حكومة فرنسا الجديدة (2/2): هل يُصلح أتال.. ما أفسده ماكرون؟

مدة القراءة 5 د


تتحضّر الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة غبريال أتال، ظلّ إيمانويل ماكرون و”بديله” أمام هجمات المعارضة الفرنسية، لتواجه سلّة مبارزات متكاملة ومنافسات جامدة على حلبات التشريع والسياسة. وسيكون هناك العديد من القوانين والتشريعات محلّ جدال ونقاش وخلاف، من أبرزها:
– قانون الهجرة والإصلاحات التقاعدية.
– قانون التعليم.
– الإجراءات الأمنيّة.
–  قانون الموت الرحيم.
– قانون الإجهاض.
– التحدّيات الأوروبية.
– إصلاحات سوق العمل وخفض المديونية.
– تحدّي المحافظة على الطبقة الوسطى.

قانون الهجرة
التحدّي الأساسي هو قانون الهجرة، الذي بدا كأنّه انتصار لليمين واليمين المتطرّف (الجمهوريّين والتجمّع الوطني)، بسبب النقاشات البرلمانية العلنية قبل صدوره. وقد كان الغرض من إصداره هو كبح جماح اليمين المتطرّف قبل الانتخابات الأوروبية. وحكومة أتال ستلعب دور “تطمين” التحالف الرئاسي المؤلّف من النهضة وحزب آفاق اللذين قسّمتهما تلك المناقشات، وهو ما هدّد أكثرية ماكرون.

يحاول ماكرون استثمار شعبية أتال في الاستحقاق الاتّحادي الأوروبي المقبل، فيسعى إلى كبح أو تجاوز اليمين مع حليفَيه الحركة الوطنية وآفاق

هنا يكمن التحدّي أمام الحكومة الجديدة، التي سيكون عليها أن تجد النقاط المشتركة التكتيكية المصطنعة مع هامش المناورات العالية، حيث سيطالب اليمين واليمين المتطرّف بمراجعة الدستور من أجل مراجعة الهوامش المتعلّقة بالسيادة في سياسات الهجرة وقيمها الدستورية، في ردّ مباشر من اليمين.

حماية الطبقة الوسطى
أيضاً تواجه هذه الحكومة امتحاناً في المصداقية، من خلال إجراءاتها للحفاظ على الطبقة الوسطى، تلك التي تتألّم في فرنسا بسبب اعتبارها “غير محتاجة” بالقدر الكافي لكي تحظى بالمساعدات الحكومية، وبسبب انهيار قدرتها الشرائية وعدم استطاعتها تحمّل تكاليف الحياة والضريبة. يتزامن هذا مع تحدّيات اقتصادية أبرزها ضرورة خفض معدّلات البطالة ومواجهة غلاء المعيشة والارتفاع في الأسعار. وللتذكير تحظى هذه الطبقة باحترام كبير ومكانة مهمّة في التاريخ السياسي الفرنسي المعاصر، لأنّها الطبقة المؤسّسة للجمهورية الخامسة. وتحاول فرنسا الحفاظ على صورتها باعتبارها الأكثر جاذبية للاستثمار الاجتماعي والاقتصادي في أوروبا.

القطاع الصحّيّ
يتمثّل القطاع الصحّي في كونه تحدّياً آخر أمام هذه الحكومة. فهو على الرغم من الدعم والأموال التي خصّصت له، ما زال يعاني من نقص في موارده الإنسانية البشرية (أطبّاء وممرّضين وممرّضات). فقد ظهر نقص فاضح في المؤسّسات الاستشفائية في المناطق الريفية. مع اتجاه إلى نوع من ربط النزاع الصحّي والطبّي مع الاشتراكيين واليساريين في موضوع قانونَي الموت الرحيم والإجهاض، مع توجّه إلى إمكانية إقرار حقّ الإجهاض كقيمة دستورية. وهو ما سوف يخلق في القريب العاجل جدلاً كبيراً، وخاصة في الأوساط اليمينية واليسارية.

سوف يكرّس أتال جهداً لامتناهياً لأجل عدم تخطّي التوازنات السياسية العريضة.لأنّ التحالف الحاكم لا يتمتّع بالأغلبية المطلقة، وهو تحدٍّ صعب جداً

مشاكل في النظام التعليميّ والتهديدات الأمنيّة
لقد حان الوقت لتظهر معضلات النظام التعليمي الذي باتت له أولوية مطلقة، فمن أجل جمهورية أقوى ينبغي أن تكون الخطط التعليمية المستقبلية طموحة وابتكارية وستكون أساسية مشاكل الأمن والنقل والمواصلات، لا سيما أنّ فرنسا مقبلة على استحقاق عالمي كبير، وهو استقبال الألعاب الأولمبية في صيف 2024، في مرحلة تعاني فيها فرنسا من ثقل التهديدات الإرهابية. فهي تريد تأمين الألعاب الأولمبية وتجاوز امتحانها، من دون فتح أيّ فرصة لاستهدافها.

استحقاقات أوروبيّة اتّحاديّة
تفصل عدّة شهور هذه الحكومة عن الاستحقاقات الأوروبية الداهمة والصعبة. وهو ميدان منافسة لها مع قوى اليمين والشعبوية، خصوصاً بعدما تصدّر ممثّلو اليمين الاستطلاعات الأوروبية. وهي جولة دفاعية جديدة عن القيم التي لطالما دافع ماكرون عنها عبر التغلّب على الانقسامات والتجديد.
يحاول ماكرون استثمار شعبية أتال في الاستحقاق الاتّحادي الأوروبي المقبل، فيسعى إلى كبح أو تجاوز اليمين مع حليفَيه الحركة الوطنية وآفاق. كان واحداً من أسباب اختيار أتال هو التجهيز لمقارعة سياسية بين الشباب، لا سيما أنّ ممثّل اليمين جوردان بارديلا، أصغر من رئيس الحكومة نفسه. وترتفع حدّة التحدّيات مع تسلّم رئيس الحكومة المجري فيكتور أوربان رئاسة الاتحاد الأوروبي، وهو المتمرّد أوروبيّاً والمقرّب من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، وصاحب المواقف المعادية لكثير من السياسات الأطلسية.

موجبات الحكومة الجديدة
ختاماً يتوجّب على الحكومة الجديدة البحث في سبل إيجاد حلول مثالية واقعية من أجل ضخّ روح جديدة في الحكومة الماكرونية العتيدة. سوف يكرّس أتال جهداً لامتناهياً لأجل عدم تخطّي التوازنات السياسية العريضة.لأنّ التحالف الحاكم لا يتمتّع بالأغلبية المطلقة، وهو تحدٍّ صعب جداً.

إقرأ أيضاً: حكومة فرنسا الجديدة (1/2): أتال الأوّل… ماكرون الثاني

على ماكرون أن يجد المزيد من الحلفاء الكافين لتمرير مشاريعه بالحدّ الأدنى وتمرير فترة ولايته بكلّ ليونة مؤسساتية وبمرونة خلّاقة، لتجنّب تكرار واقعة قانون التقاعد عبر قوة المادة 49 فقرة 3 الدستورية غير المستحبّة، التي تتيح للحكومة تمرير القوانين دون البرلمان، تفادياً لإدخال فرنسا في نفق إضافي من الاضطرابات المقلقة مجدّداً.
حاول ماكرون في هذه الحكومة أن يمزج الحكمة والتجربة، مع الشباب اليافعين لمعالجة كلّ هذه المشكلات والأزمات الكبرى بإيجاد توازنات في طريقة الإدارة اليومية كما في السياسة. فهل يستطيع تحقيق كلّ هذه الأماني؟

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…