للانتخابات في دائرة بيروت الأولى (الأشرفية، الرميل، الصيفي، المدوّر) أهميّة استثنائية تكتسبها من السباق المحموم للفوز بلقب “الحزب المسيحي الأقوى” في 15 أيار. وذلك على بعد أشهر قليلة من انتخابات رئاسية لا بدّ أن تتأثّر بـ”وهج” ما ستفرزه صناديق الاقتراع. فكيف داخل دائرة في قلب العاصمة تعكس المزاج المسيحيّ واتّجاهاته؟
يسلّم الخبراء الانتخابيون بـ”البوكس” الذي تلقّته الأحزاب المسيحية في انتخابات 2018، والمتوقّع أن يتكرّر في ظلّ ولادة أربع لوائح رئيسية.
وفق المعلومات، اشترط سامي الجميّل الذي ركب موجة الثورة عدم ترشّح نديم الجميل على لائحة القوات ليوفّر له الدعم اللازم في الدائرة، وذلك من ضمن قرار الكتائب المركزي بعدم التحالف مع أيّ حزب في المناطق كافّة
في بقعة انتخابية يسجّل فيها الأرمن نحو 35% من مجموع المقترعين الذين بلغ عددهم 44,714 عام 2018، لن يقدر أيّ حزب بقوّته الذاتية على فرض “سطوة الحواصل”.
بلغ الحاصل الانتخابي في الانتخابات الماضية 5,589 صوتاً. وقد تمكّنت لائحة بيروت الأولى القويّة (تحالف التيار الوطني الحرّ والطاشناق ومسعود الأشقر وتيّار المستقبل الذي يُقدّر بلوكه بنحو 1,500 صوت) من نيل 3.5 حواصل ففازت بأربعة مقاعد من أصل ثمانية بمجموع أصوات للّائحة بلغ 18,373. والفائزون هم نقولا صحناوي (كاثوليك) هاغوب ترزيان وألكسندر ماطوسيان (أرمن أرثوذكس) وأنطوان بانو (أقليّات).
وفازت القوات اللبنانية بالتحالف مع ميشال فرعون ونديم الجميّل وأنطوان الصحناوي بـ 3.2 حواصل فنالت ثلاثة مقاعد بمجموع أصوات بلغ 16,772. وقد شغل هذه المقاعد عماد واكيم (أرثوذكس) ونديم الجميّل (ماروني) وجان طالوزيان (أرمن كاثوليك).
وحازت “كلّنا وطني” حاصلاً واحداً (6,842 صوتاً) ذهب لبولا يعقوبيان (أرمن أرثوذكس). وهو خرقٌ حَمَل رسالة سياسية كبيرة حتى لو اُتُّهمت نائبة البرلمان بالحصول على 1,100 صوت سنّيّ عبر دفع الأموال، وهو ما فعله مرشحين في اللوائح الأخرى.
“ضبّاط” معركة الأشرفية
قيادات “معركة الأشرفية” لا يزالون في طور التفتيش عن “ضبّاطها” الذين يضمنون لهم الخروج من المعركة بخسائر الحدّ الأدنى، لأنّ الربح النظيف يكاد يكون مهمّة مستحيلة للجميع في ظلّ ثلاثة عوامل أساسيّة:
– تداعيات ثورة 17 تشرين ثمّ انفجار مرفأ بيروت ودخول معظم الأحزاب في مأزق فقدان شرعية القيادة في مقابل تفريخ مجموعات المستقلّين والمجتمع المدني وبسط الـ”فريش دولار” سطوته بقوّة بعد 2019 في بيروت خصوصاً. وتجزم مفاتيح انتخابية أنّ عامل المال سيكون له دور في التحفيز على التوجّه إلى صناديق الاقتراع، مع وجود بؤر عوز كبيرة وسط منطقة الأغنياء والبورجوازيين. تُقابل هذا التوقُّع تأكيداتٌ أنّ “النَفَس المُعارِض” سيبرز بشكل أكبر في بيروت الأولى بعيداً عن تأثير المال، وقد توجِّه بيروت الصفعة الأقوى للسلطة!
– انحسار التوقّعات أن تتجاوز نسبة الاقتراع عتبة 33% التي سُجّلت في الانتخابات الماضية.
– ارتفاع عدد المسجّلين المغتربين في دائرة بيروت الأولى الذي قفز من نحو 3,400 عام 2018 إلى أكثر من تسعة آلاف ناخب.
عمليّاً، ومن دون تحالفات سياسية دقيقة لا وزن انتخابيّاً للأحزاب يُعتدّ به. ستلعب كسور الحواصل دوراً حاسماً في تحديد الأحجام، لذلك لا تزال التحالفات تُدرَس بعناية بعد التجربة الأولى مع القانون النسبي الذي علّم الأحزاب والمستقلّين وشخصيّات المجتمع المدني دروساً لا تُنسى.
وفاة “المناضل” مسعود الأشقر الذي كان يحظى باحترام وتقدير أبعد بكثير من دائرة أهالي الأشرفية تركت إرباكاً كبيراً لدى التيار الوطني الحر الذي، على الأرجح، قدّر أهميّته إثر غيابه بعدما تسلّق على ظهره ليُثبت “أهليّته” الانتخابية في بيروت الأولى. فمسعود الذي نال 3,762 صوتاً بمجهود خاص يوازي عمل ماكينة حزبية متكاملة كاد يطيح بمقعد نديم الجميّل (4,096).
وصلت ترشيحات بهاء الحريري إلى دائرة بيروت الأولى، وقد اختار العميد السابق في الجيش مارون حتّي عن المقعد الماروني. والأخير كان مستشار الرئيس سعد الحريري للشؤون الأمنيّة لسنوات عدّة، لكنّه انتهى في حضن بهاء
التيّار والطاشناق معاً؟
بخلاف المتن الشمالي تبرز مصلحة أكبر للتيّار والطاشناق بأن يكونا على لائحة واحدة قد توفّر لهما إمكانية الاحتفاظ بغلّتهما الانتخابية التي حصلا عليها عام 2018 (2 للتيّار 2 للطاشناق).
خلاف ذلك سيصعّب المهمّة على الحليفين، فالتيّار بحاجة إلى حاصل والطاشناق إلى حاصلين.
في الدائرة الأولى ينطلق التيار مبدئياً من حاصل واحد سيكون من نصيب نقولا الصحناوي. وحتى الآن لم يتمّ الاتفاق على الاسم البديل عن الأشقر بعد رفض زوجته الترشّح في الانتخابات. و”بلوك” الأصوات الذي تركه ثمين جداً، إذ يناهز أربعة آلاف صوت ويقترب من حاصل، وحدَه. ومن غير المعروف إذا كان سيصبّ مجدّداً في لائحة التيار أو سيتشتّت متوزِّعاً على لوائح المستقلّين والمجتمع المدني.
من الترشيحات المارونية على لائحة التيار جورج شهوان، ومحامٍ من آل عون (يعمل في المحكمة الدولية). وتردّد اسم ناجي حايك، الناشط في التيار الوطني الحرّ، من مدينة جبيل، المتّهم بتسعير الخطاب المسيحي المتطرّف لزوم المعركة الانتخابية.
على مستوى المستقلّين والمجتمع المدني ومجموعات الثورة فتبرز بشكل أساسي لائحة المعارضة التي تضمّ النائبة بولا يعقوبيا
القوّات بلا نديم
رشّحت معراب للانتخابات المقبلة عن المقعد الأرثوذكسي نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني بدلاً من نائبها الحالي عماد واكيم الذي حلّ رابعاً في ترتيب الفائزين (3,936) بعد الصحناوي (4,788) وطالوزيان (4,166) والجميّل (4,096).
وقد أتى تعيين حاصباني رئيساً لمجلس أمناء نادي الحكمة تمهيداً لإعداده للاستحقاق المقبل. وستضمّ اللائحة القواتي الوزير السابق ريشار قيومجيان (أرمن كاثوليك).
لا يزال التفاوض قائماً اليوم بين القوات وفرعون لكي تضمّهما اللائحة نفسها، ويشترط جعجع على نائب الأشرفية السابق الالتحاق بكتلته النيابية، الأمر الذي يرفضه فرعون. وطبعاً سيأتي فوز حاصباني المتوقّع مرّة جديدة على حساب فرعون الذي نال 3,214 صوتاً تفضيلياً. في المقابل نال طالوزيان ضمن لائحة تحالف القوات-الجميّل-الصحناوي-فرعون الأصوات التفضيلية الأعلى.
وفق المعلومات، اشترط سامي الجميّل الذي ركب موجة الثورة عدم ترشّح نديم الجميل على لائحة القوات ليوفّر له الدعم اللازم في الدائرة، وذلك من ضمن قرار الكتائب المركزي بعدم التحالف مع أيّ حزب في المناطق كافّة.
على هذا الأساس هناك معالم تحالف بين طالوزيان والجميّل على لائحة واحدة بدعم من المصرفي أنطون الصحناوي، وهو ما سيصعّب المعركة أكثر على القوات، خصوصاً أنّ سمير جعجع طلب من نديم الجميّل الالتزام بالانضمام إلى كتلة القوات اللبنانية التي ستفرزها الانتخابات المقبلة. وفراق الجميّل للائحة القوات سيضع الأخيرة في مأزق التفتيش عن المرشّح الماروني.
مرشّح بهاء
وصلت ترشيحات بهاء الحريري إلى دائرة بيروت الأولى، وقد اختار العميد السابق في الجيش مارون حتّي عن المقعد الماروني. والأخير كان مستشار الرئيس سعد الحريري للشؤون الأمنيّة لسنوات عدّة، لكنّه انتهى في حضن بهاء. وحتّي المعروف بمواقفه العدائيّة ضدّ حزب الله وميشال عون سيكون ترشيحه في هذه الحالة بوجه نديم الجميّل، لكنّ معالم اللائحة لم تتّضح بعد ولا احتمالات خرقها للوائح الأخرى.
لائحة المعارضة
أمّا على مستوى المستقلّين والمجتمع المدني ومجموعات الثورة فتبرز بشكل أساسي لائحة المعارضة التي تضمّ النائبة بولا يعقوبيان بعدما ترشّحت سابقاً على لائحة “كلّنا وطني” بالتحالف مع حزب سبعة وزياد عبس (القيادي السابق في التيار الوطني الحرّ) وجيلبير ضومط، ونالت 2,500 صوت تفضيليّ.
إقرأ أيضاً: انتخابات زحلة: 7 تغييرات كبيرة
وستضمّ لائحة المعارضة في بيروت الأولى، إضافة إلى يعقوبيان التي تسعى إلى نيل “حاصلها” الانتخابي وربما أكثر، مرشّحين من “مدينتي” عُرِف منهم طارق عمار وندى الصحناوي وليفان تلفزيان، لكن لم يتمّ اعتمادهم بعد، ومرشّحاً عن المقعد الماروني هو زياد أبي شاكر. وهناك مرشّحان من حركة “لبنان عن جديد” (مؤسّسها زياد عبس)، أحدهما فرنسوا حنوش عن مقعد الأقليّات، والآخر عن مقعد الأرمن الأرثوذكس.
وسيُوجَّه يوم الأربعاء المقبل نداءٌ من عدّة مجموعات معارضة وشخصيّات من أجل توحيد الجهود للانضواء تحت ائتلاف كبير معارض للسلطة تكون له مجموعة من المرشّحين في أغلبيّة المناطق اللبنانية.