متى تحطّ طائرة إردوغان في القاهرة؟

مدة القراءة 8 د


تتّجه الأنظار صوب الزيارة الموعودة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمصر والتي أُعلن عنها قبل أشهر وأُرجئت أكثر من مرّة، لكنّها لم تتمّ حتى الساعة. أكثر من مؤشّر وتسريبات إعلامية ودبلوماسية تتحدّث عن اقتراب موعد ركوب إردوغان الطائرة التي ستقلّه إلى القاهرة.

حوار “استكشافي” استخباري – دبلوماسي بدأ قبل 3 سنوات نجح في إزالة كتل الجليد. ثمّ تواصل عبر زيارات ذات طابع إنساني بعد كارثة الزلزال التي حلّت بمدن جنوب تركيا في شباط المنصرم. وزير الخارجية المصري سامح شكري في أضنة للمساندة، وبعدها بأسابيع نظيره التركي مولود شاووش أوغلو في القاهرة للمرّة الأولى منذ سنوات طويلة، ليعلن من هناك عن لقاء قمّة مرتقب بين الرئيسين التركي والمصري.

في أيار المنصرم كان اتصال الرئيس عبد الفتاح السيسي الثاني بإردوغان بعد اتصال التعزية والتضامن إثر الزلزال، لكن لتهنئته هذه المرّة على إعادة انتخابه رئيساً لتركيا. الاتصال وصفته أنقرة باللفتة الطيّبة من الرئيس المصري التي واكبها اتفاق على تسريع إعادة تبادل السفراء.

قليل جداً هو عدد من يتحدّثون اليوم في الداخل التركي عن الشعارات المرفوعة قبل عقد ونيّف وسيناريوهات ما بعد ثورات “الربيع العربي”. الحديث في المقابل يدور أكثر حول ضرورة المصالحة التركية المصرية وفوائدها للجانبين

تبادل التهاني… واللطافة

قبل شهرين جاء الدور على إردوغان الذي اتصل في مطلع تشرين الأول بنظيره المصري لبحث تطوّرات الوضع في غزة وتنسيق المواقف. ثمّ كانت مكالمة هاتفية أخرى في كانون الأول المنصرم أعرب إردوغان فيها عن تمنّياته بالنجاح للسيسي الذي أُعيد انتخابه لفترة رئاسية جديدة، وثمّنتها الرئاسة المصرية باللفتة الطيّبة من قبل الرئيس التركي.

فصَلت بين الاتصالين طبعاً المصافحة التاريخية في تشرين الثاني 2022 وخلوة الدوحة التي تمّت بجهود الشيخ تميم على هامش افتتاح نهائيات كأس العالم في قطر. ولقاء القمّة على هامش مجموعة العشرين في نيودلهي، الذي وصفه إردوغان بأنّه كان “إيجابياً للغاية”، وقال إنّ “العلاقات التركية المصرية وصلت إلى مرحلة جديدة عقب خطوة تبادل السفراء”.

ثمّ راحت تتواصل منذ العام المنصرم لقاءات مكثّفة على كلّ المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية عبر زيارات متبادلة على خطّ أنقرة – القاهرة. وصلت جهود التطبيع إلى الإعلان عن أرقام تبادل تجاري تجاوزت 10 مليارات دولار في العام المنصرم. والهدف هو رفعها إلى 15 ملياراً خلال السنوات الثلاث الآتية، بعدما كانت قبل 4 أعوام لا تتجاوز أربعة مليارات.

لفهم واستيعاب ما يجري وقراءة خصوصية الأرقام من المفيد التوقّف عند تراجع علاقات تركيا الاقتصادية مع إيران في الأعوام الأخيرة من 22 مليار دولار إلى 6 مليارات مثلاً.

أسباب تسريع حصول اللقاء

نتابع منذ أشهر تصريحات تركية – مصرية تتحدّث عن القمّة المؤجّلة لأكثر من سبب إقليمي وسياسي وأمنيّ تعني البلدين. لكنّ القناعة الجديدة هي أنّ أسباب التأجيل ستكون لها ارتداداتها السلبية على مصالح الطرفين إذا ما طالت أكثر من ذلك. بقدر ما يتطلّب مسار العلاقات الثنائية تسريع تحديد موعد اللقاء، يستدعي الكثير من الملفّات الإقليمية الساخنة التي تعني البلدين التحرّك السريع لبحث فرص التفاهم والتنسيق في هذه المسائل.

قليل جداً هو عدد من يتحدّثون اليوم في الداخل التركي عن الشعارات المرفوعة قبل عقد ونيّف وسيناريوهات ما بعد ثورات “الربيع العربي”. الحديث في المقابل يدور أكثر حول ضرورة المصالحة التركية المصرية وفوائدها للجانبين

هناك أكثر من مؤشّر سياسي وأمنيّ واقتصادي تستدعي ذلك:

أوّلاً: هناك تطوّرات الوضع السياسي والأمنيّ والحياتي في قطاع غزة وفرص التعاون لدعم الشعب الفلسطيني وبحث سبل ووسائل تخفيف معاناته. ثمّ هناك ما يتردّد حول وجود خطط غربية لإنهاء الحرب في غزة بما يتناسب مع مصالح إسرائيل وحسابات هذه العواصم، خصوصاً بعد جولة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في المنطقة قبل أيام، وذلك في إطار “أفق سياسي” يتحدّث عن مواصفات غربية للدولة الفلسطينية التي ستدعمها العواصم الغربية إلى جانب إسرائيل، ضمن نطاق تشكيل حكومة فلسطينية تكنوقراطية لإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا إلى جانب نقاش سيناريوهات “اليوم التالي” في القطاع، بعد إسقاط ورقة تل أبيب التي حاولت التلويح بها والحصول على دعم غربي لمخطّط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة، ونجاح القاهرة في مواجهة كلّ الضغوطات الغربية التي تعرّضت لها بهذا الاتجاه، وتمسّكها بإدخال المساعدات إلى غزة كشرط مسبق لأيّ حوار مع الجانب الإسرائيلي.

ثانياً: هناك مخاطر التصعيد في الإقليم ومتطلّبات الاستعداد المشترك لسيناريو اشتعال الجبهات بين طهران وشركائها في المنطقة من جهة، وبين تل أبيب وواشنطن من جهة أخرى، خصوصاً على جبهات جنوب لبنان والجولان وتوتير الحدود السوريّة الأردنية.

ثالثاً: هناك أجواء التعبئة والشحن المتواصل في حوض البحر الأحمر وباب المندب وتمسّك جماعات الحوثيين بقرار التوتير في هذه البقعة الجغرافية الاستراتيجية تحت ذريعة الردّ على إسرائيل في غزة، وبروز الردّ التركي المصري السعودي في إطار التوافق الثلاثي على ضرورة الحؤول دون اتّساع رقعة المواجهات في البحر الأحمر ورفض محاولة تحويلها إلى أزمة إقليمية تهدّد المصالح التجارية والحيوية للكثير من الدول.

رابعاً: هناك خطط الممرّات التجارية الإقليمية المشتركة، وفي مقدَّمها مشاريع نقل البضائع عبر الممرّات المائية والبرّية، وبينها الممرّ العراقي والهندي والصيني والقوقازي، وكلّها تعني أنقرة والقاهرة عن قرب.

خامساً: متطلّبات تسريع ترجمة التهدئة السياسية الأخيرة في شرق المتوسط وضرورة تفعيل خطط نقل الغاز بعد التقارب والانفتاح التركي اليوناني.

سادساً: ضرورة صناعة تفاهمات في قضايا تعني مصالح البلدين في القارّة السمراء، وهو ما يستدعي التنسيق المشترك للمساهمة في حلّ مشاكل ليبيا والسودان والصومال وتجيير فرصهما الاستراتيجية هناك إلى خطط تعاون ثنائي ومتعدّد الأطراف.

سابعاً: بحث سبل التعاون في دفع ملفّات التوتّر والتأزّم في سوريا ولبنان وقبرص، وما يمكن أن يقدّمه كلّ طرف باتجاه توسيع رقعة تبادل الخدمات السياسية والاقتصادية والأمنيّة على طريق التهدئة والحلحلة في هذه القضايا.

 

إسرائيل متضرّرة…

بقدر ما هناك ضغوطات إيرانية روسية إسرائيلية أميركية في الإقليم تستدعي تسريع القمّة التركية المصرية، هناك متطلّبات عربية إسلامية تحتّم تفعيل الحوار التركي المصري، وترجمته إلى خطط وبرامج عملية إقليمية لم تعد هناك فائدة في إرجائها أو تأخير موعدها أكثر من ذلك. فواشنطن هي التي تحثّ إسرائيل على “اتّخاذ إجراءات” لحماية المدنيين واحترام المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة في غزة. وتعارض في الوقت نفسه قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي، وذلك دفاعاً عن إسرائيل التي “لا ترتكب حرب إبادة في القطاع ضدّ الشعب الفلسطيني”، وفق الخارجية الأميركية. والأخيرة تتمسّك بجسرها الجوّي والبحري العسكري الداعم لتل أبيب. وواشنطن نفسها تدرك تماماً أنّ إسرائيل وقيادتها هي أبرز من يعيش اليوم خيبة أمل التقارب والانفتاح ومسار التطبيع بين أنقرة والقاهرة. فتل أبيب كانت قبل سنوات تمنّي النفس بأن تكون جزءاً من التقارب التركي المصري الذي تريده أن يتحوّل إلى تنسيق ثلاثي يفتح الأبواب أمامها في الإقليم. فكيف ستخرج من ورطة غزة وهي تواجه المواقف التركية المصرية المتشدّدة حيالها في هذه الآونة؟

إقرأ أيضاً: تركيا أمام “محاولة انقلاب” أميركية – إسرائيلية؟

قليل جداً هو عدد من يتحدّثون اليوم في الداخل التركي عن الشعارات المرفوعة قبل عقد ونيّف وسيناريوهات ما بعد ثورات “الربيع العربي”. الحديث في المقابل يدور أكثر حول ضرورة المصالحة التركية المصرية وفوائدها للجانبين.

توحي تصريحات الرئيس التركي أنّ الأمور وصلت إلى خواتيمها. فمصر “ليست دولة عاديّة بالنسبة لنا”، يقول إردوغان. وهذا يعني أنّ الرئيس التركي نسي تماماً ما قاله في آذار 2019 وهو يردّد بجولة الإياب في انتخابات بلديّة إسطنبول: “هذا الأحد نحدّد من الذي نختاره: السيسي أم بن علي يلدرم؟”. وهذه التصريحات أسفرت عن فوز مرشّح المعارضة أكرم إمام أوغلو.

المصافحات والتواصل ومسار التطبيع وصلت إلى ذروتها بعد أكثر من لقاء “صدفة” أو معلن بشكل رسمي في العامين الأخيرين. وكلّ هذا سهّل الانتقال بالعلاقات من مرحلة إلى أعلى. الباقي هو الإعلان الرسمي عن تاريخ زيارة اقترب موعدها.

لمتابعة الكاتب على تويتر: Profsamirsalha@

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…