روسيا والغرب: العام الثالث يفتح باب تمدّد الحرب

مدة القراءة 7 د


مع تحسّن القوة العسكرية الروسية وقدرة أوكرانيا على الدفاع الجوّي المتقدّم، يُطرح السؤال: كيف ستكون مسارات الحرب في الشتاء الثالث؟ كانت آمال أوروبا أن تتحقّق هزيمة روسيا قبل دخول الحرب عامها الثالث، خاصةً بعد تبنّي استراتيجية المباغتة ضدّ روسيا في الفترة الأولى من الحرب، لكنّ المساعدات العسكرية الغربية الضخمة لم تكن كافية لصدّ الهجمات الروسية وتحقيق أوكرانيا لاختراق عسكري. بعد سنتين، أصبحت الحرب في أوكرانيا تتّخذ شكل استنزاف طويل الأمد في ظلّ مواجهة الغرب لصعوبات في توفير الموارد الحربية الضرورية لصراع منتظم ومستدام، وذلك في توقيت يتزامن مع التصاعد المحتمل للتوتّر في منطقة الشرق الأوسط، وامتداد الحرب في غزّة لتصبح حرباً إسرائيلية شاملة ضدّ لبنان وربّما ضدّ غيره من الدول.

أثار رئيس الوفد الروسي، قسطنطين غافريلوف، في محادثات فيينا بشأن الأمن العسكري والحدّ من التسلّح، قضية الإقلاع المحتمل لطائرة F-16 تابعة للقوّات المسلّحة الأوكرانية من قواعد حلف “الناتو” في أوروبا، محذّراً من أنّ ذلك يُعتبر مشاركة في النزاع

الشرق الأوسط يفاقم ضعف أوكرانيا

الخطوات الغربية لوقف التصعيد في الشرق الأوسط، لتجنّب فتح جبهة إضافية، لم تؤتِ ثمارها. كانت الولايات المتحدة والغرب يأملون في أن تكون خطوة توجيه ضربات للحركات والفصائل الداعمة لقطاع غزّة من خارج مسرح الحرب الأساسي للقطاع، وإن كانت تعتبر خرقاً للقانون الدولي، عاملاً رادعاً لتوسيع نطاق الصراع. لكنّ الأمور تتصاعد وتنبئ بحرب أشمل. ويرى مراقبون أنّ إتمام الصفقة الأميركية لبيع سرب من 25 طائرة  F-35غير المرئية لإسرائيل أخيراً بعد سنوات من تأخيرها لاستياء الإدارة الأميركية من سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يشير إلى احتمالية توسّع الحرب مستقبلاً، خاصةً أنّ من مهامّ الطائرات تدمير الدفاعات الجوّية الإيرانية في حالة وقوع هجوم إسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني، وفقاً لما ذكرته صحيفة “داغنس نيهتر” السويدية.
الجبهة المفتوحة في الشرق الأوسط وفشل أوكرانيا في هجوم الربيع يحوّلان الحرب في أوكرانيا إلى حرب استنزاف، وهو ما يتيح لروسيا فترات لتعزيز دفاعها الجوّي بالروبوتات والطائرات بدون طيّار. ونجاح روسيا في استراتيجيتها، التي تعتمد على إعادة تمركز دفاعها الجوّي في مناطق بعيدة عن أوكرانيا، مثل شبه جزيرة كولا في أقصى شمال روسيا، يمكّنها من توجيه هجمات إلى أهداف أخرى، وفقاً لتصريح أستاذ التحليل الاستخباري في جامعة لوند السويدية، فيلهلم أغريل، وهو ما ينذر بدخول الحلف الأطلسي في صراع مباشر مع روسيا. مخاوف أكّدتها إيرينا فيريشتيوك، اليد اليمنى للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في كلامها لصحيفة “سفينسكا داغبلادت” السويدية، معترفة بأنّ خطّة الحرب لم تسِر كما كان مخطّطاً لها، وأنّ الغرب استهان بروسيا. وترى أنّ توجيه الغرب أنظاره إلى منطقة الشرق الأوسط يعرّض أوكرانيا للمزيد من الضعف، الذي قد تستغلّه روسيا لتوجيه ضربات موجعة أو استهداف أهداف جديدة، بما في ذلك السويد.

عضوية السويد في حلف الناتو تضمن للحلف موقعاً استراتيجياً مهمّاً في الحرب. وفي ضوء ذلك، يجري سباق مع الزمن لتسريع خطوات انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، خاصةً من الجانب الأميركي من خلال دعوة الرئيس جو بايدن الكونغرس إلى الموافقة على صفقة بيع طائرات F-16 لتركيا في أسرع وقت. هذه الصفقة، التي تقدّر بحوالي 20 مليار دولار، ضمنت الموافقة التركية على عضوية السويد. ولم يبقَ سوى توقيع المجر المتوقّع في السادس والعشرين من شباط بعد استئناف البرلمان لعمله قبل أن تتمكّن السويد من أن تصبح العضو الـ 32 في الحلف الأطلسي. وستكون مهمّة السويد الحاسمة في الحلف هي “تمرير مسار لقوات الناتو عبر السويد ودعم الجبهة الشرقية ضدّ روسيا”.

تراقب روسيا هذه الخطوات بدقّة وعن كثب، ليس فقط من الناحية الاستخبارية، لكن أيضاً من الناحية اللوجستية. هي رسالة أراد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يوجّهها للحلف الأطلسي، وذلك من خلال زيارته المفاجئة لمنطقة كالينينغراد، التي تبعد أقلّ من 30 ميلاً برّيّاً عن سواحل السويد، في اليوم نفسه الذي وقّع فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على عضوية السويد، يوم الخامس والعشرين من كانون الثاني. واعتبر بعض المحلّلين زيارة بوتين لكالينينغراد، التي غالباً ما يُنظر إليها على أنّها نقطة اشتعال محتملة للصراع المستقبلي بين الناتو وروسيا، بمنزلة “محاولة واضحة للإشارة إلى أنّ بحر البلطيق ليس بحراً تابعاً للناتو بعد انضمام السويد إليه”.

تُجري وارسو وكييف مفاوضات سرّية حول توجيه طيّارين بولنديّين لقيادة طائرة F-16 نُقلت إلى القوات المسلّحة الأوكرانية، وهو ما يشكّل إجراءً يُعادل أعمال الحرب من قبل دولة من “الناتو” ضدّ روسيا

مصدر موثوق: كييف مهتمّة بجرّ “الناتو” إلى المواجهة

في حين يترقّب الغرب اشتعال فتيل الصراع من الجانب الروسي، لكنّ هناك مخاوف من أن تكون كييف سبباً في دفع “الناتو” نحو مواجهة مسلّحة مع روسيا على أراضيها، خصوصاً إذا توقّف الغرب عن تمويلها وتقديم المساعدات العسكرية لها.

يمكن أن يحدث صدام مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي “الناتو” في حال استخدمت القوات الأوكرانية طائرات F-16 المقدّمة من الغرب ضدّ الجيش الروسي، نظراً إلى أنّ خصائص تلك الطائرات تسمح باستخدامها في النزاع الروسي الأوكراني حصراً داخل حدود دول “الناتو”.

وبناءً على معلومات موثوقة، تُجري وارسو وكييف مفاوضات سرّية حول توجيه طيّارين بولنديّين لقيادة طائرة F-16 نُقلت إلى القوات المسلّحة الأوكرانية، وهو ما يشكّل إجراءً يُعادل أعمال الحرب من قبل دولة من “الناتو” ضدّ روسيا.

أثار رئيس الوفد الروسي، قسطنطين غافريلوف، في محادثات فيينا بشأن الأمن العسكري والحدّ من التسلّح، قضية الإقلاع المحتمل لطائرة F-16 تابعة للقوّات المسلّحة الأوكرانية من قواعد حلف “الناتو” في أوروبا، محذّراً من أنّ ذلك يُعتبر مشاركة في النزاع.

حرب المعلومات في ساحة المعركة

تشير الحسابات إلى أنّ تماسك الغرب ودعمه قد يفشلان، كما أقرّ باتريك أوكسانين، خبير السياسة الأمنيّة في مركز أبحاث فريفارلد السويدي، داعياً إلى عدم الانجرار وراء محاولات روسيا للتأثير على الرأي العامّ الأوروبي وإحباطه حفاظاً على التماسك الغربي. ويأتي في هذا السياق نشرُ استطلاع أجرته جامعة شيكاغو، الذي يُظهر أنّ ستّة من أصل عشرة روس يرون أنّ الحرب في أوكرانيا يجب أن تستمرّ، وكان يأمل الغرب أن يتمكّن الروس من الضغط على الكرملين لوقف الحرب. لكنّ بوتين نجح في تبرير الحرب لفترة طويلة أمام الشعب الروسي باعتبارها حرباً بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة.

إقرأ أيضاً: غزّة: “اليوم التالي”.. لبنان: “اليوم السابق”

التأثير في الساحة المعلوماتية مستمرّ، ومنها الهجوم الإلكتروني الأخير على 120 هيئة سويدية، وأبرزها الهجوم على البنك المركزي السويدي من قبل مجموعة القراصنة الروسية أكيرا، الذي تسبّب بأعطال قد يستغرق إصلاحها أسابيع على مواقع الويب وعدم حصول آلاف الموظفين على رواتبهم. الحرب الإعلامية أيضاً مستمرّة، حيث يحرص الرئيس بوتين على الظهور مبتسماً عقب كلّ تصريح. وآخر هذه التصريحات كان أثناء إعلانه أنّ بلاده أنتجت 1,400 دبابة جديدة خلال الوقت الذي تلقّت فيه أوكرانيا 400 دبابة من الغرب. وهي محاولة من روسيا للتأثير على العالم الخارجي للاعتقاد بأنّ مساعدة أوكرانيا لا تجدي نفعاً. وفي حين تحوّلت روسيا إلى اقتصاد حرب يعتمد على إنتاجها العسكري الخاص، فإنّ لديها بشكل رئيسي كوريا الشمالية وإيران كمورّدين، مقابل اعتماد أوكرانيا على إنتاج الدول الغربية التي تحتاج إلى مضاعفة إنتاجها من الأسلحة لاتّخاذ قرارات قويّة من جانب الحكومات.

مع توقّع دخول حرب أوكرانيا فترة استنزاف طويلة، إلا أنّ الحرب في سنتها الثالثة قد تحمل مفاجآت وتفتح على احتمال مواجهة مباشرة بين روسيا وحلف الناتو في حال وجّه الرئيس بوتين ضربة خارج أوكرانيا، أو إذا أراد الغرب توجيه ضربة حاسمة لروسيا قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…