“أربعينيّة” إسرائيل: كلفة الحرب 10 مليارات $ وإقفال 6 وزارات

مدة القراءة 4 د


على طريقة إدارة “تفليسة” في إحدى شركات القطاع الخاص، أوصت وزارة المالية الإسرائيلية يوم الثلاثاء الفائت بإغلاق 6 وزارات، معلنة أنّ ذلك بداعي الحاجة إلى “ترتيب أولويات اقتصادية اجتماعية جديدة في إسرائيل”، وهذا طبعاً نتيجة الضغوط التي بدأت ترتّبها الحرب ضدّ قطاع غزّة، بما ينذر بمزيد من التأزّم والشقاق السياسي في الدولة العبرية.
أمّا تلك الوزارات فقالت وزارة المالية إنّها: شؤون القدس والتقاليد، التراث، الشتات، الاستيطان والمهامّ القومية، التعاون، والمساواة الاجتماعية.
على وقع ذلك، بدأت أخبار تلك الضغوط الاقتصادية وأرقامها تتسلّل تباعاً إلى تحاليل أكبر وسائل الإعلام والوكالات الاقتصادية في الغرب التي كانت من بين أول الداعمين لإسرائيل. فقد قالت وكالة “بلومبرغ” الأميركية قبل أيام إنّ العبء المالي بدأ مع دخول الحرب يومها الـ40 بالتأثير سلباً على إسرائيل، وهو ما أدّى إلى إثارة جدل بين رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير ماليّته بتسلئيل سموتريتش من جهة، وبين بعض الوزراء المعارضين من جهة أخرى.

الفاتورة الكبيرة
كشفت الوكالة أنّ التكلفة الحربية من دون التكلفة على عموم الاقتصاد الإسرائيلي، تُقدّر اليوم بنحو 260 مليون دولار يومياً، أي بنحو 10.5 مليارات دولار حتى الآن، كاشفة أنّ رقم المليارات العشرة هو فعليّاً “أكثر ممّا توقّعته إسرائيل” نفسها بداية الحرب.
يبدو أنّ هذا الرقم مرشّح للارتفاع أكثر مع تعاقب “أيام الحرب” وارتفاع الخسائر وتفاقم النقمة الشعبية والمطالبات بالتعويضات، وهو ما يفيد في “التقريش الاقتصادي” بأنّ تل أبيب ستكون مضطرّة إلى أن تمارس المزيد من التقشّف على المستويات كافّة، وخصوصاً على مستوى:
– استهلاك الأسلحة والذخائر.
– دفع أجور مئات الآلاف جنود الاحتياط الذين استدعتهم.
– الإيرادات المالية العامة نتيجة تراجع السياحة والاستهلاك.

وزارة المالية تقول إنّها ستلتزم في المقابل بـ”استبعاد كلّ ما هو غير ضروري لدعم القتال”. لكن يبدو أنّ تلك الإجراءات لن تكفي، إذ ستضطرّ تل أبيب إلى المزيد من الاقتراض

عطفاً على هذه المعطيات، ظهرت خلافات بين أعضاء الحكومة حول بعض الاستحقاقات المخصّصة لعدد من الملفّات التي يناصرها اليمين المتطرّف وتلتزم بها الحكومة، ومن بينها مخصّصات المدارس الحريدية، و”أموال الائتلاف”، أو “الإنفاق التقديري” المخصّص للأحزاب الـ5 التي تشكّل الحكومة، المقدّرة بنحو 3.5 مليارات دولار (14 مليار شيكل).
أضف إلى هذا عبء صرف التعويضات للشركات في المناطق الساخنة مثل غلاف غزّة وشمال إسرائيل القريب من الحدود مع لبنان، وكذلك أسر الضحايا والرهائن الذين تحتجزهم “حماس”.

مخاطر ارتفاع الدين العامّ
تقبع الحكومة، وسط هذا كلّه، بين المستفيدين الذين يدعون إلى عدم التفريط بتلك المخصّصات، وبين السياسيين المعارضين والاقتصاديين ومحافظي المصرف المركزي السابقين، الذين يتّهمون الحكومة بالتساهل في الشأن الاقتصادي الذي بات على شفير الهاوية، ويطالبونها بالمزيد من الإجراءات من أجل الاستجابة لمتطلّبات السوق، خصوصاً مع تعهّد نتانياهو بـ”فتح الصنابير” للمتضرّرين من خلال تقديم مساعدة لهم يعتقد الاقتصاديون الإسرائيليون أنّها ستؤدّي إلى ارتفاع حادّ بالعجز والدين نسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي حتى عام 2024.
أمّا وزارة المالية فتقول إنّها ستلتزم في المقابل بـ”استبعاد كلّ ما هو غير ضروري لدعم القتال”. لكن يبدو أنّ تلك الإجراءات لن تكفي، إذ ستضطرّ تل أبيب إلى المزيد من الاقتراض، وذلك لسببين:
1- من أجل الاستمرار في تمويل الحرب وتكاليفها، خصوصاً مع استمرار العملية العسكرية في غزّة.
2- من أجل الحفاظ على الماليّة العامّة وعلى الاستقرار الاقتصادي الذي بدأت مؤشّراته تدلّ على دخوله “مرحلة الخطر”.

إقرأ أيضاً: لبنان يكلّف إسرائيل 200 مليون دولار شهرياً…

لقد جمعت وزارة المالية الإسرائيلية منذ الأسبوع الأول على انطلاق الحرب حتى اليوم، نحو 8 مليارات دولار (30 مليار شيكل) من خلال ديون، نصفها مقوّم بالدولار، وذلك عبر إصدارات في الأسواق الدولية. وهو رقم أقلّ بنحو 2.5 مليار دولار من تكلفة العمليات العسكرية الصافية.
لكنّ محافظ بنك إسرائيل المركزي عامير يارون قال في أحد التصاريح الصحافية إنّ الحكومة بحاجة ماسّة إلى “تحقيق توازن بين دعم الاقتصاد والحفاظ على وضع ماليّ سليم”، وهو ما يبدو أنّه سيكون صعباً في الأيام المقبلة، وسيشكّل ضغطاً إضافياً على نتانياهو وحكومة الحرب التي يرأسها.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@

مواضيع ذات صلة

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…

استراتيجية متماسكة لضمان الاستقرار النّقديّ (2/2)

مع انتقالنا إلى بناء إطار موحّد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سنستعرض الإصلاحات الهيكلية التي تتطلّبها البيئة التنظيمية المجزّأة في لبنان. إنّ توحيد الجهود وتحسين…

الإصلاحات الماليّة الضروريّة للخروج من الخراب (1/2)

مع إقتراب لبنان من وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء إطار متين وفعّال للامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تواجه البلاد لحظة محورية،…

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…