ليبيا: عقيلة صالح في أنقرة وحفتر ينتظر عودته!

مدة القراءة 7 د


يقول رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، وهو يتحدّث عن التحوّل في مواقفه حيال تركيا، كلاماً لا يختلف كثيراً عمّا يقوله ويردّده الأتراك في العامين الأخيرين تحديداً: “لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في السياسة”. فالدبلوماسية تعني الليونة وتطوير المواقف للوصول إلى الهدف. وهو يترجم ذلك من خلال زيارة ثانية يقوم بها لأنقرة قبل أيام سبقتها زيارة استطلاع في آب 2022.

هل تتحوّل زيارة صالح الثانية للعاصمة التركية خلال عامين إلى فرصة “كسر رجل الشيطان”، كما يقول المثل التركي، وتشكّل مناسبة لفتح صفحة سياسية جديدة من العلاقات بين تركيا وقيادات شرق ليبيا؟ وهل هناك حصّة لخليفة حفتر في هذا الحراك والتقارب بعد التحوّل الكبير في سياسة أنقرة الليبية بشقّيها المحلّي والإقليمي؟

يقول رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، وهو يتحدّث عن التحوّل في مواقفه حيال تركيا، كلاماً لا يختلف كثيراً عمّا يقوله ويردّده الأتراك في العامين الأخيرين تحديداً: لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في السياسة

أهداف صالح… وموقعه

يسبح عقيلة صالح اليوم وسط موجات سياسية عالية، لكنّه لا يتقدّم بعكس التيار. خروجه ممّا هو فيه ووصوله إلى شاطىء الأمان سيمنحانه الكثير من الثقل والفرص داخل ليبيا وخارجها، فهو يريد التالي:

– حماية مسار علاقاته مع الشركاء الذين اختارهم في شرق ليبيا منذ سنوات وعدم التفريط بهم.

– يريد أيضاً توسيع دائرة الحلفاء عبر استقطابات جديدة من الشرق والغرب على السواء، كما يحدث مع فتحي باشاغا الذي ينافسه على كسب قيادات الجناحين في البلاد.

– ويتطلّع بعد ذلك صوب لعب أوراق خليفة حفتر العسكرية وتجيير الثقل الميداني الذي يملكه لمصلحته كورقة ضغط ومساومة مع بقيّة الأطراف، وهو يصطحب نجل الأخير في الكثير من تحرّكاته السياسية.

– ثمّ يبحث عن فرص الحصانة المصرية الخليجية المقدّمة له، لكنّه يريد أن يحوّلها إلى جسر اتصال وانفتاح على أنقرة لتوسيع دائرة الدعم الإقليمي له في ليبيا وخارجها.

يتركّز النقاش المحلّي والإقليمي في مسار الأزمة الليبية على إيجاد صيغة حلّ وسط تنهي حكاية البيضة والدجاجة في خارطة طريق الحلّ السياسي: الانتخابات أوّلاً أم حكومة وطنية مؤقّتة تشرف على سير الانتخابات؟ أم خيار ثالث يتمّ الإعداد له؟

أين الدبيبة من هذا الحراك؟

لا يمكن فصل الحراك الذي يقوم به عقيلة صالح عن زيارة عبد الحميد الدبيبة لتركيا في تشرين الأول المنصرم، وزيارة مماثلة لرئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح في التاريخ نفسه. صحيح أنّ الدعوة موجّهة من نظيره التركي، لكنّ استقبال الرئيس إردوغان له ولقاءه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يعكسان الاهتمام السياسي التركي بالزيارة، وإنّ ما يناقش هو أبعد من تليين المواقف وتثبيت الجسور.

هناك انفراجة “نفسية” في العلاقات التركية الليبية بعد الانفراجة السياسية التي بدأت العام المنصرم. العقدة والعقبة الكبريان اللتان لم يتمّ تجاوزهما حتى اليوم هما جسور التواصل والاتصال بين أنقرة وخليفة حفتر. فهل كان عقيلة صالح يبحث مسألة من هذا النوع مع الأتراك أيضاً لتليين المواقف وتسريع مسار الحلحلة السياسية في الملفّ الليبي؟ وهل هناك رغبة مشتركة في ذلك مثلاً؟ وهل يدخل في عملية وساطة بين أنقرة وحفتر بدعم وتشجيع عربيَّين على ذلك؟

يسبح عقيلة صالح اليوم وسط موجات سياسية عالية، لكنّه لا يتقدّم بعكس التيار. خروجه ممّا هو فيه ووصوله إلى شاطىء الأمان سيمنحانه الكثير من الثقل والفرص داخل ليبيا وخارجها

تغيير “استراتيجية” تركيا في ليبيا

تختلف نقاشات الملفّ الليبي في تركيا اليوم كلّياً عمّا كانت عليه الرؤية والمواقف قبل 3 أعوام.

كان إردوغان يردّد قبل سنوات أنّه “إذا ما تراجعنا عن سياساتنا في ليبيا وقبرص فلن نجد مكاناً نصطاد فيه السمك في البحر المتوسط. الجميع يدعم بارونات الحرب بينما تركيا تدعم الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها دولياً”.

تتمسّك أنقرة باتفاقياتها الاستراتيجية الموقّعة مع حكومة الوحدة الوطنية على مرحلتين بين عامَي 2019 و2022، لكنّها منفتحة اليوم على قيادات شرق ليبيا التي رحّبت في كانون الأول 2022 بالسفير التركي في ليبيا كنعان يلمز وهو يزور بنغازي للمرّة الأولى منذ سنوات ويعلن قرار أنقرة إعادة فتح قنصليّتها هناك وعودة حركة الطيران التركي باتجاه شرق البلاد، كما شكرت أنقرة على المساعدات التركية العاجلة ووقوفها إلى جانب الشعب الليبي في مواجهة كارثة انهيار سدّ أدرنة قبل أشهر.

يقول نعمان قورتولموش بعد لقائه عقيلة صالح: “نقف إلى جانب الشعب الليبي بكلّ إمكاناتنا من أجل تحقيق استقرار البلاد السياسي. وظيفتنا هي دعم توحيد السلطتين السياسيّتين في ليبيا لنرى سلطة سياسية واحدة موحّدة”. وهذا موقف تركي جديد ومشجّع أكثر خلال زيارة غير عادية في ظروف استثنائية تعكس حجم التحوّل في مواقف الطرف التركي وطروحات عقيلة صالح وما يقوله اليوم، وهو ما يتعارض كلّياً مع ما كان يردّده قبل أعوام حول سياسة أنقرة الليبية.

يدور الحديث عن تحوّلات سياسية مرتقبة في لعبة التوازنات الليبية الداخلية بعد التحوّلات الحاصلة على مستوى اللاعبين الإقليميين المؤثّرين في الملفّ والتقارب التركي المصري الإماراتي الروسي هناك. فهل يقوم صالح بهذه الزيارة بالتنسيق مع شركائه في بنغازي أم لا؟ وهل حفتر وباشاغا على علم بهذا التحرّك؟

لا يمكن لأنقرة مواصلة تنسيقها مع قيادات غرب ليبيا والانفتاح على اللاعبين الإقليميين في الملفّ الليبي وتجاهل حاجتها إلى الحوار مع اللاعبين المحلّيين المؤثّرين في شرق البلاد.

لا بدّ من بعض الوقت لنعرف ما إذا كان هدف عقيلة صالح من التحرّك باتجاه أنقرة إنقاذ حفتر سياسياً بعد تراجع سيناريو الحسم العسكري، وهل تكون المقايضة بين طرح صيغة طاولة ليبية بديلة تُخرج البلاد من ورطة الحكومتين تقوم على تشكيل لجنة وطنية مشتركة من الرموز الليبية في الحكومة والبرلمان والأحزاب تشرف على خارطة طريق العملية الانتخابية، ويواكبها تراجع صالح وباشاغا عن تقديم مسألة حكومة موحّدة تشرف على انتخابات برلمانية بأسرع ما يكون؟

عقيلة صالح في أنقرة بدعوة من نظيره التركي نعمان قورتولموش لبحث فرص التعاون، وهو يعرب من هناك عن سعادته بوجوده في البرلمان التركي، متمنّياً أن تؤدّي زيارته لتركيا إلى مزيد من تطوير التعاون بين شعبَي البلدين. ويشيد بـ”موقف تركيا ورئيسها رجب طيب إردوغان، الداعم لفلسطين التي تتعرّض لهجمات إسرائيلية”، ويعلن أنّ تركيا تدعم دائماً الشعب الليبي، وأنّ “الشركات التركية بشكل خاص أنجزت أعمالاً عظيمة في ليبيا”، وأنّهم يريدون أن يروها مجدّداً عندهم.

إقرأ أيضاً: مدلولات الحراك على خطّ أنقرة – أبو ظبي

سياسة تركيّة عربيّة غربيّة ضدّ السلاح

وعد عقيلة صالح الليبيين بتشكيل حكومة جديدة وموحّدة قبل نهاية شهر كانون الأول الجاري. يحضر إلى العاصمة التركية بعد أيام فقط من موافقة البرلمان التركي على طلب الرئاسة تمديد مهامّ القوات التركية في ليبيا لمدّة 24 شهراً إضافياً اعتباراً من مطلع العام المقبل. لكنّه يبني أيضاً على رسائل تركية بينها ما قاله قبل عام تقريباً السياسي التركي أمر الله إيشلر الذي قاد الملفّ الليبي لسنوات والمعيّن أخيراً سفيراً لبلاده في السعودية، وهو أنّ المفاوضات السياسية في ليبيا يجب أن يقودها رجال السياسة، وأنّ عقيلة صالح رجل سياسة، ويجب أن يساهم في هذه العملية.

هناك تحوّلات ومعادلات وتوازنات إقليمية ودولية جديدة حيال ملفّ الأزمة الليبية ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل اللاعبين المحليين المؤثّرين. وهناك سياسة تركية عربية غربية مغايرة تقول إنّ الجميع متّفق على التهدئة والبقاء أمام طاولة الحوار والتفاوض بعيداً عن لغة السلاح والتهديدات.

لا تريد أنقرة وليس من مصلحتها إطالة عمر الأزمة الليبية بعد التفاهمات الإقليمية التي بنتها في العامين الأخيرين مع العديد من العواصم المؤثّرة وعلى رأسها القاهرة وأبو ظبي. استمرار حالة الغموض يضرّ بمصالحها وقد يفقدها بعض الأوراق والحلفاء وينعكس سلباً على سياستها الإقليمية الانفتاحية.

لمتابعة الكاتب على تويتر: Profsamirsalha@

مواضيع ذات صلة

عودة “روكي”: جنون أميركا في ظلّ ترامب

كان هناك وقتٌ، في الزمان غير البعيد، حيث الانتخابات الأميركية كانت تُحكم بالمبادئ: كانت هناك برامج انتخابية، قيم، واحترام للمنصب. ثمّ جاءت سنة 2024، وقرّرت…

قوافل النّازحين… وفكرة “السّلام” المُلتبس

منذ 17 أيلول الماضي يوم شرعت إسرائيل في حربها ضدّ الحزب عبر تفجير أجهزة البيجرز والتوكي ووكي، بدأ النزوح الداخلي من جنوب لبنان وضاحية بيروت…

الكويت: تأكيد الهوية الوطنية لأهلها فقط..

على الرغم من الضجيج في المنطقة وأصداء أصوات الانتخابات الأميركية وما سبقها وتلاها، لا صوت يعلو في الكويت على صوت “تعديل التركيبة السكاّنية”، من خلال…

السّودان: إيران وروسيا تريدان قواعد عسكريّة

يغطّي غبار القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان صور المأساة المروّعة التي تعصف بالسودان، أكبر دولة عربية من حيث المساحة. فقد اضطرّ حتى الآن خُمس السكان،…