فوبيا الخوف من التعبير في أوروبا

مدة القراءة 6 د


حال معظم المهاجرين من العرب والمسلمين في الدول الأوروبية ليس بخير. الخوف من التعبير عن تضامنهم مع المدنيين الفلسطينيين ضدّ إسرائيل يستفحل في الأجواء لكيلا يتمّ اتّهامهم بمعاداة السامية أو الوقوف ضدّ مبادئ الدولة التي يقيمون فيها. البارحة تصاعدت المطالب بسحب الجنسية من اللاعب الفرنسي كريم بنزيما، واليوم فُصل رسّام الكاريكاتور البريطاني ستيف بيل من عمله، وكأنّ رسالة بنزيما الداعمة لأهالي غزّة أو كاريكاتور بيل المنتقد لوحشية نتانياهو هما اللذان يشكّلان مصدر خطر زيادة الإرهاب العالمي لا مشاهد العنف الحيّة المتواصلة والمستمرّة لعقود بحقّ المدنيين في فلسطين.

الانحياز الفاضح

 منذ اليوم الأوّل، رافق الصراعَ الإسرائيلي-الفلسطيني انحيازٌ فاضحٌ من وسائل الإعلام الغربية التي لطالما صدّعت رؤوسنا بقدسية حرّية التعبير والدفاع عن حقوق الإنسان. وهو تضامنٌ يحتّم حتى على الوسيلة الإعلامية التغاضي عن توجيه الاتّهام لإسرائيل ولو استهدفت أحد كوادرها. وأحدث دليل هو البيان الذي أصدرته وكالة رويترز عقب استهداف إسرائيل المصوّر اللبناني العامل لديها في الجنوب اللبناني، عصام العبد الله، من بين آخرين: “قُتل أثناء عمله”. ولك أن تستنتج من الفاعل.

حال معظم المهاجرين من العرب والمسلمين في الدول الأوروبية ليس بخير. الخوف من التعبير عن تضامنهم مع المدنيين الفلسطينيين ضدّ إسرائيل يستفحل في الأجواء لكيلا يتمّ اتّهامهم بمعاداة السامية أو الوقوف ضدّ مبادئ الدولة التي يقيمون فيها

في الغرب عموماً، الأمثلة كثيرة على الخناق الواقع علينا نحن العرب والمسلمين. فقد نشرت صحيفة هافبوست الأميركية مقالاً عن شعور عدم الأمان بين الموظفين في الإدارة الأميركية، بشكل خاص بين ذوي الخلفيّات الإسلامية، في التعبير عن آرائهم والتشكُّك في سلوك إسرائيل خوفاً من تعرّض حياتهم المهنية للخطر. وبحسب “بي.بي.سي”، خسر ثلاثة من طلّاب القانون في جامعة هارفرد عروض عمل بعد إعرابهم عن دعمهم للفلسطينيين وإلقاء اللوم على الإسرائيليين في هجمات “حماس”.

هي حملة ظالمة تُشنّ على كلّ من يعتقد أنّ قضية فلسطين تتطلّب العدالة. في السويد، تنتشر بين المجموعات في وسائل التواصل الاجتماعي شكاوى عديدة لمواطنين يتعرّضون للمضايقة في أماكن عملهم لارتدائهم الكوفية الفلسطينية أو محاولة التلميح إلى إجرام إسرائيل بحقّ الفلسطينيين أو انتهاكها للقانون الدولي التي تصل إلى حدّ سماعهم تهديدات بالإبلاغ عنهم واتّهامهم بالدفاع عن حركة حماس المصنّفة إرهابية. وما يزيد الطين بلّة هو تهديد الحكومة اليمينية في السويد المهاجرين بسحب الجنسية في حال ارتكابهم جرائم وأعمالاً إرهابية أو الدفاع عن الإرهاب، الأمر الذي يخيف المهاجرين من ممارسة حقّهم في التعبير عن آرائهم بحرّية في ما يحصل في قطاع غزّة.

التظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية خجولة في السويد وأوروبا بشكل عامّ، لناحية أعداد المتظاهرين. ولم يعد بمقدور الكثير من الأفراد في أوروبا التعبير أو التعاطف أو عقد النيّة على التعبير والتعاطف. وأصبحت منشوراتنا تحت المجهر، إذ نحاسَب على نوايا سيّئة لا نقصدها في صور وكلمات تحمل ألف معنى ومعنى. وهذا يطال العديد من المؤسّسات الإعلامية والصحافيين. ولنفترض أنّني صحافية أردت التشكُّك في نوايا إسرائيل والغرب في الحرب على غزّة من على منبر غربي والقول إنّ عملية “حماس” لا تعني حصار غزّة وحرمان أهلها من الماء والغذاء والأدوية وإنّ هناك دوافع أخرى مثل الاستيلاء على الغاز في شرق البحر المتوسط من أجل الغرب بعد نقص المخزون الأوروبي بشكل حادّ نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، أفلن يقال إنّني أدافع عن الإرهاب؟

على إثر هذه الأجواء المتوتّرة في السويد وأوروبا، سادت حالة من فوبيا الخوف من التعبير عن الرأي لدى الكثير من المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا جعلتهم يتوقّفون حتى عن تداول آرائهم مع الآخرين

العناوين التي تصدّرت الصحف الأوروبية في اليومين الأوّلين إثر قيام “حماس” بقطع رؤوس الأطفال كانت كافية لإدخال الرعب في نفوس الأوروبيين وزيادة خشيتهم من هؤلاء ذوي الأصول الأجنبية مثلما حصل في فرنسا عندما تمّ احتجاز سيّدة مسلمة، لمدّة خمس ساعات، فقط لارتياب جارتها بها بعد شجار لفظي بينهما. ولم يلتقط الناس أنفاسهم حتى زادت حدّة التوتّر عقب وقوع حادثتين إرهابيّتين في فرنسا وبلجيكا من قبل رجلين لهما صلات بالإسلام المتطرّف، أسفرتا عن مقتل مواطن فرنسي في شمال فرنسا وسويديَّين اثنين في بلجيكا. مثل هذه الحوادث الإرهابية، على الرغم من فرديّتها، يؤثّر وقعها على المسلمين بشكل عامّ في أوروبا ويساهم في لجم العرب والمسلمين عن إبداء الرأي بالحرب الدائرة لكيلا يتمّ ربط التعاطف مع الفلسطينيين بدعم الإرهاب، وهي الذريعة التي أصبحت سيفاً مسلّطاً على رقاب المتضامنين السلميّين مع القضية الفلسطينية وشعب فلسطين.

استنفار أمني أوروبي

يمكن اعتبار الاستنفار الأمنيّ في أوروبا حالياً في أعلى مستوياته بسبب الوضع الأمني الدولي الحالي والصراع بين إسرائيل و”حماس”، وهو الأمر الذي دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تأجيل زيارته للسويد المقرّرة يومي 24 و25 تشرين الأول، نقلاً عن القناة الفرنسية. هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه مطالبات اليمينيّين في السويد للحكومة بسحب الاعتراف بدولة فلسطين بذريعة أنّ “إرهاب” حركة حماس سحق هذا الأمل بشكل تامّ. وتعرّضت مارغوت فالستروم، وزيرة الخارجية السابقة في الحكومة الاشتراكية اليسارية التي كانت أولى الحكومات الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطين في عام 2014، لإدانات واسعة جعلتها تخرج في مقابلة مع صحيفة سويدية لتدين عملية حماس بأشدّ العبارات ولتدافع بنبرة خافتة عن قرار الاعتراف بفلسطين حينها الذي، بحسب تصريحها، كان يهدف إلى إعطاء دفعة لمبدأ حلّ الدولتين وإعطاء أمل للشعب في فلسطين وللفلسطينيين في كلّ أنحاء العالم بإمكانية التعايش السلمي. ودفع الجدال السياسي المتجدّد في هذه القضية بصحيفة سويدية إلى نشر استطلاع للرأي يشير إلى أنّ واحداً من كلّ ثلاثة سويديين يريد إلغاء الاعتراف بدولة فلسطين.

إقرأ أيضاً: غزّة أجّجت الصراع الدوليّ: فكيف تنتهي الحرب؟

على إثر هذه الأجواء المتوتّرة في السويد وأوروبا، سادت حالة من فوبيا الخوف من التعبير عن الرأي لدى الكثير من المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا جعلتهم يتوقّفون حتى عن تداول آرائهم مع الآخرين، لا سيما في ما يتّصل بالأوضاع في غزّة، خشية التربّص بهم بهدف استثارتهم وصدور ردود أفعال لفظية تدينهم. أجواء الخوف هذه جعلت معظمهم يحوّل حساباته العامّة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى حسابات خاصة يوشوش عبرها لأصدقائه بصدق تضامنه مع المدنيين الفلسطينيين من دون أن يضطرّ إلى الخضوع لملاحقة بسبب تعليقات على الإنترنت أو تكهّنات بما يمكن أن تحمل منشوراته من نوايا وأهداف.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…