“تتمّ مقارنة هجمات 7 تشرين الأول التي شنّتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان على إسرائيل بهجمات 11 أيلول وبيرل هاربر. لكنّ هجمات 11 أيلول وبيرل هاربر كانت سبباً لحروب زلزالية. فهل تؤدّي هجمات السابع من تشرين الأول أيضاً إلى حريق أوسع نطاقاً في المنطقة؟ والأهمّ من ذلك، هل تستطيع إسرائيل أن تعتبر نفسها منخرطة فعلاً في صراع ظلّ مع إيران؟”.
سؤالان طرحهما المؤرّخ الإيراني في جامعة نيويورك آراش عزيزي في مقال له في مجلة “أتلانتيك” الأميركية. وأجاب بالتالي: “صحيح أنّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يدور في المقام الأوّل حول إيران، بل تمتدّ جذوره إلى احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية على مدى عقود من الزمن، وحصارها الوحشي لقطاع غزّة، وحرمان الملايين من الفلسطينيين الخاضعين لحكمها من كرامتهم، لكن مع ذلك تدخّلت إيران في السياسة العربية الداخلية بما يكفي بحيث لا يمكن لأيّ تحليل مناسب لأحداث 7 تشرين الأول أن يتجاهل دورها. وهي تقدّم لحركة حماس المال ودعماً عسكرياً وسياسياً كبيراً. وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ما تزال تعِد بمحاربة إسرائيل حتى الدمار الشامل. بل إنّ طهران تعرض على “حماس” العضوية في نادي مناهض لإسرائيل يضمّ قوات منتشرة في جميع أنحاء المنطقة. ويشمل محور المقاومة الحوثيين في اليمن، والحزب في لبنان، وميليشيات عراقية وسورية مختلفة، وإيران تسلّح هذه القوات بتكنولوجيا الصواريخ المتقدّمة، الأمر الذي غيّر وجه الحرب في المنطقة. ويقوم الحرس الثوري الإسلامي، المسيطر على السلطتين الاقتصادية والسياسية في إيران، بتنسيق أعمال كلّ هذه القوات عبر جناح العمليات الخارجية التابع له، وهو فيلق القدس، الذي يمتدّ أثره إلى المنطقة وإلى أماكن بعيدة مثل باراغواي وجمهورية إفريقيا الوسطى”.
أعادت إيران العلاقات الدبلوماسية مع السعودية. وفي خطابه لمناسبة عيد المولد النبوي، أعرب خامنئي عن دعمه لاتجاه المصالحة
هل شاركت إيران في العملية؟
لكن هل يعني هذا أنّ إيران متورّطة بشكل مباشر في التخطيط لهجمات “حماس”؟
استدلّ عزيزي في نصّه بما نقل عن أعضاء كبار في “حماس” والحزب من أنّ مسؤولي الحرس الثوري الإيراني أعطوا الضوء الأخضر للهجوم في اجتماع عُقد في بيروت، على الرغم من أنّ مرشد إيران علي الخامنئي نفى شخصياً هذه المعلومات أمس الأوّل.
وقال عزيزي: “لا بدّ أنّ العملية استغرقت أشهراً من الإعداد، ومن المؤكّد أنّ “حماس” لن تفاجئ طهران ببساطة بشيء بهذا الحجم. يبدو أنّ بعض التنسيق هو الحدّ الأدنى. وقد أظهر النظام الإيراني دعماً حازماً للهجمات. ونُظّمت احتفالات بالألعاب النارية في ساحة فلسطين بطهران. وهتف أعضاء البرلمان “الموت لإسرائيل” في المجلس. ودعم العمليّةَ يحيى صفوي، القائد الأعلى السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار الأعلى للمرشد الأعلى علي خامنئي حالياً، ودعمها علي أكبر ولايتي، وهو مستشار كبير آخر لخامنئي، ووزير الخارجية كتب إلى قادة “حماس” و”الجهاد الإسلامي”: “هذه العملية المنتصرة ستسهّل بالتأكيد وتسرّع انهيار النظام الصهيوني”.
من جهته، حزب الله اللبناني، جوهرة تاج المحور الإيراني، دعم أيضاً هجمات “حماس” بقوّة وتبادل إطلاق النار مع إسرائيل في الشمال. ولكنّ هجماته اقتصرت على مزارع شبعا، فهو بعدما اقترب من الدمار الشامل بعد حربه مع إسرائيل عام 2006، بات يدرك أنّ الصراع الشامل قد يكون انتحارياً.
أحد الأسباب التي جعلت الهجمات مفاجئة للكثيرين بالنسبة لعزيزي هو أجواء المصالحات وتهدئة الخلافات في الشرق الأوسط منذ شهور:
– أُعيد قبول النظام السوري في جامعة الدول العربية.
– تقاربت تركيا مع السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
– أعادت إيران العلاقات الدبلوماسية مع السعودية. وفي خطابه لمناسبة عيد المولد النبوي، أعرب خامنئي عن دعمه لاتجاه المصالحة هذا، وقال: “إذا تبنّت إيران ودول مثل السعودية ومصر والأردن موقفاً مشتركاً بشأن القضايا الأساسية، فلن تتمكّن القوى القمعية من التدخّل في شؤونها الداخلية أو السياسة الخارجية”. لكنّه لم يترك في الخطاب نفسه أيّ شكّ في موقف طهران من إسرائيل. ومضى في وعده بأنّ “النظام الصهيوني يحتضر”، وحذّر الدول التي تسعى إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال إنّ إسرائيل “سرطان سيقتلعه ويدمّره شعب فلسطين وقوى المقاومة في المنطقة”.
– بعد وقت قصير من هجوم 7 تشرين الأول، أصدر القادة الفلسطينيون، بمن فيهم إسماعيل هنية من “حماس” وإحسان عطايا من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، رسائل صريحة إلى الدول العربية التي تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل، وحذّروها بنبرات مماثلة بشكل لافت للنظر.
استمرار إسرائيل في إخضاع الفلسطينيين هو ما يسمح بوجود مثل هذا الجرح الملتهب في المقام الأول، وهو ما يمنح طهران قضية سهلة الاستغلال
السعودية تقبّلت الرسائل
“السعودية تقبّلت هذه الرسائل”، يقول عزيزي: “وقد تجنّب بيان وزارة خارجيّتها في أعقاب الهجمات بعناية إدانة “حماس”، وذكّر الإسرائيليين بدلاً من ذلك بـ”التحذيرات المتكرّرة من مخاطر انفجار الوضع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وتكرار الاستفزازات المنهجية ضدّ مقدّساته”. لكنّ الرياض لم تكن بحاجة إلى إيران لتحديد هذا الموقف، الذي كان الموقف التاريخي للسعودية، والذي لم تقُل أبداً أنّه سيتغيّر: لا اعتراف بإسرائيل ما دام الفلسطينيون بلا دولة”.
هنا تكمن المعضلة الحقيقية للحكومة الإسرائيلية: “كان خطأ فادحاً ومكلفاً ذلك الوهم المستمرّ منذ عقود بأنّ إسرائيل يمكن أن تتجاهل أو تدير الظهر أو تقلّص أو تنسى ببساطة صراعها مع جيرانها الفلسطينيين. تخيّل نتانياهو أنّه يستطيع الحفاظ على احتلال الضفة الغربية من دون إعاقة استمرار النجاح الدبلوماسي والاقتصادي للبلاد. لكن كما حذّر إسرائيليون آخرون منذ فترة طويلة، كانت هذه فقاعة ستسبّب الانفجار في النهاية. وفي هذا السياق كان النظام الإيراني يسلّح الفلسطينيين ويدفعهم نحو أجندته القاتلة تجاه الإسرائيليين. لكنّ استمرار إسرائيل في إخضاع الفلسطينيين هو ما يسمح بوجود مثل هذا الجرح الملتهب في المقام الأول، وهو ما يمنح طهران قضية سهلة الاستغلال”.
إقرأ أيضاً: آرون ميلر: لا حلّ إلّا بالتفاوض… لكنّنا نفتقر للقادة
وختم عزيزي بأنّ “التحالف مع طهران وتنفيذ أوامرها وبثّ الرعب في نفوس المدنيين الإسرائيليين الأبرياء لن يجلب للفلسطينيين أيّ نتائج إيجابية. سبعة ملايين يهودي إسرائيلي ودولة إسرائيل لن يذهبوا إلى أيّ مكان، وما دام الفلسطينيون لا يسعون إلى استراتيجية تقوم على التعايش، فلن يجدوا طريقاً للمضيّ قدماً. فخلال الانتفاضة الثانية في الفترة 2000-2005، لم يؤدِّ قتل المدنيين الإسرائيليين على يد “حماس” والفصائل الفلسطينية الأخرى إلا إلى إضعاف المعسكر الإسرائيلي المؤيّد للسلام وتمهيد الطريق لصعود اليمين المتطرّف. والتوصّل إلى نتيجة مماثلة اليوم لن يكون في مصلحة أيّ من الطرفين ولا الشعب الإيراني. الإسرائيليون لن يمكنهم أن يعيشوا حياة طبيعية ما لم يفعل ذلك ملايين الفلسطينيين، وعلى الجهات الفاعلة في المنطقة وخارجها التوصّل إلى وقف لإطلاق النار قبل أن يتفاقم الحريق. أمّا على المدى البعيد، فإنّ مواجهة أجندة طهران تتطلّب حلّاً دائماً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني نفسه”.
لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا