حوار أم تشاور.. السؤال: على مين؟

2023-07-28

حوار أم تشاور.. السؤال: على مين؟


كان الأجدى بالمبعوث الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان أن يُطلق على اللقاء الذي يسعى إليه في شهر أيلول المقبل اسم “لقاء العصف الذهني” (reunion de reflexion) وليس “طاولة التشاور” (la table de travail). فما قام به في زيارتَيه للبنان كان تشاوراً مع كلّ الأفرقاء، من يمثّل ومن لا يمثّل، ومن يملك تأثيراً ومن تغيب عنه الفعّالية. فما استثنى أحداً بجولتَيْه، لا ساحلاً ولا جبلاً، حتى وصل في بعض اللقاءات إلى أعلى الجرود.
ليست أزمة اللبنانيين في اسم الطاولة التي يسعى الفرنسيون عبر لودريان إلى إطلاقها في شهر أيلول المقبل، سواء كان طاولة للتشاور أو طاولة للحوار أو أيّ مصطلح لأيّ طاولة استعان به المبعوث الفرنسي ليعبّر عمّا سيفعله في الأشهر المقبلة، هذا إذا كان يملك هو ودولته القدرة والفاعليّة على فعل شيء.
أطلقوا على هذه الطاولة المنشودة ما شئتم من تسميات، فأزمة اللبنانيين وقضيّتهم: ماذا ستفعل؟ وإن كانت طاولة للحوار فما هو موضوع الحوار خاصّتها؟ هل هو حوار لاختيار اسم من الأسماء؟ أم حوارٌ لالتقاط صورة تكون ذكرى للقادم من الأيام؟ أم فخ سيُنصّب للدستور والطائف لتعديل من هنا أو إسقاط من هناك؟
أطلق لودريان على طاولة أيلول المقبل اسم “la table de travail“، أي “طاولة التشاور” وفقاً للدبلوماسية الفرنسية أو طاولة العمل وفقاً للقواميس اللبنانية والعربية من المعجم الكافي حتى كتاب “لسان العرب”. والسؤال هنا: أيّ عمل وأيّ تشاور لأيّ طاولة؟ أو ربّما وجب علينا الذهاب إلى الكبير الشهيد سمير قصير مقتبسين من عنوانه الشهير قائلين: “حوار على مين”.

يدرك لودريان أنّ المملكة العربية السعودية وضعت مواصفات للرئيس الذي ترى نفسها مستعدّة أن تتعاون معه، وأن تساعد لبنان عبره، مؤكّدة ذلك في سلسلة من البيانات واللقاءات والاجتماعات

المواصفات السعوديّة للرئيس
يدرك لودريان أنّ المملكة العربية السعودية وضعت مواصفات للرئيس الذي ترى نفسها مستعدّة أن تتعاون معه، وأن تساعد لبنان عبره، مؤكّدة ذلك في سلسلة من البيانات واللقاءات والاجتماعات. وتبنّى هذه المواصفات الموقِّعان معها حليفاها الولايات المتحدة وفرنسا في البيان الثلاثي الشهير الذي صدر عن اللقاء الذي عقدوه على هامش اجتماع الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك في 21/9/2022، ثمّ دول مجلس التعاون الخليجي في قمّتهم في الرياض في 9/12/2022، وقبلهما كانت الورقة الكويتية التي سُلّمت للمسؤولين اللبنانين في 24/1/2022، ثمّ وقّع كلّ هؤلاء مجتمعين مع جمهورية مصر العربية على كلّ تلك المواصفات المطلوب أن يتحلّى بها الرئيس في ما صدر في الدوحة عن اللجنة الخماسية في البيان الشهير، وهذه المواصفات:
1- أن يجسّد النزاهة ويوحّد الأمّة.
2- أن يضع مصالح البلاد في المقام الأوّل.
3- أن يعطي الأولويّة لرفاه مواطنيه.
4- أن يشكّل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، ولا سيّما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي.
على خلفيّة كلّ ذلك، هل تبحث طاولة التشاور الموعودة مع المرشّحين الخمسة كلّ ذلك وتطابقهم مع تلك المعايير؟ هل يقول أحد منهم إنّه ليس سيادياً أم يعترف أحد منهم أنّه من القوم الفاسدين؟ أم يرفض أحدهم أن يكون عروبياً وحريصاً على العلاقات مع الدول العربية وفي مقدَّمها دول الخليج؟
لا أحد من المرشّحين الخمسة سليمان فرنجية وجوزف عون وجهاد أزعور وزياد بارود ونعمة افرام إلّا وسيقول إنّه يتمتّع بكلّ تلك المعايير، وكما سيقولون سيقول المؤيّدون لهم من أحزاب وتيّارات وكتل ونوّاب مستقلّين.
إذاً عمّ سيكون التشاور؟ وما الهدف الذي سيسعى إليه لودريان وهو أشبه بمن يداعب الكرات وينفث النار على أنّها سحر عظيم؟

يكون الحوار بعد انتخاب الرئيس لا قبله، ومن يسأل عن الحلّ نجيبه مستعيدين عبارة استعملناها في الانتخابات النيابية الأخيرة عندما غاب عند السُّنّة شخص الزعيم

تاريخ الحوار في لبنان
لبنان حافل بطاولات الحوار، ومصطلح الحوار تكرّر مراراً وتكراراً منذ عام 1975 بعد كلّ جولة حربية أو أزمة دستورية، وتنوّعت الأمكنة والأزمنة في استضافة طاولات الحوار من “جنيف” 1983 إلى “لوزان” 1984، ثمّ سان كلو 2007، وقبله الطائف حيث ولد دستورنا الجديد، فمجلس النواب في ساحة النجمة، ثمّ حوار قصر بعبدا وكذبة النأي بالنفس.
حوارات حوارات وكأنّنا نهوى الحوارات وصورها التذكارية من دون أن نأمل منها أيّ تطور جديد. لكن ما يجب الإشارة إليه أنّ كلّ تلك الحوارات وإن لم تكن مجدية فقد كانت تنعقد لحلّ قضية وأمر عظيم مثل وقف الحرب أو حلّ مسألة السلاح غير الشرعي إلا أنّها ما انعقدت يوماً لأجل انتخاب رئيس. حتى اتفاق الدوحة 2008 الذي شكّل “بروفا” للانقلاب على دستور الطائف تكلّم عن الكثير الكثير، ونتيجة لكلّ ذلك جاء انتخاب الرئيس في حينه، إلا أنّ أيّاً من هذه اللقاءات لم ينعقد لانتخاب رئيس.

إقرأ أيضاً: لودريان ينزل عن “شجرة” فرنجية: التشاور في أيلول

يكون الحوار بعد انتخاب الرئيس لا قبله، ومن يسأل عن الحلّ نجيبه مستعيدين عبارة استعملناها في الانتخابات النيابية الأخيرة عندما غاب عند السُّنّة شخص الزعيم. قلنا “دعوا العشب ينبت فلا بدّ من أن يقدّم لنا الجديد”. وفي هذا الاستحقاق نقول للداخل والخارج: فليكن كلّ الضغط والعمل على انعقاد جلسات الانتخاب في مجلس النواب ليتمّ انتخاب رئيس، أيّ رئيس، ما دام سيحظى بأكثرية أصوات من انتخبهم الناس قبل وقت قصير. أليست هذه هي الديمقراطية؟ أليس هذا ما يقوله دستور الطائف الذي ندّعي جميعنا التمسّك به فيما هناك من يعمل على إنكاره عند كلّ استحقاق عظيم؟

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

مواضيع ذات صلة

5 أسابيع حاسمة في تاريخ الشّرق الأوسط

تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل. يفصل الشرق الأوسط عن ذلك أقلّ من 5 أسابيع تبدو ناظمة لحسابات إدارة الرئيس جو بايدن،…

رهانات إيران وعقدة الجغرافيا وخطأ التّلكّؤ

زايدت المعارضة الإسرائيلية من يسارها إلى يمينها على صقور التطرّف في حكومة بنيامين نتنياهو بالدعوة إلى الانتقام الشرس وإلحاق أقصى قصاص بإيران بعد إطلاقها رشقات…

إيران.. الاعتدال مخرج لإفشال نتنياهو

لا ينقص الدولة الإقليمية الكبرى “إيران” معرفة قدراتها الفعلية وقدرات خصومها، ووفق ذلك تضع أولويّاتها وحدود حركتها.   تعرف إيران قدرات أذرعها وحلفائها، حيث المواجهة…

العقائديّة التي تعمي الرؤى الاستراتيجيّة

“وكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَوماً      تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ        هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي        كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى      …