لا تسوية.. إلاّ على أنقاض نتنايناهو وحماس

مدة القراءة 5 د


منذ أن فرضت إسرائيل وجودها في عام 1948 بالقوّة العسكرية وبقوّة الضغط الدولي، لم يعرف الشرق الأوسط هذا الحجم الكبير من عدد الضحايا الفلسطينيين ومن عدد القتلى الإسرائيليين. ولم تكن المنطقة سياسياً ونفسياً أبعد عن السلام أو التسوية كما هي الآن.

مع ذلك فإنّ الرئيس الأميركي جو بايدن الذي وضع كلّ رهانه الانتخابي في السلطة الصهيونية – الأميركية يردّد بكثير من الأمل (وليس الثقة) أنّ ذلك كلّه فتح الطريق من جديد أمام حلّ سياسي يقوم على قاعدة الدولتين: إسرائيل وفلسطين. ولكنّ المشاعر الفلسطينية – اليهودية أبعد ما تكون اليوم عن مبدأ العيش معاً في إطار دولتين متجاورتين. فالخندق الدموي الذي جرفته القوات الإسرائيلية في غزة أعمق من أن يُردم وأوهى من أن يُرمّم.

كان مطروحاً مشروع حلّ يقوم على “الدولة الواحدة” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على غرار الصيغة اللبنانية، لكنّ هذا المشروع الذي كان صعباً في السابق أصبح مستحيلاً الآن

هناك عاملان متكاملان في رسم صورة الوضع المأساوي لمرحلة ما بعد الحرب على غزة. العامل الأوّل هو العنف الذي لا سابق له وقد مارسته القوات الإسرائيلية عن سابق تصوّر وتصميم. والعجز العربي عن القيام بأيّ عمل لصدّ هذا العنف أو حتى للتخفيف منه. ولذلك يُنظر إلى مقولة الرئيس بايدن بحلّ الدولتين على أنّه مجرّد ورقة توت لتغطية الوحشية الإسرائيلية من جهة، والعجز العربي من جهة ثانية، والتورّط الأميركي في تغطية الأمرين معاً.

حلّ الدولتين: طرح قديم

في الأساس ليست فكرة حلّ الدولتين جديدة. لقد بلغت الآن من العمر قرناً كاملاً 77 عاماً. فقد تبنّتها الأمم المتحدة في عام 1947 على أن تكون القدس مدينة دولية (التدويل هو اقتراح فاتيكاني في الدرجة الأولى لأنّ الفاتيكان ما كان يريد أن تكون المواقع المسيحية المقدّسة تحت إشراف إسرائيل). لكنّ المجموعة العربية رفضت هذا الحلّ في حينه لأنّها كانت ترفض من حيث المبدأ الاعتراف بإسرائيل.

تجدّد طرح حلّ الدولتين في مؤتمر مدريد عام 1991، لكن دون التوصّل إلى نتيجة عملية. وأُعيد طرحه في اتفاق أوسلو (النرويج) عام 1993، لكن دون نتيجة أيضاً، على الرغم من أنّ الاتفاق حدّد مدّة زمنية، خمس سنوات، لتنفيذ الاتفاق الذي جعلت منه حكومة نتانياهو الحالية (التي تضمّ مجموعة من غلاة التطرّف الديني)، مجرّد “ورقة مرحاض”.

توالت قبل ذلك سلسلة الإخفاقات من كامب ديفيد حتى طابا إلى “طريق السلام” التي رسمها الرئيس بوش وتبنّاها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. إلا أنّها انهارت تماماً في عام 2014. فهل باستطاعة الرئيس بايدن، وهو الكاثوليكي المؤمن، أن يخرجها إلى النور من جديد في ذكرى ولادة المسيح عليه السلام؟

منذ أن فرضت إسرائيل وجودها في عام 1948 بالقوّة العسكرية وبقوّة الضغط الدولي، لم يعرف الشرق الأوسط هذا الحجم الكبير من عدد الضحايا الفلسطينيين ومن عدد القتلى الإسرائيليين

انقلاب الموازين في 7 أكتوبر

إذا تحقّقت المعجزة وقامت دولة فلسطينية من غزة والضفة الغربية، فإنّ معنى ذلك أنّ هذه الدولة تقوم على مساحة 22 في المئة فقط من الأرض الفلسطينية التاريخية. وبموجب المشروع المتداول، فإنّ لإسرائيل الحقّ في الإبقاء على عدد من المستوطنات الكبيرة في الضفة مقابل منح الدولة الفلسطينية المقترحة أراضي في مواقع أخرى، وهو ما يسمّى بتبادل الأراضي. أمّا في ما يتعلّق باللاجئين الفلسطينيين، فإنّ المشروع يقضي بالسماح لجزء منهم بالعودة إلى الدولة الفلسطينية، الجديدة، أو العودة إلى قراهم في إسرائيل. ولكنّ أيّ عودة يمكن أن تتحقّق بعد شلّالات الدم التي انهمرت في غزة وفي الضفة الغربية والتي جعلت التعايش الفلسطيني – الإسرائيلي مستحيلاً؟

من هنا فإنّ الأحداث التي انطلقت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، قلبت صورة الوضع رأساً على عقب، وجعلت من المقترحات الممكنة التنفيذ مستحيلة، ما لم تتغيّر طبيعة السلطة في إسرائيل وفي غزة على حدّ سواء.

كان مطروحاً مشروع حلّ يقوم على “الدولة الواحدة” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على غرار الصيغة اللبنانية، لكنّ هذا المشروع الذي كان صعباً في السابق أصبح مستحيلاً الآن.

إقرأ أيضاً: فلسطين 2024: المتاهة الجديدة للفلسطينيين..

من أجل ذلك تجري الآن إعادة النظر في مشاريع التسوية على قاعدة تغيير القيادات السياسية الإسرائيلية (نتانياهو) والفلسطينية (حماس) بحيث تؤول الأمور إلى عناصر أكثر قابلية للتعامل بإيجابية مع مقترحات التسوية التي تتطلّب تراجعاً من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. أمّا كيف يتمّ ذلك، ومن يتولّى ضمانه وتنفيذه، ومن يدفع ثمنه ويتحمّل عواقبه، فإنّه حتى الآن في عالم الغيب. فلا حماس ولا نتانياهو على استعداد للتخلّي طوعاً لسلطة أو لحاكم بديل. ولذلك يُتوقّع بعد غزة انفجار اضطرابات واهتزازات في مؤسّسات السلطة في كلّ من إسرائيل وفلسطين، والنتائج التي تسفر عنها هذه الاهتزازات “المبرمجة” يفترض أن تفتح الطريق أمام تسوية ما لا يكون مصيرها ذرّاً للرماد في العيون كما حدث مع مشاريع التسويات السابقة.

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…