في مقابل مسار ماليّ – قضائي حَكَمته فجأة تطوّرات متسارعة ونوعية قد تصل إلى حدّ إصدار مذكّرة توقيف غيابية بحقّ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، يغطّ المسار الرئاسي في نوم عميق لا تشوّش عليه جولات “حَلش الشعر” المتجدّدة بين التيار الوطني الحرّ والحزب ولا الإعصار الذي أحدثته تداعيات التقرير الجنائي في حسابات مصرف لبنان والاصطفافات السياسية-القضائية حوله ولا الإرباك الذي يسود أسلوب التعامل مع “الفَرض” الفرنسي على طاولة نواب البرلمان ولا حتى التحذيرات المتمادية من أنّ فترة أيلول-تشرين الأول هي الأكثر مصيرية بعد سنوات الأزمة الأربع على قاعدة: إمّا التسوية أو الانفجار الشامل.
اختصر النائب السابق وليد جنبلاط في حديثه إلى الزميلة “الأخبار” لبّ المناخ الدولي المواكِب للأزمة في لبنان وجوهر التحرّك الأخير لموفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالقول: “عندما وجّه جان إيف لودريان سؤالَيْه إلى النواب، فلأنّه متيقّن من أنّ تفاهمات الدول الخمس لم تنضج بعد”.
استثمار فرنسيّ بالوقت الضائع
هذا يعني باختصار مزيداً من الاستثمار، الفرنسي تحديداً، في الوقت الضائع بانتظار التسوية الكبرى غير الواضحة المعالم حتى الآن التي تقابلها متاريس عالية في الملعب الداخلي اللبناني تكرّست أكثر بفعل تدخّل الحزب مجدّداً على الخطّ لـ “فكّ حليفيه”، التيار وحركة أمل، أحدهما عن الآخر بعدما دخلا جولة عراك جديدة على خلفيّة زيارة الرئيس برّي لمنصّة الحفر في البلوك الـ 9.
تؤكّد أوساط مطّلعة لـ “أساس” أنّ “التمديد لقائد الجيش، بدفع من نبيه برّي ونجيب ميقاتي، غير وارد لا بقانون في مجلس النواب ولا بقرار من وزير الدفاع
يقول مصدر قريب من الحزب لـ “أساس”: “لا يُتوقّع حدوث تأثيرات سلبية لتجدّد الخلاف بين الطرفين على مسار التفاوض المستمرّ بين التيار والحزب الذي يحرص على وضع برّي في أجوائه بشكل دائم. المشكلة الفعليّة هي في كيفية استثمار ما يمكن أن يتوصّل إليه الطرفان مع القوى السياسية الأخرى، وبينها جنبلاط والكتلة السنّيّة وبرّي بطبيعة الحال”.
يضيف المصدر: “نحن نعلم أنّ باسيل يفاوض راهناً على ورقتَي اللامركزية الإدارية والماليّة والصندوق الائتماني مع الحزب تحت عنوان سليمان فرنجية، وهما الورقتان نفساهما اللتان قد يفاوض عليهما مع أطراف أخرى (إذا ضاقت كلّ الخيارات أمامه) تحت عنوان جوزف عون أو أيّ مرشّح آخر. المهمّ أنّ باسيل يريد أن يحجز منذ الآن موقعاً متقدّماً في مشهدية المرحلة المقبلة وأن يتصرّف على أساس أنّ من ساهم رئيس التيار في انتخابه هو “خيال صحراء” في بعبدا بعدما انتزع منه سلفاً ورقتين يفترض أن تكونا من أولويات الرئيس المقبل. والسؤال الفعليّ: هل تتحمّل التسوية المقبلة هذا النوع من المناورات السياسية؟ وهل تتقاطع معها أو تسقط، كأنّها لم تكن، أمام القرار الكبير المنتظر من الخارج؟”.
في ظلّ الغموض الكامل لملامح المرحلة المقبلة سياسياً وماليّاً ووسط حصار كامل للحاكم السابق لمصرف لبنان، والتأسيس لمسار انقلابي في ممارسات المصرف المركزي، وفي ظلّ اتّهامات توجَّه إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتبديد حكومته سبعة مليارات دولار من أصل 14 مليار دولار كانت موجودة في احتياطي المصرف لدى تسلّمه رئاسة الحكومة، يفرض استحقاق قيادة الجيش نفسه مؤشّراً لطبيعة المرحلة، وخصوصاً مع تسريب معطيات عن احتمال التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون من خلال إقرار قانون في مجلس النواب على غرار التمديد لقائد الجيش الأسبق إميل لحود لثلاث سنوات بالتزامن آنذاك مع التمديد للرئيس الياس الهراوي.
يقول مصدر قريب من الحزب لـ “أساس”: “لا يُتوقّع حدوث تأثيرات سلبية لتجدّد الخلاف بين الطرفين على مسار التفاوض المستمرّ بين التيار والحزب
لا تمديد لقائد الجيش
في هذا السياق تؤكّد أوساط مطّلعة لـ “أساس” أنّ “التمديد لقائد الجيش، بدفع من نبيه برّي ونجيب ميقاتي، غير وارد لا بقانون في مجلس النواب ولا بقرار من وزير الدفاع. فنغمة التمديد سقطت منذ إحالة رئيس الأركان اللواء أمين العرم إلى التقاعد في كانون الأول 2022 من دون التمديد له، ثمّ سقوط التمديد للمدير العامّ للأمن العامّ اللوء عباس إبراهيم، ولاحقاً شطب خيار التمديد لرياض سلامة”، مشيرة إلى أنّ “المدير العام للأمن العامّ بالوكالة اللواء الياس البيسري يحلّ موعد تقاعده برتبة لواء عن سنّ 59 عاماً في الخامس من كانون الأول المقبل، وهذا ما سيفتح مجدّداً النقاش حول البديل واحتمال تسلّم الضابط الأعلى رتبة المسؤولية وهو العميد رمزي الرامي أو استدعاء البيسري من الاحتياط بعد تقاعده”.
تضيف الأوساط: “سيُحال قائد الجيش إلى التقاعد في 10 كانون الثاني المقبل من دون أيّ مسعى رسمي للتمديد له. وفي حال لم يكن قد حسم اسمه لرئاسة الجمهورية فإنّ ترشيحه، بعكس ما يتمّ تسريبه، قد يبقى “ناشطاً”، إذ إنّ بحكم الدستور يحتاج قائد الجيش إلى تعديل دستوري طوال فترة تولّيه مهامّه، ويحتاج أيضاً إلى هذا التعديل بعد إحالته إلى التقاعد، إذا صدر القرار الخارجي بالتوافق عليه، إذ يمنع الدستور انتخاب القضاة وموظّفي الفئة الأولى لرئاسة الجمهورية خلال السنتين اللتين تليان استقالتهم أو انقطاعهم فعليّاً عن وظيفتهم أو إحالتهم إلى التقاعد”.
إقرأ أيضاً: جوزف عون يفضّل… التقاعد؟
هذا المعطى، وفق الأوساط، يمكن تجاوزه بتعديل دستوري أو من دونه بحكم وهج التسوية إذا حصلت. وفي سابقة ستكون الأولى من نوعها في حال استمرار الأزمة حتى بداية العام المقبل قد يتحوّل ترشيح جوزف عون من ترشيح لقائد جيش في سدّة المسؤولية إلى ترشيح، بعد 10 كانون الثاني، شبيه بالترشيحات الأخرى لكن مع تفصيل أساسي مرتبط بالتعديل الدستوري.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@