في مقابل مليون نازح فلسطيني من شمال غزّة باتّجاه جنوبها هناك نصف مليون نازح من داخل الكيان الإسرائيلي من ضمنهم مستوطنو الحدود الشمالية مع جنوب لبنان. وفي مقابل المساعي الدولية والإقليمية المتعثّرة لتكريس وقف إطلاق نار وسقوط المشروع الروسيّ في مجلس الأمن، والفشل المستمرّ في فتح ممرّات إنسانية إلى داخل القطاع المنكوب، تنشط أكثر لغة الاستعدادات العسكرية لحرب تلوح في الأفق ويتّسع نطاق خطابات التجييش، وتحديداً بين إسرائيل وطهران، على وقع الدخول البرّيّ الوشيك للقوات الإسرائيلية إلى غزّة.
لن يكون تحرّك طائرة الـ Air force one ووصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فلسطين المحتلّة اليوم واللقاءات التي يزمع عقدها مع القادة العرب في عمّان وقمّة القاهرة يوم السبت عامل اطمئنان كافٍ للحكومة اللبنانية الفاقدة لعنصر المبادرة وردّة الفعل تجاه حرب تُحصي يومياً عدد قتلاها وشهدائها وعدّاد المواقف الدولية المصيرية المرتبطة بها من دون أن تكون لديها قدرة التأثير على مسارها وسط مفارقة لافتة: وزراء خارجية وسفراء ومسؤولون غربيون يضغطون على الحكومة اللبنانية لمنع الحزب من الانخراط عسكرياً في الحرب الدائرة في غزّة، ورئيس الحكومة يضغط على ممثّلي الدول المعنيّة بحرب غزّة لسماع ما يلزم من التطمينات لتحييد لبنان من مربّع “التصفية” بين “حماس” والعدوّ الإسرائيلي.
تراهن الحكومة، وفق أوساطها، على دبلوماسية الكواليس أكثر من خطابات المنابر، وعلى “أمر” أميركي واضح بمنع إسرائيل من التوغّل برّاً أو اللجوء إلى مرحلة أكثر تصعيداً يوحي العدوّ الاسرائيلي بأنّها قد لا تكون بالضرورة اجتياحاً برّيّاً لغزّة.
تراهن الحكومة، وفق أوساطها، على دبلوماسية الكواليس أكثر من خطابات المنابر، وعلى “أمر” أميركي واضح بمنع إسرائيل من التوغّل برّاً أو اللجوء إلى مرحلة أكثر تصعيداً
حبس الأنفاس
إخلاء مستوطنة المطلّة بالكامل المحاذية لبلدات الخيام والعديسة وكفركلا وتحوُّل بعض البلدات الجنوبية إلى “قرى أشباح” وبدء بعض الخطوط الجوّية تعليق رحلاتها إلى بيروت و”نزوح” ستّ طائرات من “ميدل إيست” إلى تركيا والإجلاء المستمرّ لطواقم السفارات والمنظمات الدولية من بيروت، كلّها معطيات تعكس المزيد من التوتّر وحبس الأنفاس على الحدود الجنوبية، فيما سجّلت الأيام الماضية تصعيداً هو الأعنف من جانب الحزب بقيت حتى الدوائر القريبة جداً من الحزب بمنأى عن معرفة حدوده ومدى اتّساع رقعته في الأيام المقبلة.
في هذا السياق بدت لافتة مناشدة الرئيس نجيب ميقاتي انتخاب رئيس جمهورية فوراً وتكليف رئيس حكومة بتشكيل “حكومة جديدة جامعة” تماثلاً مع تشكيل “حكومة حرب” في إسرائيل وتحت وطأة “خطورة الظرف”.
في المعطيات، بات انتخاب رئيس للجمهورية، باعتراف مرجعية سياسية كبيرة، أبعد من أيّ وقت مضى بفعل الإعصار الذي يلفح المنطقة برمّتها والانقلاب في التموضعات الدولية-الإقليمية بين مرحلة ما قبل 17 تشرين وما بعدها، والتشدّد الذي قد يطغى على مواقف الحزب الداخلية بعد “حرب غزّة” التي على أساس نتائجها قد يبني الحزب حساباته الرئاسية والسياسية.
لكنّ مناشدة ميقاتي، وفق العارفين، تأتي في ظلّ تأكيد الأخير في دائرته الضيّقة استحالة مواكبة حكومته لتداعيات دخول لبنان طرفاً في حرب “حماس” وإسرائيل، “حيث ستتوحّد الساحات اشتعالاً من الجنوب إلى الضاحية وجبل لبنان”.
يرى ميقاتي أنّ الظروف تختلف جذرياً عن مناخات 2006 ليس فقط لناحية التضامن الوطني مع الحزب الذي كان أوسع آنذاك، بل ربطاً اليوم بنظام مالي – اقتصادي شبه منهار ونظام صحّي يحتاج إلى المليارات ليستعيد نمطه الطبيعي في حالة السلم فكيف في حالة الحرب، ووسط قرار ماليّ “أكبر من مصرف لبنان” بوقف تمويل الحكومة ومنعها من الاستدانة وصرف الرواتب للقطاع العامّ. فكيف لحكومة بهذا الظرف أن تتمكّن من الإعداد لمراكز إيواء وتوفير الحاجات الغذائية والصحية والاستشفائية الأساسية في وقت يحمّل فيه الزائرون الأميركيون والأوروبيون الحكومة مسؤولية ما سيقوم به الحزب.
إقرأ أيضاً: غموض الحزب يُرعِب الحكومة!
يُسلّم ميقاتي بأنّه “استنفر أقصى طاقاته واتصالاته وعلاقاته الدولية في ظلّ حكومة يقاطعها فريق وزاري وإمكاناتها تساوي الأرض ماليّاً مع محاذرة الدعوة إلى إعلان حالة الطوارئ أو دعوة المجلس الأعلى للدفاع إلى الانعقاد في ظلّ غياب رئيس الجمهورية”، لكنّ دائرته الضيّقة تعكس “خوفاً حقيقياً من ضربة للحزب في العمق الإسرائيلي تخرق قواعد الاشتباك وتؤسّس لمرحلة الحزب نفسه قد لا يكون مدركاً لحجم آثارها الكارثية”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@