لا بدّ من الاعتراف أنّ طهران خير من يلعب لعبة “المفسِد” لأيّ مشروعات إقليمية مضادّة لمصالحها، وأنّها نجحت في تحقيق 3 أهداف رئيسية خلال الأسبوع الماضي:
– أوّلاً: جعلت إمكانية إنجاز تسوية سلمية على المستوى الإقليمي برعاية أميركية شبه مستحيل الآن بعد عملية “طوفان الأقصى”.
– ثانياً: كشفت هشاشة نظرية الردع والإنذار المبكر لنظام وحكومة بنيامين نتانياهو.
– ثالثاً: أكّدت للجميع أنّها لاعب إقليمي رئيسي لا يمكن إنجاز حرب أو سلام أو تسوية أو صراع من دون حضوره.
تدرك طهران أنّ ثمن ذلك سيكون مكلفاً للغاية.
العقل “الحمساوي” المدعوم إيرانياً يواجه ردّ فعل هستيريّاً من إسرائيل مدعوماً بلا حدود غربيّاً.
لكن هناك إشكالية كبرى تعود لفكر “التمنّي الخيالي” لدى واشنطن والبعد عن حقائق الواقع المَعيش على أرض الحقيقة وطبيعة قانون الفعل وردّ الفعل الفلسطيني
إنّها لعبة بلا قواعد اشتباك قرّرت إسرائيل بدعم من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تفتح فيها أبواب جهنّم ليس على قيادة “حماس” أو حركة حماس ولا على سكّان غزّة، بل على أدنى أمل ممكن لما بقي من مشروع حلّ الدولتين.
حتى الـ22% الباقية من فلسطين التاريخية ليست الآن على طاولة البحث.
تؤكّد المصادر المطّلعة أنّ أقصى ما يمكن تصوّره الآن بعد أن تسكت المدافع هو مشروع يبدأ من نقطة إنهاء حركة حماس (قيادة وتسليحاً وقوّات)، وينتهي في أحسن حالاته إلى بعض الإجراءات لـ”تحسين شروط الاحتلال”.
ما يروّجه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في زيارته الأخيرة للمنطقة هو أنّنا الآن لا نشهد جولة صراع أو عمليات عسكرية مثل المواجهات الأربع السابقة بين “حماس” وإسرائيل، بل نشهد على حدّ قوله Game Changer، أي متغيّراً رئيسياً للّعبة.
كيف ستتغيّر “اللعبة”؟
المتغيّر الرئيسي حسب الرؤية الأميركية يقوم على العناصر التالية:
– أوّلاً: غزّة من دون “حماس”.
– ثانياً: الضفّة من دون أبي مازن.
– ثالثاً: تل أبيب من دون نتانياهو.
– رابعاً: كيان فلسطيني منزوع السلاح تابع من ناحية الطاقة والمياه والضرائب لتل أبيب ضمن مشروع اقتصادي برعاية إقليمية.
– خامساً: دخول أطراف غير عربية في هذه الترتيبات (الدول الثلاث من دول الجوار غير العربية: تركيا وإيران وإسرائيل).
– سادساً: العمل بقوّة على إقناع الرياض بجدوى المشاركة في هذه الترتيبات.
– سابعاً: السعي إلى وجود رعاية دولية أميركية أوروبية مع استبعاد روسيا والصين.
هذا هو التصوّر المطروح من قبل إدارة بايدن وتجري محاولة تسويقه إقليمياً.
إشكاليات.. وأمثلة خمسة
لكن هناك إشكالية كبرى تعود لفكر “التمنّي الخيالي” لدى واشنطن والبعد عن حقائق الواقع المَعيش على أرض الحقيقة وطبيعة قانون الفعل وردّ الفعل الفلسطيني.
مثلاً: إنهاء “حماس” قيادةً وقوةً عسكرية لا يعني نهاية أنصارها على الأرض، خاصة بعد “طوفان الأقصى” ستأتي “حماس” أخرى بأجيال أكثر تشدّداً.
لنقارن ونتذكّر أنّ واشنطن عادت وتعاملت مع كلّ من حاربتهم:
– حركة طالبان في أفغانستان.
– آيات الله في إيران.
– السلطة الحالية في فنزويلا.
– “داعش” في سوريا والعراق.
– والقائمة طويلة وفيها لائحة من الإخفاقات في كسر فكرهم وامتدادهم في مجتمعاتهم.
مثلاً: البحث عن بديل غير أبي مازن عمليّة معقّدة في ظلّ تركيبة السلطة الحالية، خاصة أنّ هناك تصوّراً أنّك إن فشلت في سلام مع أبي مازن فمع من ستنجح؟!
مثلاً: دخول إيران وتركيا في تسوية إقليمية ليس سهلاً تسويقه ليقبل به العرب، خاصة أنّ هناك امتداداً تركياً في سوريا والعراق وامتداداً إيرانياً في 4 دول عربية معادية لدول الخليج.
مثلاً: يصعب على السعودية الثقة بأيّ ترتيب أميركي إقليمي بعد سلوك واشنطن الأخير تجاه إسرائيل التي حصلت على كلّ شيء وأيّ شيء من دون قيد أو شرط بالمجّان. وجاء تسريب آخر من السعودية يقول “تمّ تجميد أيّ حوارات مع واشنطن حول السلام مع إسرائيل”.
تؤكّد المصادر المطّلعة أنّ أقصى ما يمكن تصوّره الآن بعد أن تسكت المدافع هو مشروع يبدأ من نقطة إنهاء حركة حماس (قيادة وتسليحاً وقوّات)، وينتهي في أحسن حالاته إلى بعض الإجراءات لـ”تحسين شروط الاحتلال”
مثلاً: يصعب التصوّر الأميركي الحركة الدبلوماسية على دول السلام الإبراهيمي التي تعاملت بأمانة وحسن نيّة مع مشروع سلام يمكن من خلاله عمل ترتيبات متكافئة وإيجابية في المنطقة.
ما سمعه أنتوني بلينكن في السعودية والإمارات والأردن ومصر وقطر مع تباين لهجة الاحتجاج والتخوّف والغضب، فإنّ الرسالة الموحّدة المؤكّدة التي تكرّرت: “ليس هكذا تدعمون إسرائيل، وإنقاذها يتمّ عن طريق إقناعها بأنّ ما تقوم به الآن من جرائم ليس ضدّ حركة حماس، لكن ضدّ الشعب الفلسطيني، وهو أمر لا يمكن قبوله أو تسويقه عند أيّ رأي عام، وهو يضرّ تماماً بأيّ محاولة تسويق لأيّ سلام قريب في المنطقة”.
ماذا سمع بلينكن… وماذا عليه أن يعرف؟
قيل لبلينكن إنّه إذا كان المطلوب هو إنقاذ بنيامين نتانياهو فإنّ الإضرار بسمعة حكومته وائتلافه قد وقع في إخفاق منظومة الأمن الإسرائيلي في يوم 7 تشرين الأول.
قيل لبلينكن إنّ توسيع دائرة العمليات من قبل إسرائيل تجاه لبنان أو سوريا هو فتح إضافي لأبواب جهنّم ودعوة مفتوحة لتدخّل إيراني مباشر.
إذا كان ما يبدو على السطح الآن هو صور جبروت القوّة المتوحّشة للجيش الإسرائيلي في غزّة فإنّ إسرائيل أيضاً تعاني من عدّة إخفاقات:
– أوّلاً: السقوط المعنوي لنظرية الأمن الإسرائيلي. ويكفي أنّ أكثر من ثلثي السكّان يعيشون منذ 10 أيام في مخابئ وتحت صوت صفّارات إنذار وخوف من صواريخ القسّام.
– ثانياً: انخفاض أداء البورصة الإسرائيلية فاضطرّ المركز الإسرائيلي إلى طرح 45 مليار دولار لدعم الأسواق وتمّ إيقاف أعمال حفر وتصدير الغاز الإسرائيلي.
– ثالثاً: توقّف العمل في مطارات إسرائيل وإيقاف 300 رحلة طيران يومياً وتوقّف أنشطة البلاد من أعمال ومدارس وجامعات وترفيه ورياضة.
– رابعاً: كلفة العمليات العسكرية التي يتردّد أنّها تكلّف تل أبيب ما بين 400 إلى 500 مليون دولار يومياً.
عالمياً ارتفع سعر النفط 5% وارتفع الذهب 3.4% وانخفض سهم ناسداك 1.4%.
إنّها لعبة بلا قواعد اشتباك قرّرت إسرائيل بدعم من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تفتح فيها أبواب جهنّم ليس على قيادة “حماس” أو حركة حماس ولا على سكّان غزّة، بل على أدنى أمل ممكن لما بقي من مشروع حلّ الدولتين
أحلام نتانياهو الخيالية
الفيلم الهوليووديّ الذي يحلم به نتانياهو هو قيام 200 ألف جندي وضابط إسرائيلي تدعمهم 5 آلاف عربة عسكرية و1,900 مدرّعة وصواريخ خازوقية أميركية و200 طائرة قاذفة مقاتلة ونشاط استخباراتي مدعوم من حاملات طائرات أميركية وبريطانية تطفو بمحاذاة السواحل الفلسطينية… بالكشف عن خنادق “حماس” الكامنة تحت أرض غزّة ثمّ كسر الآلة العسكرية ثمّ القبض على قادتها أو قتلهم ثمّ الإفراج عن الرهائن من دون خسائر.
حلم نتانياهو الخيالي بعد أن يحدث ذلك كلّه أن يهبط وسط قوّاته المنتصرة في غزّة ويهنّئ قادته ويحتضن الأطفال والنساء من الأسرى المفرَج عنهم، فيكون بذلك قد قام بتأمين مستقبله السياسي وأصبح ملك أورشليم الحديث الذي أعاد الأمن والأمان للشعب اليهودي. إنّه “رامبو الإسرائيلي”.
في إسرائيل والأسواق العالمية ينصح مديرو الصناديق الكبرى ببيع الأسهم الحالية وبعدم التدخّل بالشراء انتظاراً لانخفاضات كبرى بالتوازي مع مجازر العمليات البرّية في غزّة.
إقرأ أيضاً: واشنطن: على إيران أن تختار بين بشّار أو محمّد ضيف
هناك سؤالان لا يعرف أحد إجابات حقيقية ومباشرة، الآن، عليهما:
– السؤال الأوّل: سؤال إسرائيلي يقول: أين ستتوقّف العمليات البرّية الإسرائيلية في غزّة؟ وهل هي عمليات خاطفة ونوعية أم غزو منظّم يهدف إلى حرق الأرض والتطهير وكسر آلة “حماس”؟ وإذا كانت غزواً فهل يعقبه انسحاب أم بقاء وتمركز من أجل الاحتلال والسيطرة الكاملة؟
– السؤال الثاني: سؤال حمساوي يقول: ما هو حجم مخزون الصواريخ والذخيرة المتوافرة لدى “حماس” في مخازنها السرّية في غزّة تحت الأرض؟ وما هي قدرة قوات “حماس” على الصمود؟ وما هي معطيات الإمداد والتموين اللازمين لمعركة متوسطة أو طويلة؟ وهل هناك تكتيكات قتالية أو أسلحة نوعية مفاجئة ستظهر عند العمليات البرّية أم لا؟
السؤال الأكبر: ماذا ستفعل إسرائيل بالنتائج العسكرية لعملياتها في حال تحقيقها لأهدافها الاستراتيجية؟ أي إذا افترضنا أنّها استحوذت على الأرض بعد أن تكسر “حماس”، فلِمَن سوف تسلّم الأرض (360 كيلومتراً): للسلطة؟ أم تستمرّ في الاحتلال؟ هل تخلق سلطة عميلة؟ هل تكون أكثر قبولاً لتفاوض سياسي؟ أم في أحسن حالاتها تكون راغبة فقط في تحسين شروط هذا الاحتلال الإجرامي؟
لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@