يوم السبت في 19/8 حدثت عملية في قرية حوارة على مقربة من نابلس قُتل فيها مستوطنان وأعلنت حركة حماس مسؤوليّتها عنها. وطوال الشهرين الأخيرين حدثت عدّة اجتياحات إسرائيلية للمخيّمات سقط فيها عشرات المقاومين الفلسطينيين، وبخاصةٍ في مخيّم جنين. اللافت في العملية الأخيرة إعلان “حماس” مسؤوليّتها عنها، بينما كان تنظيم الجهاد الإسلامي خلال المواجهات العنيفة هو الذي يعلن مسؤوليّته. وما حدث يوم السبت قد يعني العودة إلى الاجتياحات الصهيونية من جهة، واستمرار الإحراج الشديد للسلطة الفلسطينية من جهة ثانية. وفي حين لم يحدث تقدُّم في اجتماع الفصائل الفلسطينية، بغياب حركة الجهاد والجبهة الشعبية، بمصر، ثم انعقد اجتماع قمّة بين الرئيس المصري والملك الأردني ومحمود عباس بالعلمين في مصر قبل أيام، للنظر في كيفية إنقاذ السلطة الفلسطينية من واقع الضعف المتزايد، وازدياد شعبية تنظيمات المقاومة: ماذا يستطيع العرب أن يفعلوا؟ وماذا يستطيع الأميركيون أن يفعلوا لكبح جماح الحكومة اليمينية في إسرائيل؟ الملك عبد الله الثاني ونتانياهو قد يزوران أميركا قريباً. ولا ينبغي في هذا السياق أو غيره نسيان الاشتباكات الدامية في مخيّم عين الحلوة بين فتح وخلايا المتطرّفين في المخيّم.
خطاب الأسد المتوتّر
وسط هذا الواقع المتحرّك على الأرض كان خطاب الرئيس بشار الأسد المتوتّر بعدما كان اتّفاقٌ قد جرى مع الأردن بشأن المخدّرات وبشأن اللاجئين السوريين. لكنّ شيئاً لم ينفَّذ، فقبل يومين اخترقت ثلاث مسيّرات محمّلة بالمخدّرات والمتفجّرات الأجواء الأردنية مقبلةً من سورية. وكان اجتماع قد انعقد بالجامعة العربية بالقاهرة على مستوى وزراء الخارجية، لمتابعة الشأن السوري، والتقى خلاله وزير الخارجية السعودي بوزير خارجية سورية. بيد أنّ ظهور المسيّرات السورية في أجواء الأردن يعني أنّه لم تحصل انفراجة في الموضوع حتى الآن على الأقلّ.
المفاجأة الأُخرى غير الاتفاق الأميركي – الإيراني، هو التقدّم المحسوس في إنفاذ الاتفاق السعودي – الإيراني الذي تمّ بالصين قبل أربعة أشهر
ولا تقتصر أحداث سورية على سوء الأوضاع الاقتصادية والماليّة، فقد ظهر تنظيم داعش في البادية من جديد، ونصب كميناً قتل عشرات الجنود السوريين. في حين ما تزال الغارات الإسرائيلية على المراكز الإيرانية بسورية مستمرّة.
الجبهة الوحيدة التي حصل فيها سكون في سورية هي تلك القائمة بين الولايات المتحدة وإيران. فقد كثرت الحوادث بين الميليشيات الإيرانية والقواعد العسكرية الأميركية مثل قاعدة التنف، وأُوقف خطّ الإمداد الإيراني بين طهران وبيروت عند مدينة البوكمال على الحدود العراقية السورية. ثمّ حصل اتفاق إيراني أميركي على تبادل السجناء وحصول إيران على ستّة مليارات دولار هي أموالها المجمّدة في كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الأميركية على طهران. يقول الأميركيون إنّهم طلبوا من الإيرانيين بشكلٍ غير رسمي كفّ ميليشياتهم. وقد جاء إسماعيل قاآني قائد الحرس الثوري إلى بيروت ربّما لإيضاح ضرورات التهدئة، ليس في سورية فقط، بل وفي الجنوب اللبناني للتجديد للقوات الدولية، ولتسهيل الحفر بحثاً عن الغاز.
السعودية وإيران والحاجة للوقت
المفاجأة الأُخرى غير الاتفاق الأميركي – الإيراني، هو التقدّم المحسوس في إنفاذ الاتفاق السعودي – الإيراني الذي تمّ بالصين قبل أربعة أشهر. فقد جرى تبادل السفراء بالفعل، وزار وزير الخارجية الإيراني المملكة وقابل وليَّ العهد السعودي، وكان هناك تصريحان متفائلان من جانب وزيرَيْ الخارجية في البلدين. القضايا التي ينبغي التفاوض عليها بين البلدين كثيرة، وهي تشمل الأمن البحري وحقل الدرّة النفطي (الذي تستثمر فيه كلٌّ من السعودية والكويت وتدّعي إيران حقوقاً فيه)، والتدخّل الإيراني باليمن، وربّما في لبنان وسورية: فهل تحدث انفراجةٌ تستفيد منها دول الخليج والدول العربية التي خرّبها التدخّل الإيراني؟ يحتاج الأمر إلى وقت بالطبع، لكنّ “البشائر” يمكن أن تظهر في هذا الملفّ أو ذاك.
الواضح أنّ الولايات المتحدة تريد “هدنة” من نوٍع ما في الشرق الأوسط والعالم بسبب الحملة الانتخابية الرئاسية، وبسبب الحرب الأوكرانية لعدم تعديد الجبهات. فها هم في النيجر حيث حصل انقلاب، وهاج الفرنسيون، وكذلك دول غرب إفريقيا، في حين بقيت الولايات المتحدة هادئة، وتحدّث موظّفوها إلى قادة الانقلاب، وأرسلوا سفيرةً إلى تلك البلاد التي لهم فيها قواعد عسكرية لمكافحة الإرهاب!
يراهن كثيرون على إمكان إقدام إدارة بايدن على شيء إيجابي في فلسطين، وربّما من أجل فحص إمكانية ذلك يذهب الملك عبد الله الثاني إلى أميركا.
نصل إلى لبنان الذي التقى السعوديون والأميركيون على رأيٍ واحدٍ بشأنه في لجنة الخمسة بقطر. وهناك بعثة دولية تأتي للتشاور في الشأن الإصلاحي. ويذهب محافظ البنك المركزي اللبناني بالإنابة إلى المملكة في سياق اجتماعٍ لمحافظي البنوك. والمعارضة تتجمّع للتصدّي لتضييع لودريان للوقت في انتخابات رئاسة الجمهورية. ولبنان في حاجةٍ شديدةٍ إلى الهدوء وشيء من الاستقرار، ليس بسبب باخرة الحفر فقط، بل للتجديد للقوات الدولية بعد التصعيدات المتفرّقة بالجنوب، ومن أجل وقف الاستنزاف في الاحتياط الإلزامي بالبنك المركزي.
لقد أظهرت أحداث السودان الهائلة أنّ المملكة عندما تتدخّل في أيّ مكان، تتحوّل الأمور نحو الأفضل. والشاهد على ذلك المؤتمر حول أوكرانيا في جدّة. وبعدما ذهبت قوى الحرّية والتغيير السودانية إلى إثيوبيا وتشاد والقاهرة لإيقاف النار، عادت فقالت: الأفضل العودة إلى منبر جدّة، وهو مبادرةٌ سعودية – أميركية لوقف النار في السودان والعودة إلى الحلّ السياسي يحضرها طرفا النزاع.
إقرأ أيضاً: العالم “الواسع”.. وعيوننا “الصغيرة”
طير السنونو الواحد لا يعني قدوم الربيع. لكنّ الجميع متعبون ولا بدّ من وسطاء حكماء، وهو الدور الذي تقوم به المملكة الآن لوقف الدماء والاستنزافات والعودة إلى العقل وصون المصالح: { والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون} (سورة يوسف، الآية 21).
لمتابعة الكاتب على تويتر: RidwanAlsayyid@