لم يرسُ أهل القرار “على برّ” بعد في ما يتعلّق بآلية التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وصيغة التعيينات العسكرية والمشمولين بها. تتضارب الاجتهادات حتى بين بعض المرجعيات القانونية التي تتمّ الاستعانة بها لتمرير قطوع التمديد “بالتي هي”. والسؤال الأهمّ: من سيفعلها؟ مجلس النواب أم مجلس الوزراء؟
كان لافتاً في جلسة مجلس الوزراء الخميس الفائت اعتراض وزير “حركة أمل” عباس الحاج حسن ليس على فكرة التمديد والتعيين بل على اقتراح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إحالة مشروع القانون الذي ستعدّه الأمانة العامّة لمجلس الوزراء إلى مجلس النواب حيث قال الحاج حسن، وفق معلومات “أساس”، إنّ “الإحالة لن تنفع في ظل مجلس نواب لا يجتمع حتّى لتشريع الضرورة مع استمرار المقاطعة النيابية”، مُقترحاً أن “يصدر القرار عن مجلس الوزراء”.
تشير معطيات “أساس” إلى أنّه بناءً على إثارة موضوع التمديد لقائد الجيش في الجلسة الماضية ستتمّ قريباً مخاطبة وزير الدفاع موريس سليم وفق آلية رسمية والطلب إليه إبداء موقف واضح من مسألة الشغور المرتقب في قيادة الجيش وتحمّل مسؤولياته المنصوص عنها في قانون الدفاع ثمّ البناء على ردّه، حيث لا صلاحية للوزير، وفق أوساط قانونية، البحث في حدود عمل الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال، كما أنّه بأدائه يخالف قانون الدفاع والاجتهاد الدستوري في شأن دستورية عمل الحكومة حالياً.
ميقاتي: لا داعي للربط
فعلياً، ما قاله ميقاتي حول إعداد مشروع قانون برفع سنّ التقاعد سنة واحدة لحاملي رتبتَيْ عماد ولواء تشوبه ثغرة عدم اقترانه بتوقيع وزير الدفاع الرافض للتمديد لقائد الجيش، فيما يطرح معنيون أيضاً تساؤلات حول مدى استعداد وزير الداخلية بسام المولوي لوضع توقيعه على مشروع قانون بالتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
تشير المعلومات إلى عدم ممانعة باسيل تعيين قائد جيش جديد ورئيس أركان بحكم الظرف الاستثنائي على الرغم من موقفه من محدودية صلاحيات حكومة تصريف الأعمال
أمّا ميقاتي نفسه فيرى، وفق العارفين، أن لا داعي لربط التمديد لقائد الجيش بالتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي حيث يحال الأخير إلى التقاعد في أيار المقبل أي بفارق خمسة أشهر عن قائد الجيش.
لكنّ معطيات “أساس” تشير إلى أنّ الرئيس سعد الحريري تواصل بشكل غير مباشر مع ميقاتي طالباً “دمج التمديدين”، وهذا ما يفسّر مبادرة وزير البيئة ناصر ياسين لفتح الموضوع في مجلس الوزراء.
الأصعب هو مدى تقبّل النائب جبران باسيل لتغطية الحزب للتمديد في مجلس الوزراء أو مجلس النواب، فيما صدور القانون يحتاج إلى أكثرية عادية ويمكن أن يصدر بـ 33 صوتاً من أصل نصاب الـ 65 حضوراً. بالمقابل، تشير المعلومات إلى عدم ممانعة باسيل تعيين قائد جيش جديد ورئيس أركان بحكم الظرف الاستثنائي على الرغم من موقفه من محدودية صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، لكنه يضغط أكثر باتّجاه تولي الضابط الأعلى رتبة صلاحيات قيادة الجيش، في ظل رفضه الحاسم التمديد لقائد الجيش.
المقاطعة المسيحيّة مستمرّة
صحيح أنّ الأمور ضبابية لكن يمكن حصر الاحتمالات بالآتي:
1- إقرار التمديد في مجلس النواب لا سيّما أنّ هناك اقتراح قانون يتعلّق بالضباط من كلّ الرتب وآخر بموظفي الإدارة العامة (قانون النائب بلال عبدالله) وشموليّته تحصّنه من الطعن به. ويتحدّث البعض عن إمكانية دمج القانونين وحصرهما بالرتب العالية في العسكر والمديرين العامّين في الإدارة العامّة (موظفي الفئة الأولى). لكن المقاطعة المسيحية المستمرة لجلسات التشريع ستنزع الغطاء الميثاقي عن جلسة “هدفها” أولاً التمديد لقائد الجيش، فيما تؤكد المعلومات أنّ القوات اللبنانية التي لا تمانع التمديد لقائد الجيش ستتمسّك بمقاطعة جلسات التشريع إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وأمّا مقاطعة باسيل فـ “تحصيل حاصل”.
2- إحالة مشروع قانون من الحكومة إلى مجلس النواب لن يكون لوزير الدفاع المعني الأول به أي “بصمة”.
3- حَصر “التخريجة” القانونية للتمديد بمجلس الوزراء، وهو الأمر المرجّح. هنا تتضارب التوجّهات حول صلاحية الحكومة بإصدار قرار أو مشروع قانون أو مرسوم يعدّل سنّ التقاعد لقائد الجيش أو يؤجّل تسريحه، حيث تجتمع الآراء القانونية على اعتبار مجلس النواب صاحب الصلاحية بتعديل القوانين.
4- التمديد لقائد الجيش سيكون متلازماً مع تعيين رئيس أركان مع احتمال التوسّع باتّجاه ملء الشغور في مراكز قيادية عليا في المجلس العسكري ومجلس القيادة. هنا يلفت مطلعون إلى أنه “في حال عدم إجراء تعيينات عسكرية بالأصالة لن يكون هناك في آب المقبل أي ضابط شيعي في موقع أمني حين يتقاعد نائب المدير العام لأمن الدولة العميد حسن شقير، لذلك تبدو التعيينات الشاملة في كل الأجهزة أمراً ضرورياً”.
معطيات “أساس” تشير إلى أنّ الرئيس سعد الحريري تواصل بشكل غير مباشر مع ميقاتي طالباً “دمج التمديدين”، وهذا ما يفسّر مبادرة وزير البيئة ناصر ياسين لفتح الموضوع في مجلس الوزراء
“واجبات” مجلس الوزراء
المدافعون عن صلاحية حكومة تصريف الأعمال في حسم مسألة التمديد وإقرار التعيينات العسكرية الملحّة في ظل رفض وزير الدفاع يقدّمون مقاربة قانونية تفيد بالآتي:
– هناك فارق بين الصلاحيات (غير إلزامية) والواجبات لدى مجلس الوزراء. والحفاظ على مصالح الدولة وهيكليتها وملء الشغور في الفئة الاولى للضرورات هو واجب على مجلس الوزراء سواء كانت الحكومة مستقيلة أو نالت الثقة أو تصرّف أعمالاً، وذلك استناداً إلى مبادئ دستورية أولها استمرارية المرفق العام المكرّس بكل الاجتهادات. وعكس ذلك قد يحمّل الحكومة والوزراء تبعات جزائية في حال الإخلال بواجباتهم الوظيفية خصوصاً إذا كانت الظروف الاستثنائية طاغية كأن يكون البلد على شفير حرب. فهل يمكن مثلاً تخيّل قائد جيش يتقاعد ولا رئيس أركان ينوب عنه ولا نصّ قانونياً يسمح للضابط الأعلى رتبة بتسلّم صلاحيات القائد ولا مجلس نواب يجتمع ليعدّل قانون سنّ التقاعد؟
– في ما يتعلّق بالرأي القائل بأنّ استمرارية المرفق العام تتأمّن من خلال تولّي الضابط الأعلى رتبة قيادة الجيش (في ظل عدم وجود رئيس أركان) يقول أصحاب النظرية المضادة: “لا إنابة في وظائف الفئة الاولى والوظائف القضائية إلا بوجود نصّ. هكذا نرى أنّ في الأمن العام مثلاً ينوب عن المدير العام نائبه وفي الجيش رئيس الاركان، وفي قوى الأمن الداخلي رئيس الاركان، وحاكم مصرف لبنان ينوب عنه نائبه الاول. وهكذا لا يمكن لعضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب أن يتسلم مهام قائد الجيش بعد تقاعده أو أي عميد آخر في الجيش.
– بالنسبة لتمنّع وزير الدفاع عن رفع اقتراح بتأجيل التسريح أو رفع اقتراحات لتعيين ضبّاط في المجلس العسكري، من ضمنهم رئيس الأركان، يقول هؤلاء: “الوزير سلطة اقتراح (وهي صلاحية إيجابية) ولا يمكن أن يُصادِر أو يقيّد صلاحية التقرير العائدة لمجلس الوزراء. هنا بإمكان رئيس مجلس الوزراء عبر الأمانة العامّة أن يضع على جدول الاعمال بند التعيينات العسكرية ويُرسِله للوزير المعني طالباً منه الاقتراح، وإذا تمنّع يمكن لمجلس الوزراء أن يعتبر التمنّع جواباً لكنه جواب يناقض مبدأ استمرار المرفق العام، فيما سلطة التعيين تعود لمجلس الوزراء بهدف تأمين استمرارية المرفق العام وraison d’Etat، مع العلم أنّه حتى عندما يقترح الوزير يبقى لمجلس الوزراء أن يعيّن من يشاء. أمّا بالنسبة لحتمية توقيع وزير الدفاع على المرسوم فالمجلس الدستوري غطّى كل قرارات حكومة تصريف الأعمال التي لم يشارك فيها الوزراء المقاطعون ولم يوقّعوا مراسيمها. باختصار: تعسّف الوزير لا يقيّد صلاحية الحكومة التي سبق لها أن أقرّت تعيينات في الجمارك والمراقبين الجوّيين. وهذا واقع يمكن أن يفتح الباب أمام تخريجة مماثلة للتمديد لقائد الجيش أو تأجيل تسريحه إذا لم تُفتح أبواب مجلس النواب.
إقرأ أيضاً: عون – عثمان – عويدات: سلّة واحدة! (1/2)
الحكومة لا تُمدّد
في المقابل تحضر مقاربة قانونية مضادة وفحواها:
– يتأمّن مبدأ استمرارية المرفق العام من خلال تولّي الضابط الأعلى رتبة صلاحيات قائد الجيش وليس بتجاوز النصوص القانونية والدستور التي تنصّ على أنّ الضابط الأعلى رتبة يتسلم.
– تعديل سنّ التقاعد (المحدّد بقانون صادر عن مجلس النواب) لا يمكن أن يحصل إلا بقانون في مجلس النواب وخلاف ذلك هو هرطقة دستورية.
– بالنسبة للتعيينات، لا يمكن تأجيل تسريح قائد الجيش أو تعيين قائد جيش ورئيس أركان إلا باقتراح من وزير الدفاع. هناك المادة 66 من الدستور تتحدّث عن مسؤولية الوزير وتطبيقه الأنظمة والقوانين في كل ما يتعلّق بالأمور العائدة لإدارته. ولا يمكن إحالة مشروع قانون من الحكومة إلى مجلس النواب برفع سنّ التقاعد من دون توقيع وزير الدفاع، وإلا اعتبر مخالفة للدستور.
– لا يجوز إقحام المجلس الأعلى للدفاع بهذه المسألة كأن يصدر توصية بالتمديد أو التعيين لأنه لا يمكن للمجلس أن يلتئم بغياب رئيس الجمهورية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@