دبلوماسيان أميركيان تجسّسا لكوبا 25 عاماً… إيماناً بثورتها

مدة القراءة 4 د


يواجه البنتاغون الأميركي (وزارة الدفاع) أزمة غير مسبوقة.

لا تعود أسباب هذه الأزمة إلى الحرب الروسية في أوكرانيا، أو الحرب الإسرائيلية في غزة، ولا حتى إلى التصعيد العسكري حول تايوان بين الصين والولايات المتحدة.. مصدر الأزمة هو الجارة الصغيرة كوبا.

لقد اكتشفت المخابرات الأميركية في الرابع من شهر كانون الأول الماضي، أنّ سفيراً سابقاً للولايات المتحدة يُدعى “فكتور مانويل روشا” كان عميلاً للمخابرات الكوبية (الروسية)، وأنّه بدأ العمل المخابراتي لمصلحة “العدوّ” في عام 1981، أي في عام التحاقه بوزارة الخارجية الأميركية، وأنّه خلال الفترة الممتدّة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم تبوّأ مراكز قيادية في الدبلوماسية الأميركية من خلال المناصب التالية:

– رئيس دائرة دول أميركا الجنوبية في مجلس الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض.

– قائم بأعمال السفارة الأميركية في كوبا – هافانا.

– نائب السفير الأميركي في الأرجنتين.

– سفير الولايات المتحدة لدى بوليفيا بين عامَي 1989 و2002.

حتّى بعد تقاعده عمل منذ عام 2006 مستشاراً لقيادة أركان البنتاغون في قسم أميركا الجنوبية. واستمرّ في عمله حتى عام 2016. وهذا يعني أنّ هذا الدبلوماسي الأميركي عمل جاسوساً لمصلحة كوبا داخل الإدارة الأميركية لمدّة 42 عاماً دون أن يُكتشف أمره.

اكتشفت المخابرات الأميركية في الرابع من شهر كانون الأول الماضي، أنّ سفيراً سابقاً للولايات المتحدة يُدعى “فكتور مانويل روشا” كان عميلاً للمخابرات الكوبية (الروسية)، وأنّه بدأ العمل المخابراتي لمصلحة “العدوّ” في عام 1981

إيمان بعدالة القضية الكوبية

الغريب ما أثبتته التحقيقات معه، من أنّه لم يكن يتجسّس من أجل المال أو نتيجة لابتزازه في أمر ما. كان يتجسّس لمصلحة كوبا، وهو دبلوماسي أميركي بدرجة رفيعة، عن إيمان بعدالة القضية الكوبيّة. ولذلك لم يحصل على أيّ أجر مادّي أو على أيّ تعويض معنوي، سوى إرضاء نفسه، كما قال في التحقيق معه، وهو الأمر الذي لم يستطع المحقّقون إثبات عكسه.

مع اكتشاف أمره، اكتشفت المخابرات الأميركية أنّ له أصدقاء يتعاونون معه داخل الإدارة الأميركية، وخاصة في وزارة الخارجية والبنتاغون. وربّما أهمّهم السفيرة “آنا مونتس” التي كانت تتولّى لسنوات عديدة مهمّة غاية في السرّية في البنتاغون، وهي دراسة وتحليل التقارير الاستخبارية التي ترد إلى الوزارة (من العملاء والدبلوماسيين) حول كوبا بصورة خاصة. والمفاجأة الكبرى التي صدمت الإدارة الأميركية تتمثّل في أنّ هذه السيّدة الأميركية بدأت التجسّس لمصلحة كوبا منذ عام 1984. ولم تُكتشف إلا في عام 2001. وخلال عملها كشفت للحكومة الكوبية أسماء أربعة من العملاء السرّيّين الأميركيين كانوا يعملون لحساب أميركا في كوبا. كما زوّدت السلطات الكوبية بتفاصيل عن العمليات العسكرية والمخابراتية التي قامت بها الولايات المتحدة في كلّ من بنما ونيكاراغوا والسلفادور.

عندما اكتُشف أمرها اعترفت بأنّها تحوّلت تلقائياً استجابة لنداء ضميرها الإنساني. وذلك في ضوء السياسة العسكرية التي اعتمدها الرئيس الأسبق رونالد ريغان في بعض دول أميركا الجنوبية، وخاصة تلك التي تجسّدت باحتلال جزيرة غرانادا في عام 1983، ودعمه للكونترا، وهي جماعات يمينية متطرّفة في نيكاراغوا.

أمّا “فكتور روشا” فلم يتردّد بعدما اكتُشف أمر عمالته لكوبا في أن يقول للمحقّقين في وزارة الدفاع الأميركية: “كان كلّ هدفي أن لا تسقط الثورة الكوبية”.

اليهود والولاء المزدوج في الإدارة الأميركية

من هنا السؤال عن ظاهرة الولاء المزدوج ليهود الولايات المتحدة (بين إسرائيل وأميركا). فوزير الخارجية الأميركي نفسه قال في أوّل زيارة تضامن قام بها لاسرائيل في الشهر الماضي بالفم الملآن: “أنا لست هنا بصفتي أميركياً فقط، أنا هنا بصفتي يهودياً في الدرجة الأولى”. ولم يعد سرّاً أنّ جنوداً يهوداً من الولايات المتحدة وفرنسا وعدّة دول أوروبية أخرى تجنّدوا في الحرب ضدّ غزة ولا يزالون حتى اليوم.

إقرأ أيضاً: 62 مستوطنة جديدة في الضفّة… منذ بداية حرب غزّة

كانت الولايات المتحدة في الستّينيات من القرن الماضي اكتشفت عملية تهريب لليورانيوم المخصّب من مفاعلات أميركية بضاحية نيويورك إلى مفاعل ديمونا في إسرائيل. على الرغم من أنّ المهرّبين اعترفوا وحوكموا وأدينوا وسُجنوا فعلاً، إلا أنّ التدخّلات الإسرائيلية، إضافة إلى ضغوط اللوبي الصهيوني، نجحت في إطلاق سراحهم بشرط إخراجهم من الولايات المتحدة وإبعادهم إلى إسرائيل بعد سحب الجنسية الأميركية منهم.

في الحسابات الأميركية أنّ كوبا عدوّ. أمّا إسرائيل فهي صديق وحليف. والتجسّس لحساب العدوّ خيانة وجريمة ضدّ الوطن.. وأمّا التجسّس لحساب الحليف والصديق فمجرّد خطأ مغفورةٌ خطاياه!!

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…