الخليج “قلب” العالم الجديد… عالم الممرّات والتجارة

مدة القراءة 6 د


“قوّة التوازن” تتقدّم على “توازن القوّة”. يمكن الاستناد إلى المصطلح الأوّل في التعريف بالمسار الاستراتيجي الذي تتبعه دول عربية وخليجية خصوصاً في سعيها إلى تقديم مشروعها ورؤيتها. يُستعاد بمبدأ “قوة التوازن” ما انبرى العرب لعقود طويلة للدعوة إليه، وهو البحث عن استعادة “توازن القوّة”، إثر تراجعات سياسية أصابتهم منذ نكسة 1967 وأخذت في التوالي، مروراً باجتياح العراق 2003 واغتيال ياسر عرفات 2004 وقتل رفيق الحريري 2005، وصولاً إلى تخريب الحواضر العربية إمّا بالإسلام السياسي أو بالتنظيمات صاحبة الأيديولوجية الإرهابية منذ 2010 إلى اليوم. فتعايَش العرب مع صراع “العاطفة الغاضبة” و”العقلانية الهادئة” للحفاظ على مرتكزات أسس الدول الوطنية. وهو ما قام على قاعدة المراكمة في سبيل الإعلان عن مشروع حداثوي ذي قوة اقتصادية عابرة للحدود والقارات.

“قوّة التوازن” تتقدّم على “توازن القوّة”. يمكن الاستناد إلى المصطلح الأوّل في التعريف بالمسار الاستراتيجي الذي تتبعه دول عربية وخليجية خصوصاً في سعيها إلى تقديم مشروعها ورؤيتها

أبرز الأمثلة على “قوة التوازن” هي السياسة الهادئة والاستراتيجية الناعمة التي اعتمدتها دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي أحدثت ثورة اجتماعية وثقافية ودينية، معطوفة على مشروع اقتصادي عالمي، ودولة الإمارات العربية المتحدة من خلال الاضطلاع بأدوار على صعيد السياسة العالمية، وقطر ذات العلاقات المتميزة مع قوى متناقضة سياسياً واستراتيجياً، وكان لها أثر بارز وإيجابي في ملفات متعددة، منها ملف أفغانستان وطالبان، ومنها الملف النووي الإيراني. ومن أبرز الأمثلة مشاركة السعودية والإمارات في قمة “بريكس”، ومشاركتهما في “قمّة العشرين” في الهند والإعلان عن المشروع الاقتصادي الضخم الذي يربط الشرق بالغرب ويجعل الخليج العربي المعبر الاستراتيجي، بعنوان “الممرّ” بين الهند وأوروبا عبر الخليج، مروراً بالأردن وقبرص.

تكامل سعودي – إماراتي  

في قمة مجموعة العشرين، عُقد لقاء بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد. فيما المشروع يُظهر التكامل السعودي الإماراتي، خاصة أنّ الطريق الاستراتيجي يعبر من أراضي البلدين. في مواجهة مع “طريق الحرير” الصيني، بدون أن يكون هناك مواجهة خليجية مع الصين، إنما الارتكاز على علاقات قوية والتوازن في مضامينها، بين الشرق والغرب.

يضيء ذلك على ما تشهده دول الخليج العربي من نهضة على المستوى السياسي والأدوار الدولية إلى جانب النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها. فإلى جانب الدور السعودي الذي يتقدّم على المسرح العالمي، وتصنيف قطر حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأميركية ودورها في المفاوضات بينها وبين إيران، أو بين واشنطن وطالبان، هناك دور متقدّم لدولة الإمارات العربية المتحدة.

الأمن الاقتصادي وأمن الممرّات وطرق التبادل التجاري ستكون بداية “عالم جديد”، يبدو أنّ كثيرين سيقفون خارجه

الإمارات والفاتيكان والسلام العالمي

في هذا السياق، كانت مساعي الفاتيكان بالتواصل مع القيادة الإماراتية في سبيل الاستثمار بعلاقاتها الدولية والسعي للوصول إلى وقف لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا. وقد كانت الإمارات قد بحثت هذا الأمر مسبقاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة أجراها رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد لموسكو. آخر ما نتج عن المساعي الأوروبية، هو طرح فكرة لمبادرة مشتركة بين الفاتيكان ودولة الإمارات للتقدم بمبادرة للسلام العالمي يكون منطلقها البحث عن فرص السلام بين روسيا وأوكرانيا. وبحسب ما تشير المصادر الدبلوماسية الأوروبية، فإنّ البابا فرنسيس كان متحمّساً جداً لهذه الفكرة، انطلاقاً من تجربته الأساسية مع دولة الإمارات في إقرار وثيقة الأخوّة الإنسانية خلال زيارته أبو ظبي في عام 2019. فخلال زيارته البرتغال أكّد البابا فرنسيس رغبته في إنجاح قمة للسلام العالمي في الخريف المقبل. وهو ما يتقاطع مع هذه المعلومات. كما أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أكد الموقف نفسه، حول إمكانية عقد قمة للسلام في شهر كانون الأول المقبل. وتضيف المصادر أنّ البابا وعلى هامش لقاءاته في لشبونة قد أكّد إصراره على عقد هذه القمة.

في الخلاصة، يبدو أنّ السعودية، التي أعلن وليّ عهدها الأمير محمد بن سلمان عن افتتاح الممرّ العالمي الجديد، الذي سيصل الهند بأوروبا، والإمارات التي شكرها بايدن، والخليج عموماً، “قلب العالم الجديد” الذي يولد من رحم الممرّات والطرق الجديدة، التي لا شكّ سترسم “قوّة التوازن” في وجه “توازن القوّة”. فالأمن الاقتصادي وأمن الممرّات وطرق التبادل التجاري ستكون بداية “عالم جديد”، يبدو أنّ كثيرين سيقفون خارجه.

دبلوماسية المضائق..

يرتكز الاقتصاد الإماراتي على التجارة والشحن البحري، وهذا ما يوجّه السياسة الخارجية، كما جاء في “مبادئ وثيقة الخمسين” الإماراتية، الصادرة في أيلول 2021. لذلك يندرج الأمن العالمي في الأهداف الاستراتيجية الإماراتية، خاصة أن استقرار المضائق البحرية في شبه الجزيرة العربية يساهم في دعم النفوذ الإقليمي للإمارات ومصالحها الاقتصادية مثل البنى التحتية والصادرات، وكذلك أهداف الأمن العالمي مثل حرّية الملاحة. وهو ما يطلق عليه توصيف “دبلوماسية المضائق” التي تحتاج إلى مجهود سياسي للحدّ من التهديدات البحرية للأمن الإقليمي والتجارة الدولية.

إقرأ أيضاً: “ربيع الفدرلة”.. محاولة لنسف مبادرة السّلام العربيّة

بذلك يمكن للمؤتمر والمبادرة التي تُقترح من ضمنه أن تتجاوزا كل محاولات التخفيف من أهمية استضافة الإمارات لقمّة سلام دولية، أو المحاولات التي ذهبت إلى رفض ذلك باعتبار أنّ رئيس المؤتمر سلطان أحمد الجابر هو أحد أبرز الشخصيات الإماراتية، وهو الرئيس التنفيذي لشركة أدنوك للطاقة، كما أنه في نفس الوقت مبعوث الإمارات لقمّة المناخ العالمي، الأمر الذي دفع البعض إلى الاعتراض على الدمج بين المهمّتين، علماً أن مصادر أوروبية وأميركية تعتبر أنّ الجابر يعدّ رائداً وداعماً لمشاريع الطاقة المتجدّدة في الإمارات حيث يشغل منصب مبعوث الإمارات الخاصّ لتغيّر المناخ على مدار سنوات، وشارك في آخر عشر قمم مناخية. كما أنه شارك في عام 2006 في تأسيس شركة الطاقة المتجددة “مصدر” المملوكة للحكومة الإماراتية حيث يشغل الآن رئيس مجلس إدارة الشركة. وهو الذي تقدّم باعتماد مشاريع ومبادرات خضراء في الإمارات، بما فيها التعهّد بالوصول إلى الحياد الكربوني عام 2050.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…