“لا أعتقد أنّ حركة حماس تتبع إملاءات من إيران، لكنّني أعتقد أنّهما يتصرّفان بالتنسيق، وكانت لديهما مصلحة مشتركة في تعطيل التقدّم الذي كان يجري والذي كان يحظى بالكثير من الدعم بين السكّان العرب”… أمّا التوقيت فسببه أنّ “العالم العربي يتصالح مع إسرائيل. السعودية تتحدّث عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وكجزء من هذه الصفقة المحتملة، تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتقديم تنازلات للسلطة الفلسطينية، عدوّ “حماس”. لذلك كانت هذه فرصة لحركة حماس وداعميها الإيرانيين لتعطيل العملية برمّتها، التي أعتقد أنّها كانت تشكّل تهديداً عميقاً لكلا الجانبين”.
هذه خلاصة مقابلة في مجلّة “فورين أفيرز” مع مارتن إنديك، المبعوث الخاصّ للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية من عام 2013 إلى عام 2014. وهو الذي كان سفير بلاده لدى إسرائيل مرّتين.
إنديك: نتانياهو “حريص جداً على عدم شنّ حروب واسعة النطاق. لذا سيفضّل استخدام القوّة الجوّية لمحاولة إنزال العقاب الكافي بحركة حماس بحيث توافق على وقف إطلاق النار ثمّ التفاوض من أجل عودة الرهائن
لم يعتبر إنديك أنّ عملية “طوفان الأقصى” كان هدفها إيرانياً لوقف مسار التطبيع السعودي – الأميركي، بل “كانت الفكرة تتلخّص في إحراج القادة العرب الذين وقّعوا اتفاقات سلام مع إسرائيل، وتعطيل اتفاق السلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لأنّها تهدّد بعزل “حماس” وإيران، عبر تدمير آفاق السلام، على الأقلّ على المدى القصير، بإثبات أنّ “حماس” وإيران قادرتان على إلحاق الهزيمة العسكرية بإسرائيل”.
بهدف “الحصول على نظرة ثاقبة لما يجري بالنسبة لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة”، أجرت “فورين أفيرز” مقابلة مع الرجل الذي شغل منصب المساعد الخاصّ للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، والذي كان المدير الأول لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي، وكان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.
الفشل الكامل لإسرائيل
إنديك الذي كان ما يزال مصدوماً ممّا جرى، كما أقرّ للمجلّة، رأى أنّ العملية الفلسطينية تؤكّد “الفشل الكامل لسلطات إسرائيل”، وأضاف: “اعتاد الإسرائيليون معرفة ما يفعله الفلسطينيون بالضبط، وصولاً إلى أصغر التفاصيل، من خلال وسائل التجسّس المتطوّرة. وقاموا ببناء جدار مكلف للغاية بين غزّة والمجتمعات المحلية الواقعة على الجانب الإسرائيلي من الحدود. كانوا واثقين بأنّه قد تمّ ردع “حماس” عن شنّ هجوم كبير، وأنّ الفلسطينيين سينقلبون ضدّ “حماس” إذا تسبّبت في حرب أخرى. وكانوا يعتقدون أنّ “حماس” في وضع مختلف الآن: تركّز على وقف إطلاق نار طويل الأمد، بحيث يستفيد كلّ جانب من ترتيبات “عش ودع غيرك يعِش”. ويذهب نحو 19 ألف عامل فلسطيني إلى إسرائيل كلّ يوم من غزّة، وهذا يعود بالنفع على الاقتصاد ويدرّ إيرادات ضريبية. لكن اتّضح أنّ كلّ هذا كان خداعاً كبيراً. الناس في حالة صدمة يتساءلون: “كيف يمكن لمجموعة من الإرهابيين أن تخرق وأن تحقّق مثل هذا العمل؟ كيف يمكنهم أن يهزموا مجتمع المخابرات الإسرائيلي القويّ وقوات الدفاع الإسرائيلية الجبّارة؟”. ليست لدينا إجابات جيّدة حتى الآن، لكنّني متأكّد من أنّ جزءاً من السبب كان الغطرسة واعتقاد إسرائيلي بأنّ القوة المطلقة يمكن أن تردع “حماس”.
قارن إنديك بين حرب 1973 وحرب 2023: “في 1973 خاض الرئيس المصري أنور السادات حرباً مع إسرائيل من أجل صنع السلام معها. بينما شنّت “حماس” حرباً لتدمير إسرائيل، أو لبذل قصارى جهدها لإضعافها أو إسقاطها. “حماس” ليست لديها أيّ مصلحة في تحقيق السلام مع إسرائيل. الغطرسة هي التي دفعت الإسرائيليين إلى الاعتقاد، في عام 1973، بأنّهم لا يُهزمون، وأنّهم القوّة العظمى في الشرق الأوسط، وأنّهم لم يعودوا بحاجة إلى الاهتمام بالمخاوف المصرية والسورية لأنّهم كانوا أقوياء للغاية. وقد تجلّت الغطرسة نفسها مرّة أخرى في السنوات الأخيرة. حتّى عندما صارحهم كثيرون بأنّ الوضع مع الفلسطينيين يتّجه إلى الانفجار، أصرّوا على أنّ كلّ شيء تحت السيطرة. وتحطّمت كلّ فرضيّاتهم، تماماً كما في 1973″.
إذا نجحت إسرائيل في حرب واسعة النطاق، فإنّها ستحتلّ غزّة، وعليها الإجابة على الأسئلة: كيف سنخرج؟ متى ننسحب؟ لمصلحة من ننسحب؟ ولنتذكّر أنّ الإسرائيليين انسحبوا بالفعل من غزّة عام 2005، وهم لا يريدون العودة إليها
“حماس” تريد الحرب الشاملة
حذّر إنديك من أنّ هدف “حماس” هو توسيع العملية لتصبح حرباً شاملة من خلال دفع إسرائيل إلى الانتقام على نطاق واسع وتصعيد الصراع ليشمل:
– انتفاضة في الضفة الغربية.
– هجمات من الحزب في الشمال الذي قد يميل إلى الانضمام إلى المعركة، فلديه 150 ألف صاروخ يمكنه إطلاقها على المدن الرئيسية في إسرائيل.
– وثورة في القدس.
توقّع إنديك أن “تحشد إسرائيل الجيش، وتهاجم من الجوّ، وتلحق الضرر بغزّة، وتحاول قطع رأس قيادة “حماس”. وإذا لم تنجح في إقناع “حماس” بوقف إطلاق الصواريخ والدخول في مفاوضات لإطلاق سراح الرهائن، فأعتقد أنّنا سنشهد غزواً إسرائيلياً واسع النطاق لغزّة. لكنّ هناك مشكلتين في ذلك:
– الأولى هي أنّ إسرائيل ستقاتل في مناطق مكتظّة بالسكّان، والاحتجاجات الدولية ضدّ الخسائر التي قد تُلحقها أسلحة إسرائيل الأميركية المتطوّرة في صفوف المدنيين من شأنها أن تحوّل الإدانة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، وتفرض الضغوط على إسرائيل لحملها على التوقّف.
– الثانية هي أنّه إذا نجحت إسرائيل في حرب واسعة النطاق، فإنّها ستحتلّ غزّة، وعليها الإجابة على الأسئلة: كيف سنخرج؟ متى ننسحب؟ لمصلحة من ننسحب؟ ولنتذكّر أنّ الإسرائيليين انسحبوا بالفعل من غزّة عام 2005، وهم لا يريدون العودة إليها”.
إقرأ أيضاً: إسرائيل تهتزّ والسعودية تلتزم حل الدولتين..
بسبب معرفته بنتانياهو، وتعامله معه على مدى عقود كسفير لبلاده لدى إسرائيل مرّتين وكوسيط في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، رأى إنديك أنّ نتانياهو “حريص جداً على عدم شنّ حروب واسعة النطاق. لذا سيفضّل استخدام القوّة الجوّية لمحاولة إنزال العقاب الكافي بحركة حماس بحيث توافق على وقف إطلاق النار ثمّ التفاوض من أجل عودة الرهائن. وبعبارة أخرى، العودة إلى الوضع السابق من خلال محاولة استخدام الولايات المتحدة ومصر وقطر للتأثير على “حماس” حتى تتوقّف…”. لكنّه اعتبر أنّ “السعودية ومصر والأردن والدولتين اللتين وقّعتا اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل، الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ستكون لديها مصلحة في التهدئة ووقف إطلاق النار، لأنّه كلّما طال أمد الحرب، ستزداد صعوبة الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل”.
لفت إنديك أخيراً إلى خوف نتانياهو من محاسبته على ما حدث: “عليه أن يجد طريقة لتخليص نفسه من خلال الصراع. ولا يمكنه تحمّل الخضوع للأعضاء المتطرّفين واليمينيين المتطرّفين في ائتلافه، لأنّهم سيقودون إسرائيل إلى وضع سيّئ للغاية. لذلك يجب عليه إمّا السيطرة عليهم، وهو ما لم ينجح في القيام به بعد، أو استبعادهم”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا