الأسد “السنسكريتيّ” يستنجد بـ”الإله شيفا”.. واليهود

2023-09-11

الأسد “السنسكريتيّ” يستنجد بـ”الإله شيفا”.. واليهود


يبدو أنّ آخر صيحات نظام بشّار الأسد هي الاستنجاد بالإله “شيفا”، وبآلهة مشابهة، في محاولة لاكتساب شرعية دولية تظهره بصورة رئيس نظام “يحمي الأقلّيات”، غير المسلمة بالطبع، ويُثري مناطق سيطرته بـ”التنوّع” الديني.

“في غابات وملاعب متفرّقة في جميع أنحاء سوريا، يؤدّي أطفال وكبار تمارين اليوغا. يفتحون أكفّهم للدعاء، ويُرجعون أكتافهم إلى الخلف، وهم يهتفون بعبارة “سوريا ناماسكار Surya Namaskar”. وهي تعني “تحيّة الشمس” باللغة السنسكريتية. يتقدّمهم مدرّبون بثياب الرهبان الهندوس المؤمنين بتعاليم شيفا الذي هو إله هندي يُقال إنّه هو من أسّس هذه الممارسة”. هكذا قدّمت مجلّة “إيكونوميست” المشهد في بعض المدن السورية التي يسيطر عليها الأسد، في حين يواجه بالقوّة احتجاجات متنامية في محافظتَي درعا والسويداء جنوب سوريا، انطلقت احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتطوّرت للمطالبة بـ”إسقاط النظام”، ثمّ توسّعت لتشمل كلّاً من محافظات إدلب وحلب في الشمال ودير الزور والحسكة والرقّة في الشرق، وتهدّد بالتوسّع في مختلف أنحاء البلاد التي تواجه تدهوراً اقتصادياً ومعيشياً وأمنيّاً متفاقماً. وهذه المدن فيها أغلبيات من العلويين والدروز ذوي النفوذ، ومنهم مجموعات كانت ما تزال إلى اليوم موالية له.

يبدو أنّ آخر صيحات نظام بشّار الأسد هي الاستنجاد بالإله “شيفا”، وبآلهة مشابهة، في محاولة لاكتساب شرعية دولية تظهره بصورة رئيس نظام “يحمي الأقلّيات”، غير المسلمة بالطبع، ويُثري مناطق سيطرته بـ”التنوّع” الديني

فما هي حكاية الإله شيفا؟

قبل نحو عقدين من الزمن، عاد الشابّ مازن عيسى من ريشيكيش، وهي بلدة تقع على سفوح جبال الهيمالايا، وتشتهر بدراسات اليوغا، وافتتح مركزاً لممارسة اليوغا في سوريا. وتوسّعت هذه المهنة لتشمل اليوم عشرات مراكز التأمّل، المجّانية، في جميع أنحاء البلاد. ومفتاح نجاحها هو أنّ الرئيس بشار الأسد يدعمها: “نحاول توفير الراحة من ضغوط الحروب الحقيقية والاقتصادية”، يقول مدرّب في أحد هذه المراكز.

لأكثر من نصف قرن، تحالفت سلالة الأسد وطائفتها العلويّة، وهي فرع من الإسلام الشيعي، مع الأقليّات الدينية التي لا تعدّ ولا تحصى في سوريا، من أجل تعزيز هيمنة النظام على الأغلبية المسلمة السُنّيّة في البلاد. لكنّها في الآونة الأخيرة مكّنت الطوائف الأخرى من نشر جذورها. وبالإضافة إلى تشجيع اليوغا، سمح الأسد للمسيحيين الإنجيليين بفتح كنائس في المنازل حيث يمكن للمسلمين المتحوّلين ممارسة طقوسهم العباديّة. حتى إنّه شجّع اليهود من أصل سوري على زيارة العاصمة دمشق. وهو يأمل أن يؤدّي هذا التدفّق الديني إلى تضخّم قاعدة الأقلّيات في النظام وإنهاء وضعه باعتباره منبوذاً في جميع أنحاء العالم. وذلك بعدما نجح في كسر عزلته العربية أخيراً.

يقول أيمن عبد النور، وهو مسيحي سوري وصديق سابق تحوّل إلى معارض: “هذا برنامجه للتطبيع مع العالم”. فبالنسبة للعديد من السوريين، توفّر الديانات الجديدة راحة مجتمعية في بلد دمّرته الحرب الأهلية، وأدّت إلى مقتل أكثر من 350 ألف شخص ونزوح أو طرد ما يقرب من نصف عدد السكان البالغ 22 مليون نسمة في عام 2012، بينما 90% ممّن بقوا في سوريا يعيشون في فقر مدقع، وما تزال حرّيّة التعبير السياسي مقيّدة بالكامل.

العديد من الجماعات المسيحية في الخارج يعارض فرض عقوبات اقتصادية على سوريا ويعتبر أنّها تضرّ بالسوريين العاديّين أكثر من إضرارها بالنظام، وأنّ الأسد، على الرغم من كلّ الدمار الذي أحدثه، هو حصن ضدّ التطرّف الإسلامي

تناقص المسيحيّين.. وزيادة مراكز اليوغا

يقول “المركز السوري لليوغا والتأمّل”، ومقرّه مدينة اللاذقية الساحلية، ذات الأكثرية العلوية الموالية للنظام، إنّ مراكز اليوغا “تضاعفت أكثر من أربع مرّات منذ بدء الحرب في 2011. وتوفّر لها وزارة الرياضة ملاعب كرة قدم لممارسة اليوغا”.

في الوقت نفسه انخفض عدد المسيحيين الذين ينتمون إلى طوائف راسخة في سوريا من حوالي 2.5 مليون قبل الحرب إلى 500 ألف تقريباً، وفقاً لوفد مسيحي زار دمشق أخيراً. ومع ذلك، يتمّ افتتاح كنائس إنجيلية جديدة كلّ شهر، خاصة في شمال شرق البلاد الذي يحكمه الأكراد.

هذا التوجّه موجود أيضاً بين اللاجئين السوريين. إذ إنّ “الرابطة الدولية للقيم الإنسانية”، وهي مؤسّسة خيرية مقرّها بريطانيا، تعطي دروساً في اليوغا للسوريين في مخيّم الزعتري بالأردن. وتنتشر الكنائس الإنجيلية في لبنان. وكان من عادة القادة المسلمين في سوريا أن يعترضوا على الفوارق و”الانحرافات” الدينية، لكنّهم يصمتون هذه الأيام.

على الرغم من أنّ الأجهزة الأمنيّة ما تزال تُحكم سيطرتها المشدّدة على الدولة، إلا أنّ الأسد يبارك هذه التعدّدية الدينية بل ويرسل مسؤوليه للاحتفال باليوم العالمي لليوغا، بعدما افتتح كلّية كاثوليكية في دمشق عام 2021. بل بات أحياناً يحضر هو وزوجته إلى الكنيسة. ويقول الأسقف دانيال، وهو أسترالي التقى الأسد أخيراً في دمشق: “لقد أظهر لنا روح المحبّة لجميع الأديان، وقال إنّه يريد إعادة بناء الكنيسة في الشرق الأوسط”. حتى إنّه أرسل مسؤوليه للقاء يهود من أصل سوري في أميركا، طالباً مساعدتهم في إعادة بناء المعابد اليهودية في حلب بشمال سوريا. وأرسل تعازيه في عام 2021 بعد وفاة أبراهام حمرا، كبير حاخامات سوريا السابق، في إسرائيل. يقول مبعوث بين الأسد واليهود السوريين: “العلاقات اليهودية هي أولوية بالنسبة له”.

إقرأ أيضاً: تحلُّل سوريا الأسد

بينما يتمّ الترحيب بعودته تدريجياً إلى العالم العربي، يأمل الأسد أن تساعده سياسته المتعدّدة الأديان على الخروج من عزلته الدولية. وقد ساعدته اليوغا على تعزيز العلاقات مع الهند. وهو يعتقد أنّ الانفتاح على اليهود قد يحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

أمّا الأسقف الأسترالي فقال بعد زيارته الأخيرة لدمشق: “نحن نصلّي من أجل أن يرفع زعماء العالم العقوبات عن سوريا حتى تتمكّن من إعادة بناء الأمّة من جديد”.

العديد من الجماعات المسيحية في الخارج يعارض فرض عقوبات اقتصادية على سوريا ويعتبر أنّها تضرّ بالسوريين العاديّين أكثر من إضرارها بالنظام، وأنّ الأسد، على الرغم من كلّ الدمار الذي أحدثه، هو حصن ضدّ التطرّف الإسلامي.

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

مسؤول أمنيّ: إسرائيل تحتاج إلى حوار وطنيّ.. بلا نتنياهو

الحرب الشاملة بين إسرائيل والحزب بعيدة كلّ البعد عن أن تكون حتمية لأنّ الولايات المتحدة ستبذل كلّ جهد ممكن لمنعها وفقاً للدبلوماسي والمسؤول الإسرائيلي الأمني…

مفاوض إسرائيليّ: نتنياهو لن يقبل بصفقة تنهي الحرب

بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي السابق غيرشون باسكين، فإنّ بنيامين نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة. وحركة حماس لن توقّع اتفاقاً لا ينهي الحرب. ويعتبر باسكين…

أميركا خائفة من 11 أيلول جديد

تحلّ الذكرى الـ23 لهجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 لتعيد تذكيرنا بما شكّلته من نقطة تحوّل في الأمن العالمي وفي النهج الأميركي…

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة…