إن قرأت العنوان أعلاه على أنّه “ألغاز”، أي أحجية إسرائيل وإردوغان، فأنت محقّ، وإن قرأته على أنّه “الغاز” من الوقود والطاقة، فأنت محقّ أيضاً، ولا فرق في الحالة التركية، بل قُلْ الإردوغانيّة.
أمس الجمعة قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للصحافيّين في طريق عودته من أوكرانيا: “يمكننا استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي في بلادنا. وإلى جانب هذا، يمكننا أيضاً الانخراط في جهد مشترك لنقله إلى أوروبا”، مضيفاً: “الآن ستكون هذه القضايا بإذن الله على جدول أعمالنا مع السيد هرتسوغ أثناء زيارته تركيا”، والمقصود هنا هو الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي سيزور تركيا قريباً.
هذه التصريحات التركيّة عن الغاز الإسرائيلي التي يقول فيها الرئيس إردوغان إنّه “يمكننا استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي في بلادنا” صادرة عن الرئيس التركي نفسه الذي هدّد قبل فترة ليست بالقصيرة بإغلاق سفارة بلاده في أبو ظبي وتعليق العلاقات الدبلوماسية معها بسبب اتفاق السلام الإماراتي – الإسرائيلي. وهو نفسه الرئيس إردوغان الذي قالت خارجيّته حينها إنّ التاريخ لن يغفر أبداً “السلوك المنافق” للإمارات في الموافقة على هذه الصفقة. وهو الذي وصفه حسن نصر الله ذات يوم بأنّه عربيّ أفضل من العرب.
بالطبع لا أحد ينكر على السياسي البراغماتية، ولا البحث عن المصالح، لكنّ القصّة هنا هي الشعبويّة، والتضليل وتأجيج الصراعات بالمنطقة، وهذا ما فعلته تركيا منذ أن بدأ ما عُرِف بالربيع العربي، وخصوصاً المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
واليوم، وبسبب الأزمات بالمنطقة، وإحداها أزمة تركيا الاقتصادية، يريد الرئيس إردوغان إعادة التموضع بالمنطقة من خلال البوّابة الإسرائيلية، وهو الذي هاجم دول المنطقة من تحت اللافتة الإسرائيلية، ويريد الآن استعادة النفوذ والمكانة عبر الغاز الإسرائيلي.
ول الخليج، بل قلْ محور الاعتدال العربي، تخلّصت، والحمد لله، من حالة النفاق السياسي هذه، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وتأجيج الشارع، وسخّرت كلّ طاقاتها، وكعادتها، لإصلاح دولها والبحث عن رفاه مواطنيها
اليوم يريد إردوغان لعب دور سياسي من خلال العلاقة مع إسرائيل وعبر استخدام الغاز الإسرائيلي الموجود بتركيا للنفاذ إلى أوروبا عبر البوّابة الاقتصادية، وليس من خلال التهديد باللاجئين، أو “الغيرة” على الدين الإسلامي، كما فعل مع فرنسا.
والقصّة هنا لا تتّصل بالموقف التركي وحده، ولا بتصريحات الرئيس إردوغان، بل هي حالة عامّة في منطقتنا، وخصوصاً مَن لم يطوِّروا أدواتهم السياسية، ولا يزالون يلعبون لعبة الشعبوية، ويستخدمون الورقة الإسرائيلية.
خذ مثلاً البعض في لبنان ممّن يصدعون رؤوسنا بـ”المقاومة” الكذّابة، لكنّهم يبتلعون ألسنتهم عند الحديث عن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل من أجل التنقيب عن النفط والغاز، ولو تمّ التنقيب لربّما رأينا عرضاً منهم للتعاون مع إسرائيل لتأمين الغاز كما تفعل تركيا الآن.
ملخّص القول أنّ دول الخليج، بل قلْ محور الاعتدال العربي، تخلّصت، والحمد لله، من حالة النفاق السياسي هذه، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وتأجيج الشارع، وسخّرت كلّ طاقاتها، وكعادتها، لإصلاح دولها والبحث عن رفاه مواطنيها.
إقرأ أيضاً: إيران أوقفت غازها لتركيا: “عطل فنّيّ” أم “احتباس إقليميّ”؟
ومهما تحسّنت العلاقات التركية، أو غيرها، مع دول الخليج، وهذا أمر جيّد لتخفيف الصراعات بالمنطقة، غير أنّ هذا لا يعني أن لا نرصد ونوثّق، وإلّا لَما تعلّمنا من أخطاء منطقتنا، وأبرزها النفاق الذي يعتبره البعض أداة من أدوات الدبلوماسية وتحقيق المصالح.