الوكالات الحصريّة: الكلّ في خدمة المحتكرين

مدة القراءة 5 د

يوم الإثنين المقبل ستكون اللجان المشتركة في المجلس النيابي على موعد مع بتّ الصيغة النهائيّة لقانون المنافسة، قبل طرحه على الهيئة العامّة للتصويت، بعدما منحت اللجان المشتركة اللجنة الفرعيّة المكلّفة صياغة مشروع القانون أسبوعاً إضافيّاً لبتّ البند الخامس من القانون. تتعلّق المسألة الخلافيّة الأساسيّة في هذا البند بطريقة تعامل الدولة مع الوكالات الحصريّة بعدما تبيّن أنّ مواقف الغالبيّة الساحقة من الكتل النيابيّة قد انقلبت لتصبّ في مصلحة الإبقاء على حماية الدولة للاحتكارات بدل إلغائها. بالمختصر، بات من الواضح أنّ لوبي الاحتكارات التجاريّة في المجلس النيابي أقوى من أيّ نيّة لإنهاء ظاهرة الوكالات الحصريّة.

فقبل نحو عامين ونصف، أنجزت وزارة الاقتصاد والتجارة مسوّدة قانون المنافسة، ووضعته بعهدة الأمانة العامّة لمجلس الوزراء، وكان من المفترض أن يكون هذا القانون الإطار التشريعي الكفيل بإلغاء حماية الدولة للوكالات الحصريّة، وتحرير السوق المحليّة من هيمنة هذه الوكالات. في تلك المرحلة، وقفت الغالبيّة الساحقة من الأحزاب اللبنانيّة في صفّ إلغاء مبدأ الوكالات الحصريّة، باعتبار هذه الخطوة أحد الإجراءات الإصلاحيّة الكفيلة بتعزيز المنافسة في السوق وخفض الأسعار، وباعتبارها أيضاً أبرز الشروط التي وضعها المجتمع الدولي لمساعدة لبنان. وقد تزامن تفعيل العمل بهذا الملف يومها مع تحريك عدّة تشريعات إصلاحيّة من هذا النوع، على وقع حاجة لبنان إلى رزمة المساعدات المرصودة في مؤتمر سيدر.

خلصت مداولات اللجنة إلى الاتفاق على تحديد نسبة 35% كحصّة مهيمنة في السوق، فيما ظلّت مسألة الوكالات الحصريّة النقطة الخلافيّة الأهمّ بانتظار بتّها يوم الإثنين المقبل

ومنذ ذلك الوقت، انهمرت مشاريع قوانين المنافسة البديلة على المجلس النيابي. وفي المحصّلة أصبح في المجلس أربع نسخ رئيسيّة متباينة من هذا القانون، من بينها مسوّدة عملت على تعديلها الهيئات الاقتصاديّة بما يسمح بالإبقاء على حماية الدولة للوكالات الحصريّة من دون تعديل يُذكر. وعلى مدى عام كامل، عملت اللجنة النيابيّة، التي أُوكل إليها التوفيق بين هذه الصيغ المتعددة، على صياغة المسوّدة النهائيّة من مشروع القانون. وقد تركّز الخلاف الأساسي على نقطتين: البند الخامس من مشروع القانون المرتبط بمصير الحماية التي تقدّمها الدولة للوكالات الحصريّة، والبند التاسع المرتبط بنسبة الهيمنة التي يمكن على أساسها تصنيف سيطرة تاجر ما على السوق على أنّها “حصّة مهيمنة”. وبينما كانت اللجنة الفرعيّة تعمل على صياغة المسوّدة، كانت الهيئات الاقتصاديّة تقوم بإنشاء لوبي يؤيّدها في أوساط الكتل البرلمانيّة، للحؤول دون المسّ بحماية الدولة للوكالات الحصريّة في البند الخامس من القانون.

 

الطبش تخالف الحريري

خلصت مداولات اللجنة إلى الاتفاق على تحديد نسبة 35% كحصّة مهيمنة في السوق، فيما ظلّت مسألة الوكالات الحصريّة النقطة الخلافيّة الأهمّ بانتظار بتّها يوم الإثنين المقبل. اللافت في الموضوع هو انقلاب مواقف العديد من الكتل النيابيّة بخصوص هذه النقطة بالتحديد، وخصوصاً كتلة لبنان القوي التي تحوّل موقفها من تأييد رفع حماية الدولة للوكالات الحصريّة، إلى محاولة “وضع ضوابط” على هذه الوكالات مع الإبقاء عليها، وهو ما يتوافق مع موقف كتلة الحزب التقدّمي الاشتراكي من الموضوع. وكانت الهيئات الاقتصاديّة تحاول في المقابل رفع السقف في ما يخصّ هذه النقطة بالتحديد، عبر المطالبة بتحييد الوكالات الحصريّة بشكل تامّ عن مندرجات القانون.

وفيما ربطت المصادر المتابعة للملفّ انقلاب موقف التيار الوطني الحر بالحسابات المذهبيّة الخاصّة بالتيّار، مثّل موقف النائب رولا الطبش داخل اللجنة الفرعيّة “المفاجأة” لجميع المتابعين. فقد تحوّل أخيراً موقف الطبش داخل اللجنة لمصلحة الإبقاء على حماية الدولة للوكالات الحصريّة، وهو ما مثّل انقلاباً على موقف تيّارها التاريخي من الوكالات الحصريّة. وكان الرئيس الشهيد رفيق الحريري أوّل من طرح قانون المنافسة باعتباره باباً من أبواب التخلّص من مبدأ الوكالات الحصريّة، ووقف تيّار المستقبل لاحقاً في صف المؤيّدين لإدراج مبدأ إلغاء حماية الدولة للوكالات الحصريّة من ضمن هذا القانون.

إقرأ أيضاً: انطلاقة متعثّرة للحكومة: مفاوضات الصندوق والموازنة

في خلاصة الأمر، وفي ظلّ ما يشبه التوافق السياسي الشامل على الإبقاء على حماية الدولة للوكالات الحصريّة، من المرتقب أن يتمّ الالتفاف على جوهر قانون المنافسة في الصيغة النهائيّة التي ستحيلها اللجان المشتركة إلى الهيئة العامّة للمجلس النيابي، من خلال صياغة ملتبسة للبند الخامس تسمح بالحفاظ على حماية الدولة للوكالات الحصريّة. وبهذه الطريقة، سيكون بإمكان نحو 300 شركة وتاجر، من أصحاب الوكالات الحصريّة في مختلف القطاعات الاقتصاديّة، الاحتفاظ بهيمنتهم على هذه القطاعات. أمّا مفاعيل القانون فستقتصر على تشكيل “مجلس المنافسة”، الذي سيحرص على الإضرار بمصالح المستهلكين من خلال هذه الوكالات.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…