “النهر الأخضر”، حيث تمتدّ وسط المدينة العصرية الرائعة أطول سلسلة حدائق في العالم، بطول 35 كيلومتراً، جاعلةً الطبيعة في العاصمة الإدارية مصدر جذب هائل للإقامة والزيارة.

 

وحيد حامد وحسن حنفي

لم تكن كلّ الأخبار المصرية في عام 2021 جيّدة، فقد كانت أزمة سدّ النهضة وتأرجح العلاقة مع تركيا وقطر وتوتّر الأوضاع في ليبيا تحدّيات كبيرة. وكانت تحدّيات الجائحة تضع مصر والعالم في حالة طوارئ صحيّة دائمة. وكانت التحدّيات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة قد قطعت نسبيّاً ذلك الصعود الكبير الذي تواصل حتى عام 2019.

تمكّنت مصر على الرغم من تلك التحدّيات من الحفاظ على معدّل نموّ إيجابي. وحسب تقدير بلومبيرج، فإنّ اقتصاد مصر بات أحد الاقتصادات العشرة الأسرع نموّاً في العالم، وهو ما جعل وكالات تصنيف الائتمان الدولية تقوم بتثبيت التصنيف الائتماني لمصر، مع نظرة مستقبلية مستقرّة، على الرغم من موجات الجائحة المتتالية.

كانت القوة الناعمة المصرية تواجه أيضاً تحدّيات. فقد غادر الحياة في عام 2021 الكاتب السينمائي الأبرز وحيد حامد، والداعية المصرية الأشهر الدكتورة عبلة الكحلاوي، وفيلسوف مصر الأكبر الدكتور حسن حنفي.

إقرأ أيضاً: مصر: جيشٌ للشعب لا شعبٌ للجيش

إنّها موجة جديدة من موجات فقدان الرموز المصرية في مجالات عدّة، لكنّ ثقة المصريين بالتجديد التلقائي للعبقرية، وإعادة إنتاج الإبداع، هما اللتان تصنعان الأمل باتجاه المستقبل.

لقد كان عام 2021 عاماً مهمّاً في تاريخ مصر، وربّما يؤسّس ذلك العام لِما بعده، وبعد بعده، إذ أظهر ضرورة ذلك التحالف بين الاقتصاد والثقافة، وما بين السياسة والحضارة.

 

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور..

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

عضو مجلس جامعة طنطا، وعضو مجلس كليّة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

مواضيع ذات صلة

العربُ بين عامَين: دول صعدت وأخرى نزلت

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

2021: عام التخبّط الفرنسي

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

العراق: 8 فرص ضاعت… والآتي أصعب

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

2022: تداعيات الانهيارات… داخل الطوائف

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….