هل بدأ العدّ العكسيّ لوقف الحرب على غزّة؟

مدة القراءة 7 د


“الوقت المتاح للقتال في قطاع غزة ينفد.. بقي لدينا أسبوعان أو ثلاثة”. كلام لوزير الخارجيّة الإسرائيليّ إيلي كوهين في حديث إلى قناة 12 الإسرائيليّة. الأسباب ليست عسكريّة. فالإمداد العسكري الأميركي لإسرائيل لا حدود له. وليست اقتصاديّة، على الرغم من الخسائر الكبيرة. إنّما هي سياسيّة. إنّها “الضغوطات السياسيّة والدبلوماسيّة المتزايدة” بحسب الوزير الإسرائيليّ، والتي تعود لسببين:
– وقاحة إسرائيل في حربها الوحشيّة على غزّة التي تخرق فيها علناً كلّ القوانين الدوليّة والأعراف.
– طول أمد الحرب وعجز الدول الداعمة لها عن تحمّل جرائمها أمام الرأي العامّ المحليّ والدوليّ.

ماذا في الجرائم؟
اقتحام وحصار مستشفى الشفاء وقطع الكهرباء والماء والإمدادات عنه ليسا أولى الجرائم الإسرائيليّة في الحرب السادسة على غزّة. منذ 7 أكتوبر بدَت حرباً انتقاميّة. وانتقام الدول، كما انتقام الأشخاص، لا رادع لأفعاله. يستبيح كلّ القوانين والأعراف والقِيم. فكيف إذا كانت الدولة المنتقِمة، منذ نشأتها، لا تحترم القوانين الدوليّة ولا تعير أيّ اهتمام للكرامة البشريّة؟ دولة تقودها عقيدة دينيّة تعتبر شعبها فوق كلّ الشعوب: “شعب الله المختار”، والأرض التي تحتلّها أرضها منذ فجر التاريخ. أُعطيت لها بوعد إلهيّ. هذه العقيدة هي خلف كلام يوآف غالانت عن “حرب ضدّ حيوانات بشريّة”، في إشارة إلى الفلسطينيين في غزّة. توصيف ذكّرنا بتصنيف هتلر للشعوب. وبالفعل فقد ترجم وزير الدفاع الإسرائيلي قوله بتدمير كامل لقطاع غزّه بشقّيه الشماليّ والجنوبيّ، وبترحيل قسريّ لمليون فلسطينيّ.
مشهد الفلسطينيين النازحين في شارع صلاح الدين سيراً على الأقدام أو على عربات تجرّها الحمير سيبقى شاهداً للتاريخ على الفظائع الإسرائيليّة. حتى وزير الزراعة الإسرائيليّ وصفه بـ “نكبة غزّة”. قول عرّضه للتوبيخ من قِبل بنيامين نتانياهو.

لن نذكر مواقف المسؤولين في منظّمة الأمم المتحدة المندّدة بوحشيّة إسرائيل في حربها. فمنذ نشأتها لم تُعِر إسرائيل هذه المؤسّسة العالميّة أيّ أهميّة ولم تحترم أيّاً من قراراتها

حرب الانتقام الإسرائيليّة برزت خاصّة في “حرب المستشفيات”. بدأت بقصف مستشفى المعمداني وقتل أكثر من 500 فلسطينيّ لجأوا إلى باحتها الخارجيّة هرباً من القصف. واستُكملت بإخراج مستشفيات القطاع من الخدمة. حمل الأهالي أطفالهم لإخراجهم من مستشفى الرنتيسيّ. وبدل أن تنتظرهم سيارات الإسعاف لنقلهم إلى مستشفى آخر كان بانتظارهم القنّاصة الإسرائيليون.

إحراج أميركيّ
هذه الجرائم أحرجت الرئيس الأميركيّ. طلب من نتانياهو عدم اقتحام مستشفى الشفاء فلم يستجب. ما اضطر جو بايدن إلى تبرير الجريمة الإسرائيلية. ربّما ليس رأفة بالفلسطينيين ولا لحسّ إنسانيّ لديه، وإنّما لتفادي إحراج إضافي أمام الرأي العامّ الأميركيّ والعالميّ الذي بدأ يضغط عليه أيضاً.
منذ أسابيع تتوالى التظاهرات في الولايات الأميركيّة المندّدة بالحرب الإسرائيليّة على غزّة والداعمة للفلسطينيين. كما برزت عدّة تصريحات لسياسيين تنتقد وحشية إسرائيل. فقد قال السيناتور الديمقراطيّ برني ساندرز إنّ قطع الكهرباء والغذاء والوقود والمياه عن أكثر من مليونَي نسمة من سكّان غزّة “انتهاك خطير للقانون الدولي”. وأضاف أنّ “استهداف المدنيين جريمة حرب، بغضّ النظر عمّن ارتكبها”.
من جهته صرّح السيناتور الاميركيّ كريس مورفي، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، “أخشى أنّه إذا كانت استراتيجية إسرائيل وهدفها النهائي هو هزيمة حماس، فإنّ هذه الوتيرة من الخسائر المدنية، التي لها بالتأكيد تكلفة أخلاقية، ستترتّب عليها أيضاً تكلفة استراتيجية”.
من جهته، انتقد باراك أوباما ما تقوم به الآلة العسكريّة الإسرائيليّة بالقول إنّ “هناك أشخاصاً يموتون الآن، ولا علاقة لهم بما فعلته حماس”.
هذا في أميركا. أمّا في أوروبا فالأصوات المندّدة بوحشيّة الحرب الإسرائيليّة أقوى.

مشهد الفلسطينيين النازحين في شارع صلاح الدين سيراً على الأقدام أو على عربات تجرّها الحمير سيبقى شاهداً للتاريخ على الفظائع الإسرائيليّة

تبدُّل في المواقف الأوروبيّة
في حديث إلى قناة “بي.بي.سي” اتّهم الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون إسرائيل بقتل المدنيين. قال: “اليوم يتمّ قصف المدنيين. في الواقع، هؤلاء الأطفال، هؤلاء السيّدات، هؤلاء المسنّون يتعرّضون للقصف والقتل. لذلك ليس هناك سبب ولا شرعية لذلك. ولهذا نحن نحثّ إسرائيل على التوقّف”. ثمّ سارع ماكرون إلى توضيح ما قاله لنظيره الإسرائيليّ، لكنّ الكلام قد قيل.
سبق هذا الكلام انعقاد “المؤتمر الإنسانيّ” في قصر الإليزيه. على الرغم من الفشل الذريع، من حيث مستوى الحضور، كان المؤتمر منبراً دولياً لتظهير الجرائم ضدّ الإنسانيّة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة. هذا وتتوالى التظاهرات الداعمة للفلسطينيين في باريس ومدن فرنسيّة عدّة على الرغم من قرار وزارة الداخليّة الفرنسيّة بحجب الترخيص لمثل هذه التظاهرات.
من جهتها اتّخذت إسبانيا موقفاً رافضاً للحرب الإسرائيليّة على غزّة منذ بدايتها. ومنذ أيام قلّدت الحكومة الإسبانية الأمين العامّ للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش وسام “كارلوس الثالث” الذي أتى ردّاً على الانتقادات الإسرائيليّة له ولدوره في “الدفاع عن حقوق المدنيين الفلسطينيين”.
في بلجيكا دعت نائبة رئيس الوزراء بيترا دي سوتر إلى فرض “عقوبات على إسرائيل”. وطالبت الاتحاد الأوروبيّ بتعليق الشراكة مع إسرائيل ومنع سياسيين ومسؤولين عسكريين ومستوطنين إسرائيليين ممّن يرتكبون جرائم حرب من دخول الاتحاد الأوروبيّ.

ضغوط عربيّة وإسلاميّة
صحيح أنّ إسرائيل لم تُعر يوماً الموقف العربيّ أهميّة. والصحيح أيضاً أنّ المواقف العربيّة لم تردع يوماً إسرائيل عن احتلال أرض عربيّة ولا عن اضطهاد الشعب الفلسطينيّ. إلا أنّه بعد “اتّفاقات أبراهام” وتطوّر المفاوضات مع المملكة العربيّة السعوديّة أصبحت لديها طموحات اقتصاديّة واستثماريّة في دول الخليج العربيّ. توقّفت اليوم وإلى أجل غير مسمّى. فقد كان بيان القمّتين العربيّة والإسلاميّة واضحاً من حيث “استحالة تحقيق السلام الإقليميّ بتجاوز القضيّة الفلسطينيّة”. وطالب “جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر” إلى إسرائيل. ونعتَ مستوطنيها بالارهابيين الذين يقتلون الشعب الفلسطينيّ. ووصف ما تقوم به إسرائيل بـ “جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة”، وطالب المحكمة الجنائية الدوليّة بالتحقيق فيها. كما أعاد التذكير بالقرارات الدوليّة المتعلّقة بفلسطين والأراضي العربيّة المحتلّة، التي كادت تُنسى. وأعاد التذكير بالمبادرة العربيّة للسلام (2002) ومرتكزها: الأرض مقابل السلام.

إقرأ أيضاً: ماذا بعد حرب غزّة؟

لن نذكر مواقف المسؤولين في منظّمة الأمم المتحدة المندّدة بوحشيّة إسرائيل في حربها. فمنذ نشأتها لم تُعِر إسرائيل هذه المؤسّسة العالميّة أيّ أهميّة ولم تحترم أيّاً من قراراتها، بما فيها قرار إنشائها 181 عام 1947.
أمام كلّ هذه المواقف، هل بدأ فعلاً العدّ العكسي لنهاية الحرب الإسرائيلية على غزّة؟
ربّما بمقدور لاعب واحد ردع إسرائيل. إنّه الإدارة الأميركيّة. هذه الأخيرة غير مقتنعة بوقف إطلاق النار حتى الآن. فهو سيُعطي فرصة لحماس لالتقاط أنفاسها، كما يقول المسؤولون فيها. بيد أنّ الضغوطات تزداد على البيت الأبيض داخلياً وخارجياً. هل تُجبر بايدن ووزير خارجيّته على تبديل موقفهما؟ وإذا ما فَعَلا، فهل ترتدع حكومة الحرب الإسرائيليّة؟ تصاريح نتانياهو وغالانت وغانتس تؤكّد العكس. كذلك الهُدن الإنسانيّة التي طلبها بايدن نفسه. فبدل التقيّد بها شدّدت إسرائيل حربها على المستشفيات كي لا تبقى إمكانية شفاء لإنسان.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Fadi_ahmar@

مواضيع ذات صلة

ما الذي حدث في القاهرة بين وفدي فتح وحماس؟

بعد جهدٍ مصري حثيث، تم التوصل إلى اتفاق بين وفدي فتح وحماس على تشكيل لجنة سُميت بلجنة الإسناد المجتمعي لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب. القول…

إيران تطلب السّلام… هل نطق ظريف بلسان الحرس؟

للتدخّل الروسي في سوريا قصّة رواها فيما بعد الأمين العامّ الراحل للحزب، ومختصرها أنّ قائد فيلق القدس في ذلك الحين، قاسم سليماني، سافر إلى موسكو…

المعارك في سوريا تمهّد للتّفاوض على إضعاف إيران؟

يرتسم الشرق الأوسط الجديد انطلاقاً من التطوّرات العسكرية الدراماتيكية في سوريا. يطرح تحريك الميدان السوري المفاجئ والمعقّد الأبعاد علامات استفهام حول صيرورة المواجهات الدائرة ومصير…

بعد الحرب.. هل من دروس تعلّمناها؟

“لو كنت تدرين ما ألقاه من شجنِ… لكنتِ أرفق من آسى ومن صفحَ غداة لوّحت بالآمال باسمة… لان الذي ثار وانقاد الذي جمحَ فالروض مهما…