يبدو أنّ لأحد المسؤولين السابقين في مجلس الأمن القومي ومجلس الشيوخ الأميركي “حلّاً سهلاً” لما سمّته صحيفة “وول ستريت جورنال” بـ”شوكة أمام تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية برعاية أميركية”. فقد كتب ريتشارد غولدبرغ، الذي شغل بين عامَي 2019 و2020 منصب مدير مكافحة أسلحة الدمار الشامل الإيرانية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، مقالاً في الصحيفة يوصي فيه إدارة الرئيس جو بايدن بـ”استعادة المعيار الدولي المتمثّل في تقييد التخصيب النووي لطهران وتصفيره”، بحسب ما نقلت الصحيفة عن مصادر مطّلعة على تفاصيل البلدين.
وقد دعا إلى منع إيران من تخصيب اليورانيوم وليس التفاوض معها على “نسبة التخصيب”: “عندما يخبر الجانب الأميركي مسؤولاً سعودياً أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع دعم التخصيب على الأراضي السعودية، هذا المسؤول سيطرح السؤال الواضح والفوري على الأميركي: كيف يمكنك دعم برنامج تخصيب في إيران، التي تحاول قتل الأميركيين كلّ يوم، لكن لا يمكنك دعم برنامج تخصيب في السعودية، الشريك الاستراتيجي الوثيق لك؟”. لهذا “تجنّب الرئيس بايدن مثل هذا السؤال الصريح وضمان السلام السعودي الإسرائيلي من دون الرضوخ لمطالب السعودية يكونان باستعادة المعيار الدولي المتمثّل في عدم التخصيب لطهران”.
من هنا يحذّر غولدبرغ من أنّ “السباق على التخصيب النووي في واحدة من أخطر مناطق العالم وأكثرها تقلّباً هو كارثة للأمن القومي”: “ما إن تنفّذ السعودية برنامجاً للتخصيب، سترغب تركيا ومصر أيضاً في الحصول على برنامج مماثل”.
برز غولدبرغ، كما تقول سيرته الشخصية، في مجلس الشيوخ الأميركي مهندساً رئيسياً لأقسى العقوبات المفروضة على جمهورية إيران الإسلامية. فكان المفاوض الجمهوري الرئيسي في شأن العقوبات التي استهدفت البنك المركزي الإيراني، وخدمة الرسائل المالية (سويفت)، وقطاعات كاملة من الاقتصاد الإيراني. وقام أيضاً بصياغة تشريعات تعزّز حقوق الإنسان والديمقراطية في إيران والتفاوض بشأنها، بما في ذلك عقوبات استهدفت كيانات تزوّد النظام الإيراني بأدوات القمع.
في رأي غولدبرغ أنّ منع واشنطن إيران من التخصيب وتحسين العلاقات الدفاعية الأميركية السعودية، التي تطالب بها الرياض، والمزيد من التنسيق الأمنيّ والاستخباراتي مع إسرائيل، قد يغيّر بشكل كبير الرغبة السعودية في إنشاء برنامج تخصيب
“التكيّف” مع المطلب السعودي
وفي مواجهة احتمال التوصّل إلى اتفاق سلام تاريخي يمكن أن يغيّر وجه الشرق الأوسط، تميل الدوائر الإسرائيلية والأميركية بشكل متزايد إلى التكيّف مع المطلب السعودي. بعد كلّ شيء، أدّى الاتفاق النووي لعام 2015 والمفاوضات اللاحقة إلى تطبيع النشاط النووي الإيراني غير المشروع. لكن بدلاً من جعل سياسة حظر الانتشار الضعيفة أكثر سوءاً ممّا هي عليه بالفعل، يجب على بايدن اختيار المسار الأكثر وضوحاً: معارضة تخصيب إيران لليورانيوم أيضاً.
غولدبرغ ينتقد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي صدر بالتوازي مع خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، وألغى سنوات من المطالب بأن توقف إيران تخصيب اليورانيوم وتجارب الصواريخ الباليستية ذات القدرة النووية. وما تضمّنته هذه الخطة من ملحق يوضح بالتفصيل كيف سيدعم العالم تخصيب إيران إلى جانب مئات المليارات من الدولارات لتخفيف العقوبات، وتحديد قرار مجلس الأمن جدولاً زمنياً لانتهاء جميع قيود الأمم المتحدة الأخرى على إيران. على أن ينتهي حظر الأسلحة التقليدية في عام 2020 وحظر الصواريخ في عام 2023.
شرعية “اليورانيوم” الإيراني
ويشير إلى أنّ نتائج سياسة إضفاء الشرعية على التخصيب على الأراضي الإيرانية واضحة تماماً اليوم. فعلى مدى العامين الماضيين، سارعت إيران إلى إنتاج يورانيوم مخصّب شبه عسكري، فتراكمت مخزونات كبيرة من اليورانيوم المخصّب تكفي لإنتاج عدّة قنابل نووية في غضون أسابيع قليلة.
على الرغم من اعتباره أنّ أحد أكثر العيوب خطورةً في خطة العمل الشاملة كان السماح لإيران بالاحتفاظ بقدرة تخصيب، رأى غولدبرغ، الذي نسّق حملة الضغط الأقصى للرئيس ترامب على إيران، بما في ذلك الجهود التي بُذلت لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وفرض عقوبات على القطاعات الأخرى غير النفطية في الاقتصاد الإيراني ومواجهة برامج إيران النووية والصاروخية، أنّ “هناك مخرجاً لهذه المسألة يتمثّل بوقف التخصيب في طهران، لأنّ إيران فشلت في الوفاء بالتزاماتها الضئيلة في هذه الصفقة غير المتوازنة”.
إقرأ أيضاً: توماس فريدمان يحذّر من “لَبنَنة” إسرائيل
في رأي غولدبرغ أنّ “منع واشنطن إيران من التخصيب وتحسين العلاقات الدفاعية الأميركية السعودية، التي تطالب بها الرياض، والمزيد من التنسيق الأمنيّ والاستخباراتي مع إسرائيل، قد يغيّر بشكل كبير الرغبة السعودية في إنشاء برنامج تخصيب. وسيمكن بالتالي للولايات المتحدة من مساعدة المملكة في بناء برنامج نووي مدني يتخلّى عن التخصيب فيحلّ أصعب التحدّيات الأمنيّة للمملكة ويتوسّط في المرحلة التالية من التكامل العربي الإسرائيلي”.
*ريتشارد غولدبرغ: مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي ومساعد في مجلس الشيوخ الأميركي، ومستشار أوّل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة أبحاث غير حزبية مقرّها واشنطن العاصمة تركّز على الأمن القومي والسياسة الخارجية.
لقراءة النصّ على الرابط الأصلي: إضغط هنا