“مقلوبة” مصريّة فلسطينيّة بنكهة تركيّة

مدة القراءة 7 د


صحيح أنّ أكلة “المقلوبة”، التي يبرع المطبخ التركي والفلسطيني في إعدادها والتي تتطلّب الإعداد الجيّد والنفس الطويل على نار هادئة، فاجأت الكثيرين هذه المرّة لناحية الأطراف المحلّية والإقليمية المساهِمة في تجهيز الوجبة ومستلزماتها. لكنّ الصحيح أيضاً هو أنّ تناول الطعام الذي ساهم المطبخ التركي في إعداده قد يكون في القاهرة في أعقاب اجتماعات الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية هناك، وليس في أنقرة.

بنيامين نتانياهو كان سيساعدنا في الحصول على الإجابة على هذه التساؤلات لو حضر هو الآخر إلى العاصمة التركية بعد اللقاءات الفلسطينية – الفلسطينية، كما كانت الخطة تقول، لكنّ تغيُّب الأخير “لأسباب صحّية” قد يكون عرقل وقوع المفاجأة أو تسبّب في تأخيرها، إلا إذا نجحت خطوط التواصل الخلفيّة مع الجانب الإسرائيلي في إنجاز ما بقي، والإجابة أيضاً ستأتي من العاصمة المصرية بعد أيام فقط.

هناك إصرار تركي – مصري على تسجيل اختراق ما في الحوار الفلسطيني الفلسطيني وترتيب شؤون البيت الداخلية أوّلاً، وبعد ذلك يكون التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي

تفاهم تركيّ – مصريّ

لا حاجة إلى المبالغة المبكرة في قراءة وتقدير نتائج القمّة الفلسطينية الفلسطينية المفاجئة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بوساطة تركية في العاصمة أنقرة. لكنّ المؤكّد حتى الآن هو أنّ التحرّك التركي هذا سبقه الكثير من اللقاءات والاستعدادات لتسجيل اختراق ما باتجاهين: الملفّ الفلسطيني – الفلسطيني على طريق المصالحة والتطبيع، والملفّ الفلسطيني – الإسرائيلي على طريق تحريك مسار جديد بدعم إقليمي ودولي.

أوّل وأهمّ ما في الأمر هو دور التفاهمات التركية المصرية المسبقة في تنسيق الجهود بين أنقرة والقاهرة وخارطة الطريق الواجب وضعها وتنفيذها في إطار تحرُّك مشترك لدفع الملفّ الفلسطيني المجمَّد منذ سنوات نحو هذا المسار.

المصالحة التركية المصرية حتى لو لم تصحّ توقّعات عقد قمّة تركية مصرية بالتزامن مع وصول أكثر من ضيف تنتظرهم العاصمة التركية، كان لها الدور الأوّل والأهمّ في هذا الحراك الذي نتابعه عن بعد، والمحمَّل بالكثير من السيناريوهات والتوقّعات التي تدفعنا نحو ثلاثة استنتاجات:

1- لقاء عباس – هنيّة مهمّ. المهمّ أيضاً هو ارتدادات اللقاء على أجواء ونتائج اجتماعات القاهرة الفلسطينية.

2- الخطوة الثانية تتمثّل في جولة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخليجية التي شملت السعودية وقطر والإمارات. الدول الثلاث لاعبون إقليميون أساسيون قادرون على تحريك الملفّ الفلسطيني مجدّداً عند بروز قناعة أنّ الوقت قد حان. فهل حان الوقت؟ وهل ناقش إردوغان وعبد الفتّاح السيسي تفاصيل الخطّة التي لا نعرف عنها الكثير مع قيادات الدول الثلاث وغيرهم لاستكمال ما أُعدّ في المطبخ التركي المصري المشترك؟

3- لا يمكن تجاهل توقيت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للعاصمة التركيّة التي تمّت قبل 10 أيام وجاءت بعد عودة إردوغان من جولته الخليجية وقبل قدوم عباس وهنيّة. لعبت الجزائر دوراً عربياً مهمّاً على خطّ التهدئة والمصالحات الفلسطينية منذ عقود، وهي التي ساهمت في لقاء عباس وهنيّة العام المنصرم بمبادرة من الرئيس تبون، وهي قادرة على التأثير في دفع الأمور باتّجاه التقريب بين الجناحين الأساسيَّين في الساحة الفلسطينية.

ماذا سيفعل نتانياهو؟

الشقّ الفلسطيني الفلسطيني في المحادثات مهمّ طبعاً، فهناك تتمّ المقايضات في أكثر من مسألة سياسية وأمنيّة واقتصادية عالقة. والتفاهمات هي التي ستساعد على استكمال التحرّك ونجاحه. مفاجأة إردوغان في ترتيب هذه الطاولة ونتائجها وصلت على الفور إلى القاهرة. التصريحات المصرية اللافتة عن ترتيبات اجتماعات الفصائل الفلسطينية تكاد تقول إنّ نتائج المفاوضات الفلسطينية في العاصمة التركية جاءت مشجّعة لتسجيل اختراق ما في العاصمة المصرية. الموقف الإسرائيلي الجديد مهمّ هنا. هل ننتظر نتانياهو في أنقرة أم يفاجئنا في القاهرة أم يختار الطريق الثالث والذهاب وراء سيناريو انتخابي مبكر في إسرائيل للعب ورقة الوقت والتهرّب من الضغوطات الإقليمية والدولية التي سيتعرّض لها كمعرقل للخطّة؟

إنجاح الشقّ الأول من الخطة التركية المصرية المدعومة إقليمياً هو بحدّ ذاته اختراق سياسي مهمّ لإنهاء التوتّر والجمود الحاصلين في الساحة الفلسطينية منذ سنوات

نشرت وكالة أنباء الأناضول مادّة تحليلية عن اجتماعات القاهرة قبل انعقادها بساعات تتحدّث عن مواصلة الجهود الرسمية والفصائلية لإنجاح حوار القاهرة، وكان آخرها لقاء جمع عباس وهنيّة في أنقرة بهدف ترتيب جدول أعمال المؤتمر في مصر. اللافت في التحليل كان “وصف قيادات فلسطينية رسمية وفصائلية هذا الاجتماع بالمهمّ”، وكان تمّ الاستعداد له بشكل مسبق من خلال عقد لقاءات بين الفصائل في إطار “بحث سبل إنجاحه والوصول إلى صيغ مشتركة متوافق عليها بين كلّ الفلسطينيين”. لكنّ المفاجأة كانت عند الحديث عن “لقاءين جمعا كلّاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في العاصمة التركية حيث اجتمع الطرفان مرّتين، وكان اللقاء الأوّل “ثنائيّاً” وعُقد يوم الثلاثاء، وأمّا الثاني فقد كان يوم الأربعاء بحضور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي قال إنّ “الانقسام بين الفلسطينيين يخدم مصالح الأطراف التي تسعى إلى تقويض عملية السلام”. وفي هذا الكلام أكثر من رسالة واستنتاج في أكثر من اتجاه.

إنجاح الشقّ الأول من الخطة التركية المصرية المدعومة إقليمياً هو بحدّ ذاته اختراق سياسي مهمّ لإنهاء التوتّر والجمود الحاصلين في الساحة الفلسطينية منذ سنوات.

أين وكيف ستلتقي طروحات كلّ جانب حول خيارات المقاومة: بيد من سيكون السلاح؟ وما هي مشروعيّته؟ وما هي سبل مواجهة إسرائيل وسياساتها؟ وما هو حلّ مسألة التمثيل السياسي والدبلوماسي للفلسطينيين؟ كلّ هذا مهمّ حتماً. لكنّ الرؤية الفلسطينية المشتركة في التعامل مع تل أبيب لناحية الاعتراف السياسي والتفاوض هي بين الأولويات أيضاً.

هناك إصرار تركي – مصري على تسجيل اختراق ما في الحوار الفلسطيني الفلسطيني وترتيب شؤون البيت الداخلية أوّلاً، وبعد ذلك يكون التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي. فأين وكيف سيتمّ ذلك؟

لا بدّ من مرور بعض الوقت لكي نعرف سبب تخلّف نتانياهو عن زيارة أنقرة التي كانت مقرّرة بعد مغادرة عباس وهنية للعاصمة التركية. فهل كان سببه فعلاً العملية الجراحية العاجلة التي أُجريت له أم اكتشافه أنّ هناك محاصرة تركية عربية لتل أبيب وتضييق خناق عليها وعلى سياساتها ومحاولة سحب ورقة الاستفادة من تشرذم الصفّ الفلسطيني ورمي الكرة في هذا الملعب منذ سنوات من يدها؟

إقرأ أيضاً: ميدان لإردوغان في رام الله

ما نُقل في الإعلام العربي قبل أيام عن أنّ توحيد الصف الفلسطيني يستدعي الاعتراف والإقرار بالنظام السياسي الواحد والقانون الواحد والسلاح الواحد، هو العقبة وهو مفتاح الحلّ بالنسبة لهذه العواصم، خصوصاً أنّ السياسة الأميركية اليوم هي في وارد آخر.

هل استوت “المقلوبة” أم لا؟ بعض الوقت أيضاً وتأتي الإجابات من القاهرة وأنقرة وتل أبيب. لكنّ المؤكّد أنّ أنقرة والعديد من العواصم العربية ترى أنّ هناك فرصة سانحة في الملفّ الفلسطيني بشقّيه الإقليمي والدولي لا يجوز التفريط بها.

مواضيع ذات صلة

لماذا أعلنت إسرائيل الحرب على البابا فرنسيس؟

أطلقت إسرائيل حملة إعلامية على نطاق عالمي ضدّ البابا فرنسيس. تقوم الحملة على اتّهام البابا باللاساميّة وبالخروج عن المبادئ التي أقرّها المجمع الفاتيكاني الثاني في…

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…