تنظر المملكة الأردنية الهاشمية إلى ما يحدث من اعتداء إسرائيلي على الضفّة وقطاع غزّة على أنّه أزمة أمن قومي بالنسبة للأردن واستقراره، حيث لا يمكن التهاون ولا الاسترخاء في مواجهة التحدّيات المفروضة، فكان الردّ حاسماً بسحب السفير الأردني من تل أبيب وإبلاغ السفير الإسرائيلي عدم الرغبة بعودته إلى المملكة. ووصلَ الأمر إلى أن أعلَنَ رئيس الوزراء الأردنيّ أنّ سعي إسرائيل إلى تهجير سُكّان قطاع غزّة يعني بالنّسبة لعمّان “إعلان حرب”.
تصدّرت الملكة رانيا الشّاشات العالميّة للدّفاع عن القضيّة الفلسطينيّة داعية إلى وقف المجازر بحقّ الأبرياء والمدنيين. أمّا وليّ العهد الأمير الحسين بن عبدالله فكانَ هو الآخر يخرجُ بمواقفَ حادّة في وجه الحرب الإسرائيليّة، ويُشرِفُ على قوافل المُساعدات الأردنيّة التي تتّجهُ إلى معبر رفح بين غزّة ومصر أو التي يتمّ إسقاطها جوّاً للمستشفى الميداني الأردني في غزّة.
يؤكّد مصدر رسمي أردني لـ”أساس” أنّ عمّان رفضَت أيّ حلّ جزئي لا يتضمّن إطلاق العمليّة السّياسيّة لحلّ القضيّة الفلسطينيّة. ويكشف المصدر أنّ بلاده لديها رؤية ومبدأ واضحان تجاه ما يحصل في قطاع غزّة، وخصوصاً ما يتعلّق بتشكيل قوّة عربيّة لتسلّم أمن غزة، وفقاً للآتي:
1- أن يقترن طرح القوّات العربيّة مع خطّة واضحة لإعادة إعمار قطاع غزّة بعد وقف الحربِ، وقنوات واضحة لتمويل ذلك.
2- أن يُرفَق هذا الطّرح برؤية سياسيّة واضحة، إذ إنّ الحلّ الأمنيّ وحده لن ينجح ما لم يُقرَن بخطّة سياسيّة مع ضمانات أميركيّة ودوليّة، على أساس حلّ الدّولتيْن ومنح الشّعب الفلسطينيّ حقوقه المشروعة.
3- أن يكونَ أيّ حلٍّ للحربِ في غزّة يشمل الضّفّة الغربيّة التي تُعتبر مجالاً حيويّاً وركناً أساسيّاً في الأمن القوميّ للمملكة الهاشميّة.
يصف المصدر الحلّ الأمنيّ من دون السّياسة بـ”الانتحار”، إذ لا يُمكن احتواء حركة حماس من دون إعادة إعمار وعمليّة سياسيّة.
يؤكّد مصدر رسمي أردني لـ”أساس” أنّ عمّان رفضَت أيّ حلّ جزئي لا يتضمّن إطلاق العمليّة السّياسيّة لحلّ القضيّة الفلسطينيّة
المخاوف الأردنيّة
كثيرةٌ هي الأسباب التي دفَعَت عَمّان لاتّخاذ المواقف التي شارَفَت على حافّة “إعلان الحرب”:
1- استشعرَ الأردن خطورة ما يحصل في غزّة، بخاصة أنّ حكومة بنيامين نتانياهو نالَت دعماً أميركيّاً مفتوحاً في الحربِ ضدّ حركة حماس. تخشى عمّان أن يستغلّ نتانياهو حربه ضدّ قطاع غزّة وينقلها إلى الضّفّة الغربيّة. فكانَت مواقفُ عمّان بمنزلة ضربةٍ استباقيّة للنيّة الإسرائيليّة المُبيّتة تجاه الضّفة وبالتّالي تجاه الأردن.
مع الاشارة إلى أنّ الأردن يضمّ ما يُقارب 2 مليون ونصف فلسطينيّ، ومئات آلاف اللاجئين السّوريين. وهذا ما يجعل البلاد ترزح تحت ضغطٍ اجتماعيّ واقتصاديّ شديديْن. وبحسب مصادر أردنيّة رسميّة، فإنّ البلاد لن تستقبِل لاجئاً واحداً، وهي جادّة إلى أبعد الحدود في ذلك.
2- تُعتَبر العشائر في الأردن ركيزةً للنّظام الاجتماعيّ في البلاد. دائماً ما كانت العشائر مُساندة للقضيّة الفلسطينيّة منذ النّكبة في 1948. في الحرب الدّائرة حاليّاً في القطاع، كانَ واضحاً موقف الكثير من العشائر في دعم حركة حماس.
3- كانت حماس حاضرة في أوقاتٍ سابقة في الأراضي الأردنيّة. وكادَ الملك الرّاحل حسين بن عبدالله أن يُلغي اتفاقيّة السّلام بين بلاده وإسرائيل بعد مُحاولة اغتيال الموساد الرّئيس السّابق لحركة حماس خالد مشعل أثناء ولاية نتانياهو عام 1997. ولئن تراجع التأييد الشّعبيّ في الأردن لحماس بعد تقارب حماس مع النّظام السّوريّ قبل سنوات، إلّا أنّ عمليّة “طوفان الأقصى” أعادت تجديد التأييد بشكلٍ واسع.
4- يرتبطُ القلق في الأردن بتصاعد تيّار “الإخوان المُسلمين” عقبَ عمليّة “طوفان الأقصى”. وهُنا كانت الحكومة الأردنيّة تقطع الطّريق بمواقفها أمام أيّ محاولةٍ للمزايدة على موقف الملك والحكومة من القضيّة الفلسطينيّة.
العاهل الأردنيّ وقمّة الرياض
هذه الأسباب وغيرها تقف وراء موقف العاهل الأردنيّ الملك عبد الله الثّاني في القمّة العربيّة – الإسلاميّة التي عُقِدَت في العاصمة السّعوديّة الرّياض السّبت الماضي.
يصف المصدر الحلّ الأمنيّ من دون السّياسة بـ”الانتحار”، إذ لا يُمكن احتواء حركة حماس من دون إعادة إعمار وعمليّة سياسيّة
بدأ الملكُ كلمته في تحذيرٍ للجميع: “منطقتنا قد تصل إلى صدام كبير يدفع ثمنه الأبرياء وتطال نتائجه العالم إن لم تتوقّف الحرب البشعة على غزّة”. ولم يغب موضوع التهجير عن كلمته حين دعا إلى تشكيل تحالف سياسيّ لوقف الحرب والتهجير، فكانَ الموقف واضحاً من ضرورة بقاء الممرّات الإنسانيّة “مُستدامة وآمنة، وسنواصل القيام بواجبنا في إرسال المُساعدات للأشقّاء الفلسطينيين بكلّ الوسائل المُمكنة”.
كذلكَ كانَت القوّة النّاعمة الأردنيّة تتجلّى في المواقف التي أطلقتها الملكة رانيا في مقابلة مع شبكة CNN الأميركيّة في 5 تشرين الثّاني الجاري. تُعتَبر الملكة رانيا شخصيّة مُؤثّرة في الرأي العام العالمي، وذلكَ بحسب معهد Digital Political Consul الأميركيّ.
عبر الشّاشة الأميركيّة، قالت الملكة رانيا إنّ “ادّعاء الإسرائيليين أنّهم يحاولون حماية المدنيين الفلسطينيين بصراحة إهانة لعقل الشخص”. وتابعت: “ما رأيناه في السنوات الأخيرة هو استخدام تهمة معاداة السامية كسلاح من أجل إسكات أيّ انتقاد لإسرائيل.. اسمحوا لي أن أكون واضحة جداً. كونك مؤيّداً للفلسطينيين لا يعني أنّك معادٍ للسامية، وكونك مؤيّداً للفلسطينيين لا يعني أنّك مؤيّد لحماس أو مؤيّد للإرهاب”.
المُحلّل السّياسيّ الأردنيّ رامي دبّاس في تصريح لـ”أساس” أكّد أنّ الملك عبدالله الثاني يعتبر تهجير الفلسطينيين خطّاً أحمرَ، ليسَ فقط إلى سيناء بل إلى أيّ مكانٍ خارج فلسطين. إذ يتمسّك الأردن بالقضية الفلسطينية، قضيّته التّاريخيّة، ولن يقبل بتصفيتها تحت أيّ حجّة.
إقرأ أيضاً: عصيان عربيّ بوجه بلينكن… وورقة حلّ دائم في الرياض
وأضاف دبّاس إنّ المملكة الهاشمية “ستنوّع خياراتها على نحوٍ تصعيديّ، بدءاً باستخدام لهجة دبلوماسية حادّة تجاه العدوان ضدّ قطاع غزّة وأهل الضّفّة الغربيّة، وصولاً إلى نطاق الفعل الدبلوماسي على مستويات مختلفة”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@