“حماس تستدرج إسرائيل إلى هجوم برّي في غزّة… ويبدو أنّ إسرائيل تسير إلى هذا الفخّ”. هذا ما خلص إليه الباحث في “معهد دول الخليج العربية” في واشنطن حسين إبيش، في مقال نشرته مجلّة “أتلانتيك”. وهو أكّد أنّ “حماس” لم تكن “لتخطّط بدقّة لهجومها الجريء من دون التخطيط والاستعداد لمثل هذا الردّ المضادّ المتوقّع على الأرض”. ورجّح أن يواجه الجيش الإسرائيلي مقاومة شديدة في غزّة: “فقد سيطرت إسرائيل على القطاع من الخارج،لكن ليس من الداخل. لكنّ السيطرة على مياه غزّة الساحلية، ومجالها الجوّي، ومعابرها باستثناء معبر واحد، جعلت منها سجناً فعليّاً في الهواء الطلق يديره نزلاء شرسون بشكل خاص، لكنّهم محاصَرون من جميع الجهات”.
يبدأ إيبش بأنّ هجوم “حماس” قد يكون “العمل الأكثر دمويّة من قبل أيّ من الجانبين في هذا الصراع المستمرّ منذ مئة عام. لكنّه قبل كلّ شيء فخٌّ يبدو أنّ إسرائيل تقع فيه”. ويحذّر من أنّ قادة “حماس” وداعميهم الإيرانيين لديهم استراتيجية واعية يحاولون من خلالها حثّ الإسرائيليين على دخول غزّة لمواجهة طويلة الأمد، من خلال الهجوم البرّي الذي تستعدّ له إسرائيل الآن لاستئصال “حماس” وتدميرها كمنظمة، وقتل كوادرها وقيادتها وتدمير أكبر قدر ممكن من بنيتها التحتية ومعدّاتها.
إيبش: هجوم “حماس” قد يكون “العمل الأكثر دمويّة من قبل أيّ من الجانبين في هذا الصراع المستمرّ منذ مئة عام. لكنّه قبل كلّ شيء فخٌّ يبدو أنّ إسرائيل تقع فيه”
ما هي أهداف حماس من هذه المعركة؟
يلخّص الباحث الأهداف بالتالي:
– تدمير الوضع الراهن الذي لم يعد يخدم مصالحها لأنّها تأمل بانتزاع السيطرة على الحركة الوطنية الفلسطينية من منافسيها وخصومها العلمانيين في “فتح”، الذين يهيمنون على السلطة الفلسطينية، والأهمّ من ذلك، على منظمة التحرير الفلسطينية، الممثّلة المعترف بها دولياً للشعب الفلسطيني. فهي لم تكن أبداً جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية، وترفض اتفاقيات المنظمة مع إسرائيل، وأبرزها اتفاقيات أوسلو التي تتضمّن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل، لكن ليس اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية أو بحقّ الفلسطينيين في إقامة دولة.
– تحديد مصير “فتح”، والمناورة من أجل الاستيلاء في نهاية المطاف على منظمة التحرير الفلسطينية ووجودها الدبلوماسي الدولي، بما في ذلك وضع الدولة المراقبة في الأمم المتحدة وسفاراتها في مختلف أنحاء العالم. ومن خلال نقل المعركة مباشرة إلى إسرائيل، والادعاء أنّها تدافع عن الأماكن الإسلامية المقدّسة في القدس من خلال وصف الهجوم بأنّه “طوفان الأقصى”، وعلى أمل كسر الحصار الإسرائيلي على غزّة، تسعى “حماس” إلى التقليل من شأن “فتح” وإظهار أولوية سياستها في الكفاح المسلّح غير المقيّد بالدبلوماسية الحكيمة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
– تريد وحماتها الإيرانيين عرقلة اتفاق التطبيع الدبلوماسي الذي تفاوضت عليه الولايات المتحدة مع إسرائيل والسعودية لأنّ فوائد “جانبه الفلسطيني الكبير” ستصبّ في مصلحة “فتح” في الضفة الغربية على حساب “حماس”، ولأنّه سيكون بالنسبة لإيران نكسة استراتيجية كبيرة. فإذا قامت إسرائيل، أقوى شريك عسكري للولايات المتحدة في المنطقة، والمملكة العربية السعودية، الأقوى ماليّاً والأكثر نفوذاً دينياً، بتطبيع علاقاتهما والتعاون، فإنّ طهران ستواجه معسكراً متكاملاً مؤيّداً لأميركا. وسيطوّق شركاء الولايات المتحدة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر والأردن، شبه الجزيرة العربية بشكل فعّال، الأمر الذي سيضمن السيطرة على البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي من خلال نقاط الاختناق البحرية الثلاث الحاسمة: قناة السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز. ومن شأن التطبيع السعودي الإسرائيلي أن يعيق إلى حدّ كبير تطلّعات إيران الإقليمية على المدى القصير والطموحات الصينية في المستقبل البعيد.
لذا يستخلص الباحث أنّ “حماس” قرّرت لأسباب فلسطينية داخلية، وإيران لأسباب استراتيجية إقليمية، إحداث زلزال من شأنه على الأقلّ تأجيل مثل هذا الحساب. إذ تعوّل إيران و”حماس” على إسرائيل لمهاجمة غزّة بضراوة كبيرة لدرجة أنّ التعاطف الدولي الذي نشأ خلال الأسبوع الماضي تجاه إسرائيل، حتى في العالم العربي، سيتبخّر بسرعة ويحلّ محلّه الغضب من المعاناة التي لحقت بمليونَي نسمة في غزّة الخاضعة لسيطرة إسرائيل. وسوف تتضاءل الإمدادات الحالية بسرعة مع تعرّض غزّة وسكّانها للقصف الجوّي. ويبدو أنّ إسرائيل مستعدّة لإيقاع عدّة آلاف من الضحايا في صفوف المدنيين، إن لم يكن أكثر.
إيبش: “حماس” لم تكن “لتخطّط بدقّة لهجومها الجريء من دون التخطيط والاستعداد لمثل هذا الردّ المضادّ المتوقّع على الأرض”
إسرائيل تحقّق أهداف “حماس”
في رأي الباحث، نّ إسرائيل ستحقّق نوايا “حماس”. إذ تعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بردّ “سيتردّد صداه لأجيال” بين أعداء إسرائيل. وحذّر الجنرال الإسرائيلي غسان عليان: “لقد أردتم الجحيم، وسوف تحصلون على الجحيم”. وأعلن وزير الدفاع: “نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرّف وفقاً لذلك”. ولم يبذل أيّ من هؤلاء أيّ جهد للتمييز بين مقاتلي “حماس” ومليونَي مدني فلسطيني في غزّة.
لعقود من الزمن، وخاصة في السنوات الأخيرة، تمّت معاملة سكّان غزّة بالفعل “مثل الحيوانات”. والآن ستضاعف إسرائيل تجريدهم من إنسانيّتهم والعقاب الجماعي لهم.
يعتقد الباحث أنّه لا يمكن لطهران أن تطلب أفضل من ذلك. وهي تأمل كما “حماس”، أن ترفض إسرائيل العودة إلى الوضع السابق، وأن تلجأ بدلاً من ذلك إلى فرض احتلال برّي طويل الأمد لغزّة، بمبرّر أنه لم يعد من الممكن السماح لحركة حماس بتشكيل مثل هذا التهديد. لكنّهما على قناعة بأنّ غزّة ستكون مسلخاً للجنود الإسرائيليين، سواء أثناء التوغّل الفوري أو مع مرور الوقت.
ويعتبر الباحث أنّ حرص إسرائيل الواضح على الوقوع في هذا الفخّ أمر مفهوم، بل ويمكن التنبّؤ به، ولهذا السبب كانت “حماس” واثقة من نصب هذا الفخّ. وعلى واشنطن وغيرها من أصدقاء إسرائيل، الذين يتعاطفون معها الآن، أن يحذّروها على الفور من ارتكاب هذا الخطأ الفادح وأن يحثّوها على ضبط النفس بدلاً من ذلك، لأنّ ضبط النفس يُحبط أهداف “حماس” ورعاتها، ومن شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً نحو ضمان استمرار الانفتاح الدبلوماسي مع السعودية الذي سيوجّه ضربة قوية للقوى التحريفية المحلّية، مثل إيران، والقوى العالمية، مثل الصين وروسيا، التي ترغب في استبدال نظام قائم على قواعد بنظام قائم على مبدأ “القوّة تصنع الحقّ”.
إقرأ أيضاً: آرون ميلر: لا حلّ إلّا بالتفاوض… لكنّنا نفتقر للقادة
لكن للأسف، يخلص إبيش: “تبدو إسرائيل مستعدّة للقفز مباشرة إلى الفخ، في تلهّفها إلى القضاء على “حماس”، وهو ما لا يمكن القيام به بالقوّة، وفي سعيها إلى ضمان عدم السماح لمثل هذا التهديد بالظهور مرّة أخرى، وهو أمر مستحيل ما استمرّ الاحتلال”.
لقراءة النصّ الأصلي اضغط هنا