التفاهم الأميركيّ الإيرانيّ خفض سقف إسرائيل والممانعة

مدة القراءة 7 د


منذ اندلاع الحرب على غزّة يملأ الفضاء الإعلامي الحديث عن اليوم التالي لتوقّف القتال في حمّى سياسية وإعلامية حول الحلول الأمنيّة والسياسية للقضية الفلسطينية وللعلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، التي يفترض أن تعقب هذه الحرب. فيما الوقائع تشير إلى غياب أيّ أسس عملية لأيّ من الأفكار التي غلب التداول فيها إعلامياً على البحث الجدّي باحتمالاتها في غرف القرار السياسي الدولي والإقليمي.

لا بدّ من تكرار ما يقتصر عليه واقع الحال:

– أولاً: التفاوض ما زال يتركّز على مسألتَي المساعدات الإنسانية والمساعي العربية لإيجاد ممرّات إغاثة لفلسطينيّي غزة، بموازاة المساعي المرشّحة لموجات من التعقيد والحلحلة في شأن الإفراج التدريجي عن الأسرى والرهائن المزدوجي الجنسية والإسرائيليين لدى “حماس” و”الجهاد الإسلامي” والفصائل الأخرى، من جهة، مقابل إخلاء سبيل السجينات ثمّ السجناء الفلسطينيين لدى إسرائيل من جهة ثانية، والبحث في الهدنات الإنسانية ومداها الزمني، وقد فرضت جزءاً منها الولايات المتحدة (أربع ساعات) مراعاة للرأي العام، وتطويرها بات مرتبطاً بصفقة التبادل.

– ثانياً: حتى حديث وقف إطلاق النار لم ينتقل إلى المستوى العملي، على الرغم من بدء التحرّك العربي الإسلامي لدى العواصم الكبرى في هذا الصدد تنفيذاً لقرار القمّة العربية الإسلامية المشتركة، ومن أجل فكّ الحصار عن غزّة. وحين بدّل بعض القوى الدولية موقفه مثل فرنسا نحو المطالبة بأكثر من تقديم المساعدات الإنسانية لغزّة والإفراج عن الأسرى والرهائن، تحدّث عن “العمل” من أجل وقف النار، وليس وقف النار ببساطة، مع ما تعنيه العبارات المطّاطية من التباسات.

منذ اندلاع الحرب على غزّة يملأ الفضاء الإعلامي الحديث عن اليوم التالي لتوقّف القتال في حمّى سياسية وإعلامية حول الحلول الأمنيّة والسياسية للقضية الفلسطينية وللعلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، التي يفترض أن تعقب هذه الحرب

لا رؤية أميركيّة… وأهداف متحرّكة للحرب

في وقت أفادت معظم التسريبات بأنّ المسؤولين الأميركيين يأخذون على القيادة الإسرائيلية غياب أيّ تصور لديها عمّا بعد الحملة العسكرية البرّية التي تؤيّدها واشنطن، يغلب الغموض في الوقت نفسه على توجّهات الأخيرة. فهي أيضاً لا تملك رؤية واضحة لليوم التالي. والجميع يضع أهدافاً متحرّكة وغير ثابتة للحرب، تتغيّر وفقاً لمسار الميدان العسكري الذي يأتي كلّ يوم بجديد يؤدّي إلى تعديل التوقّعات. ويشهد على ذلك:

– إذا كانت المبادرة في الواقع الميداني بيد إسرائيل، فإنّها تفرج عن خططها العسكرية في شكل تدريجي، خشية العقبات في تحقيقها من جهة المقاومة، وفي انتظار ما تقول إنّه تطهير غزّة من الوجود العسكري لـ”حماس”، مع معرفتها المسبقة بصعوبة، إن لم يكن استحالة، ذلك.

– فتح جبهة الشمال خضع لرفض أميركي لم يكن ينتظره الجموح الإسرائيلي المتطرّف، نظراً إلى نجاح واشنطن عبر قنوات اتصالاتها مع طهران، في ضمان محدودية المساندة الإيرانية لـ”حماس”، عبر لبنان.

– هذا ما يدفع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى التأكيد أنّ إسرائيل ستحتفظ بعد الحرب بحقّ لعب دور في أمن القطاع بعد انسحابها منه، بما يتيح للقوات الإسرائيلية “السيطرة الأمنية الكاملة لدخول القطاع وقتما شاءت للقضاء على أيّ إرهابيين”. هذا الطرح أشبه بصيغة اتفاق 17 أيار 1983 مع لبنان إثر اجتياح مناحيم بيغن وأرييل شارون البلد. وهو الاتفاق الذي سقط قبل المصادقة عليه، صيف 1982، والذي يستحيل قبوله عربياً وفلسطينياً. أمّا واشنطن فطرحت (عبر رئيس وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز) أفكاراً عشوائية، تارة قوات مصرية لضبط الأمن في غزة، ترفضها القاهرة، وتارة أخرى قوات متعدّدة الجنسيات لا تستسيغها تل أبيب.

– إنّ تهجير معظم سكان القطاع إلى خارجه يبدأ بإجبار سكان الشمال على مغادرته. أمّا إفراغ الجنوب فيتمّ في مرحلة لاحقة من العمليات العسكرية عبر فرض أمر واقع عسكري يجبر مصر على استقبالهم جرّاء شدّة القصف والمجازر التي قد توازي ما حصل حتى الآن، وربّما تفوقه، وتحقيق هذا الأمر صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً.

الأهمّ في خطاب هنيّة ردّه على الرؤية الإسرائيلية بإخراج “حماس” من المعادلة في إدارة غزّة بعد الحرب، معتبراً أنّه مهما رفع العدوّ من سقف مطالبه، فإنّ “حماس” متجذّرة في أرض غزّة التي يحدّد مستقبلها الشعب الفلسطيني وحده

خفض الأهداف الحمساويّة

 في الجهة المقابلة، أي “حماس” والقوى الحليفة لها، قضى مبدأ الأهداف المتحرّكة قياساً إلى حسابات الدول، ولا سيما إيران، بأن تخفض الحركة سقف تطلعّاتها بعدما أطلق قياديون في الحركة أهدافاً قصوى ارتكزت على نجاح عملية “طوفان الأقصى”، مثل تحرير القدس والضفة الغربية وفتح جبهات القتال. وفرضت الاندفاعة العسكرية الإسرائيلية الحائزة غطاء أميركياً غربياً غير مسبوق من جهة، والتفاهمات الأميركية الإيرانية على ضبط أذرع طهران بحيث لا تنخرط الأخيرة في الحرب من جهة ثانية، تحديداً لأهداف الحركة. لذلك تراجعت ملاحظات بعض قياديّي الحركة على أداء الحزب بعدما طالبوه بتحريك أكثر لجبهة الجنوب. حتى إنّ معطيات تفيد بأنّ بعض القيادة العسكرية في “الحزب” هيّأ لدخول الحرب على أوسع نطاق، ثمّ عاد فتناغم مع خطابَي أمينه العام الذي اكتفى بالقيام بجردة لما يقوم به مقاتلو الحزب لإشغال الجيش الإسرائيلي من الجبهة اللبنانية، وبجردة في خطابه الثاني لما يقوم به الحلفاء في المحور على الجبهات العراقية واليمنية، وحتى السورية، نصرة لغزّة من أجل “تخفيف الضغط عنها”.

وتبلّغ الحلفاء في محور الممانعة حسب قول مصادره لـ”أساس” أهداف القتال الآتية:

– أنّ ما تخوضه المقاومة في غزّة ليس حرب تحرير تستدعي تدخّلاً من سائر قوى المحور.

– أنّ “طوفان الأقصى” ردٌّ على تمادي إسرائيل في اقتحامات الجامع الأقصى في محاولة لإنشاء وضع يسمح للمتطرّفين بتهويد جزء من حرمه وحائط البراق.

– الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل الذين بات عددهم يفوق سبعة آلاف، بعدما كانوا أكثر من خمسة آلاف.

– فكّ الحصار المفروض على القطاع منذ 2009، بفتح الباب لدخول المساعدات، عبر الإفادة من قرار مجلس الأمن الأخير الرقم 2712 الذي يدعو إلى إقامة هُدنات وممرّات إنسانية عاجلة ممتدّة في جميع أنحاء قطاع غزّة والإفراج الفوري وبدون شروط عن كلّ الرهائن.

عبّر رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في كلمته في 16 تشرين الثاني عن هذه الأهداف، مضيفاً إليها حثّ اللجنة الوزارية التي شكّلتها القمّة العربية الإسلامية المشتركة على التحرّك دولياً من أجل فكّ الحصار ووقف إطلاق النار ومحاسبة إسرائيل على جرائمها ضدّ الإنسانية.

إقرأ أيضاً: الغرب يصارع نفسه أمام غزّة

مستقبل غزّة… وتعدّد الفرقاء

لكنّ الأهمّ في خطاب هنيّة ردّه على الرؤية الإسرائيلية بإخراج “حماس” من المعادلة في إدارة غزّة بعد الحرب، معتبراً أنّه مهما رفع العدوّ من سقف مطالبه، فإنّ “حماس” متجذّرة في أرض غزّة التي يحدّد مستقبلها الشعب الفلسطيني وحده.

يقحم الحديث عن مستقبل القطاع، الذي تتورّط فيه واشنطن أيضاً في شكل مبكر جداً، في متاهات لا حصر لها، قبل اتّضاح الوضع الميداني. ففي وقت يطرح الأميركيون تولّي السلطة الوطنية الفلسطينية إدارة القطاع، يتجاهلون الإشارة إلى “منظمة التحرير الفلسطينية” كإطار تنبثق منه السلطة. وقيام معادلة جديدة على صعيد السلطة، إذا صحّ افتراض انتهاء الحرب قريباً، وهو الأمر المستبعد، يحتاج إلى تحديد الأطراف المعنية بقرار كهذا. في وقت يحول تعدّد الفرقاء الفلسطينيين داخل منظمة التحرير وخارجها دون أيّ وضوح في الرؤية. فهناك دول تقف خلف كلّ فريق أو تسعى إلى تأسيس فرقاء وبدائل تكرّس الانقسامات بدل إنهائها… ولهذا حديث آخر.

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…