“فقط قولا لا.. لهذه الصفقة السيّئة”. بهذه الكلمات توجّه الكاتب والمحلّل السياسي البارز توماس فريدمان إلى الرئيس الأميركي جو بايدن ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، مناشداً إيّاهما التوقّف عن السعي إلى اتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل “ما بقي بنيامين نتانياهو وائتلافه المتطرّف في السلطة”.
فريدمان الذي اشتُهر لفترة طويلة بدعمه بقوّة لإسرائيل وكان من بين أوّل من كشف عن مساعٍ أميركية جدّية للتوصّل إلى “صفقة” تطبيع بين السعودية وإسرائيل، وواصل في مقالاته الأخيرة في “نيويورك تايمز” الكشف عن تفاصيل مثل هذه الصفقة ومطالب الأطراف الأربعة الذين تشملهم، وصف في مقالته أمس حكومة إسرائيل بأنّها غير طبيعية، وتوجّه بالقول مباشرة إلى “الرئيس بايدن ووليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان: لا يمكنكما التطبيع مع حكومة إسرائيلية غير طبيعية. فمثل هذه الحكومة لا يمكنها أن تكون حليفاً مستقرّاً للولايات المتحدة أو شريكاً للسعودية”.
يعتبر فريدمان أنّ الصفقة التي تشمل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وإقامة علاقة أمنيّة أعمق بين الولايات المتحدة والمملكة، والتقدّم بشكل ملموس في حلّ الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تفعل كلّ ذلك بشروط من شأنها أن تسبّب بالتأكيد تفكّك الائتلاف الحاكم الإسرائيلي الحالي، الذي يقوده العنصريون اليهود اليمينيون المتطرّفون.
نتانياهو والسعي للبديل
نبّه فريدمان إلى محاولات نتانياهو وحلفائه “بناء بديل للدعم الدبلوماسي الأميركي مع الأحزاب الكارهة للأجانب والمتطرّفة في أوروبا، والتي لا تهتمّ بالمستوطنات.. وقال إنّ هذا مفهوم. فقد تمّ بناء هيكل العلاقات الأميركية الإسرائيلية المستمرّ منذ 75 عاماً على حماية إسرائيل من التهديدات العربية والإيرانية. لذلك من الصعب على الدبلوماسيين الأميركيين، والجيش الأميركي، والمواطنين الأميركيين والمنظّمات اليهودية الأميركية أن يفهموا أنّ دورهم الآن هو إنقاذ إسرائيل من التهديد اليهودي الإسرائيلي الداخلي، الذي يتجلّى في الحكومة نفسها. الكثير من الناس ينكرون ذلك، وأبرزهم لجنة الشؤون العامّة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، أقوى لوبي مؤيّد لإسرائيل، التي تستمرّ في دعم نتانياهو في واشنطن وتجاهل المدافعين عن الديمقراطية في إسرائيل.. لكنّ من الأفضل لهم أن يستيقظوا لأنّ أربع سنوات من مثل هذا التحالف الإسرائيلي في السلطة ستكفي للقول وداعاً لفكرة أنّ إسرائيل سوف تكون مرّة أخرى حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة”.
ذكّر فريدمان أنّ التزام إسرائيل بحلّ الدولتين كان دوماً ركيزة أساسية في تحالفها مع أميركا
ذكّر فريدمان بالعنصرين الرئيسيَّين لصفقة التطبيع: الأوّل هو الارتقاء بالتحالف الأميركي السعودي إلى نوع من معاهدة دفاع مشترك بينما يتمكّن السعوديون من تطوير برنامج نووي مدني والحصول على الأسلحة الأميركية الأكثر تقدّماً، مقابل الحدّ من العلاقات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية مع الصين. والثاني هو تطبيع العلاقات بين السعوديين وإسرائيل، بشرط أن تقدّم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين للحفاظ على أمل التوصّل إلى اتفاق الدولتين.
أكّد أنّه في ما يتعلّق بالعنصر الإسرائيلي السعودي الفلسطيني، فإنّ الخيار الذي ليس في مصلحة أميركا بالتأكيد هو الذي سيحاول نتانياهو إقناع الولايات المتحدة به. فهو يحاول تحقيق تسديدة من أربع زوايا: تقويض سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية في كبح جماح حكومته المتطرّفة، بينما يجعل من نفسه بطلاً محلّياً من خلال التوصّل إلى اتفاق سلام مع السعودية من دون الاضطرار إلى إعطاء الفلسطينيين أيّ شيء ذي أهميّة. وبالتالي تعزيز حلم ائتلافه بضمّ الضفّة الغربية.
الصفقة المطلوبة
حذّر فريدمان بايدن وبن سلمان من قبول هذه الصفقة، وقال إنّ الصفقة التي ينبغي عليهما الإصرار عليها يجب أن تنصّ على أنه في مقابل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، يجب على إسرائيل تجميد جميع عمليات بناء المستوطنات في الضفّة الغربية في المناطق المخصّصة للدولة الفلسطينية، إذا كان من الممكن التفاوض بشأنها ذات يوم، وعدم إضفاء الشرعية على المزيد من المستوطنات الإسرائيلية العشوائية غير القانونية. والأهمّ من ذلك، الإصرار على أن تقوم إسرائيل بنقل الأراضي من المنطقة “ج” في الضفّة الغربية، كما حدّدتها اتفاقيات أوسلو، إلى المنطقتين “ب” و”أ” الخاضعتين لسيطرة فلسطينية أكبر. ويجب على الولايات المتحدة والسعودية أيضاً أن تعلنا أنّ هدف العملية الدبلوماسية سيكون حلّ الدولتين في الضفّة الغربية.
هذه المتطلّبات حيويّة، في رأي فريدمان، لأنّها شروط لا يستطيع المتطرّفون اليهود في حكومة نتانياهو أن يتقبّلوها ولا يستطيع نتانياهو التهرّب منها. وهو يعتقد أنّ ذلك سيجبر حكومته والشعب الإسرائيلي على الاختيار بين الضمّ أو التطبيع مع أهمّ دولة إسلامية والبوّابة إلى دول إسلامية كبيرة أخرى مثل إندونيسيا وماليزيا. فإذا تمكّنا من طرح هذا الخيار على الطاولة، فمن شبه المؤكّد أنّه سيدمّر هذا التحالف الإسرائيلي. وأشار في هذا السياق إلى ما قاله وزير المالية اليميني المتطرّف في حكومة نتانياهو، بتسلئيل سموتريتش، من أنّ إسرائيل “لن تقدّم أيّ تنازلات للفلسطينيين”.. وأنّه إذا كانت إسرائيل مهتمّة بتوسّط الولايات المتحدة للتوصّل إلى اتفاق مع السعوديين، إلا أنّ الأمر لا علاقة له بيهودا والسامرة، في إشارة إلى الضفّة الغربية باسمها التوراتيّ.
حذّر فريدمان بايدن وبن سلمان من قبول هذه الصفقة، وقال إنّ الصفقة التي ينبغي عليهما الإصرار عليها يجب أن تنصّ على أنه في مقابل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، يجب على إسرائيل تجميد جميع عمليات بناء المستوطنات في الضفّة الغربية
ذكّر فريدمان أنّ التزام إسرائيل بحلّ الدولتين كان دوماً ركيزة أساسية في تحالفها مع أميركا. غير أنّ ائتلاف نتانياهو الحالي هو أوّل حكومة إسرائيلية منذ ثمانية عقود حدّدت، كجزء من اتفاقها الائتلافي، ضمّ إسرائيل للضفّة الغربية، أو كما تقول، “تطبيق السيادة في يهودا والسامرة”، كهدف معلن ورفض التقسيم.
أكّد فريدمان أنّ هذا الأمر لا يمكن لأميركا أن تسمح بحدوثه. لقد غيّر نتانياهو من جانب واحد مبادئ علاقتنا واختبرنا. وحان الوقت للولايات المتحدة لاختبار حكومته بخيار واضح: الضمّ أو التطبيع. هل يؤدّي ذلك إلى تفجير ائتلاف نتانياهو؟ انتخابات إسرائيلية جديدة؟ أو حكومة وحدة وطنية يعمل من أجلها يسار الوسط ويمين الوسط في إسرائيل معاً لإعادة البلاد إلى رشدها؟
الأمر الوحيد الذي أكّده فريدمان في ختام مقاله هو ضرورة إيقاف هذا التحالف الإسرائيلي. والأهمّ من ذلك إنهاء صفقة سيّئة تمكِّن نتانياهو من سحق المحكمة العليا الإسرائيلية، والفوز بالتطبيع مع السعودية ودفع ثمن زهيد للفلسطينيين بحيث يمكن للمتعصّبين اليمينيين في حكومته الاستمرار في دفع إسرائيل إلى حافة الهاوية.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا