الخبث الإيرانيّ: من كربلاء إلى غزّة

مدة القراءة 5 د


لا تثق إسرائيل بإيران التي لم تكن على وفاق مع إسرائيل منذ عام 1979 على الرغم من أنّ إسرائيل قد زوّدتها عام 1985 بصواريخ تاو مساهمةً منها في الحرب ضدّ العراق، عدوّهما المشترك. وهو ما كشفت عنه صفقة إيران كونترا التي تمّت بإشراف مباشر من الولايات المتحدة وبطلب منها.

على الرغم من ذلك فإنّ النظام الإيراني الذي أطلق على الولايات المتحدة لقب الشيطان الأكبر لم يتخلَّ عن شعاره “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل” بعدما دخل مزاد القضية الفلسطينية وقرّر تحرير القدس، لكن مروراً بكربلاء. وإذا ما كان الأميركيون قد جعلوا طريق كربلاء سالكة أمام إيران بعد احتلالهم العراق عام 2003 وتخلّصهم من عدوّهما المشترك صدام حسين، إلا أنّ الإيرانيين استبدلوا كربلاء بغزّة فصارت طريق تحرير القدس تمرّ بغزّة.

الجيرة الملغومة

في كلّ ما فعلته إيران عبر سعيها إلى الهيمنة على الدول العربية التي تفصل بينها وبين إسرائيل كان أملها أن تكون جارة لإسرائيل هو الهدف الرئيس الذي لا تسعى من خلاله إلى محاربة الدولة العبرية من أجل الوصول إلى القدس وتحريرها، بل من أجل الاعتراف بها قوّة إقليمية كبرى موازية لإسرائيل التي لا ترى في جيرة إيران ما يسرّها أو ما يجعلها تشعر بالاطمئنان بسبب معرفتها بدهاء وخبث ومكر الإيرانيين الذين رفعوا شعارات إسلامية وما من أحد فاقهم في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين.

في كلّ ما فعلته إيران عبر سعيها إلى الهيمنة على الدول العربية التي تفصل بينها وبين إسرائيل كان أملها أن تكون جارة لإسرائيل هو الهدف الرئيس الذي لا تسعى من خلاله إلى محاربة الدولة العبرية من أجل الوصول إلى القدس وتحريرها

لذلك لا تثق إلا برغبة إيران في تمزيق أوصال العالم الإسلامي والعمل على تحريف الإسلام. وهو ما يعني أنّ إيران حتى لو هيمنت بشكل نهائي على العراق ولبنان وسوريا واليمن فإنّ مشروعها لن يقف عند هذا الحدّ بل سيستمرّ في توسيع خرائطه. فالمخطّط التوسّعي الإيراني سيظلّ قابلاً للتوسّع وصولاً إلى هدف استعادة الإمبراطورية الفارسية التي هزمها العرب المسلمون وحطّموا بنيانها قبل أكثر من 1,450 سنة.

إيران أكثر خطراً من إسرائيل

لقد فعلت إيران بالعالم العربي في أقلّ من ثلاثين سنة ما عجزت إسرائيل عن القيام به عبر أكثر من سبعين سنة من العداء المعلن والمبيّت. لذلك كان الخطر الإيراني الواسع والمتعدّد الوجوه وما يزال أكثر تهديداً للأمن القومي العربي من الخطر الإسرائيلي المحدود بوجهه المكشوف. كانت إيران دائماً وما تزال أشدّ خطراً على العرب من إسرائيل. عام 1982 احتلّت إسرائيل بيروت، لكنّ إيران عن طريق عملائها تحتلّ اليوم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وصنعاء، إضافة إلى بيروت. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا تملك إسرائيل جيوشاً تابعة لها في الدول العربية، فيما تملك إيران جيوشاً جرّارة مزوّدة بأحدث الأسلحة تتكوّن من الحوثيين في اليمن والحزب في لبنان والحشد الشعبي وجماهير أحزابه في العراق وميليشيات من الأفغان والإيرانيين والعراقيين في سوريا. ذلك ما تنظر إليه إسرائيل بقلق. أمّا حركة حماس في غزّة التي تعتبرها إيران جزءاً من أذرعها في المنطقة، وهي كذلك فعلاً، فإنّ خطرها على إسرائيل مؤقّت ويمكن معالجته بممارسة العنف المفرط، وهو ما يسمح به العالم الذي سبق له أن تغاضى عن السياسات التوسّعية الإيرانية، فكيف به أمام ما يسمّيه بدفاع إسرائيل عن نفسها؟

حاجة إيران تتخطّى التطبيع

 توحي إيران للعالم بأنّها كانت وراء ما حدث في إسرائيل لا لشيء إلا من أجل أن تبرهن لإسرائيل أنّها قادرة على الردّ على ما فعلته بها حين قامت غير مرّة بتفجير أجزاء من منشآتها النووية. لكنّها محاولة فاشلة. فالرأي العام العالمي لا يفكّر في مَن فعل ذلك بقدر ما يفكّر في الضحيّة، أهل غزّة الذين تعرّضوا للتهجير داخل وطنهم هرباً من الموت. ليس في ذهن أحد أن تكون إيران قد حقّقت نصراً على إسرائيل بل يفكّر الجميع في كيفية إيقاف إسرائيل عن المضيّ في خطّة انتقامها. كانت المقامرة الإيرانية واضحة، لكنّ الفلسطينيين هم الضحيّة بالنتيجة. فهل عليهم أن يثقوا بإيران التي لن تذهب إلى القدس إلا بعد أن يتمّ محو غزّة وأهلها.

إقرأ أيضاً: فرنسا تستعين بإيران على الحزب: حذار تدخّله في الحرب وإلاّ..

لن تُطبّع إيران مع إسرائيل. ذلك أمر بديهي، فليس المطلوب منها أن تطبّع مع الدولة العبرية، فهي ليست دولة عربية ولا معنية تاريخياً بالقضية الفلسطينية ولا أثبتت يوماً أنّها قدّمت العون إلى الشعب الفلسطيني من أجل أن يستمرّ في البقاء ولا آوت فلسطينياً واحداً. ما تسعى إليه إيران هو أمر يتخطّى التطبيع، أن تعترف إسرائيل بها قوّة إقليمية ينبغي القبول بصداقتها. ذلك ما يجب أن يحتاط له النظام السياسي العربي ويضعه في حساباته إذا شاء أن تكون الطريق إلى القدس سالكة في ظلّ القوانين الدولية.   

*كاتب عراقي

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…