ترتكب إيران حماقة كبرى إذا حاولت العبث أو الابتزاز أو اللعب مع نصّ وروح الاتفاق الصيني مع الرياض.
دبلوماسي أوروبي خدم في الرياض وأصبح مستشاراً لشركة عملاقة قال هذا الكلام لمسؤول إيراني حالي، وأضاف: “حتى الآن أنتم تعرفون قانون الفعل وردّ الفعل عند وليّ العهد السعودي، لذلك لا تعبثوا معه في اليمن أو أمن مضيق هرمز أو لبنان أو سوريا”.
يأتي هذا الكلام بعد عدّة مؤشّرات سلبيّة في السلوك الإيراني تُظهر تجاوز طهران للمنطق، وهي:
1- قيام الزوارق البحرية الإيرانية باعتراض ناقلات نفط وتعريض حركة التجارة في مضيق هرمز للخطر.
لاحظ أنّه في المرّة الأخيرة كانت عمليّة الاعتراض الـ22 منذ عام 2021 في مضيق هرمز. ولاحظ أيضاً تحرّش القطع البحريّة الإيرانية بالدوريات البحرية الأميركية في المنطقة، وردّاً على هذه التحرّشات أمر وزير الدفاع الأميركي منذ أسبوع بنشر المدمّرة “يو إس إس توماس هودنر” ومقاتلات “إف 35” ومقاتلات “إف 16” في ما يسمّى “منطقة المسؤولية” للقيادة المركزية الأميركية، وإرسال ثلاث سفن استكشافية و2,500 من مشاة البحرية الأميركية. وجاء في بيان وزارة الدفاع أنّ إرسال هذه القوات والقطع والطائرات هو للدفاع عمّا سمّته “المصالح الأميركية” وحماية حرّية الملاحة في المنطقة.
ترتكب إيران حماقة كبرى إذا حاولت العبث أو الابتزاز أو اللعب مع نصّ وروح الاتفاق الصيني مع الرياض
أمّا الردّ الإيراني فجاء كالعادة متجاوزاً للمنطق حينما قلّل وزير الدفاع الإيراني من خطورة الانتشار العسكري الأميركي في مياه الخليج في قوله إنّ إيران قد بلغت من القوّة بحيث لا أحد يقدر على تنفيذ تهديداته تجاهها!
حقل الدرّة.. اعتداء جديد
2- الادّعاء المفاجئ والغريب من قبل طهران بوجود حقوق إيرانية في حقل الدرّة ذي الاحتياطات الهائلة من الغاز الذي يقع في ما يسمّى المنطقة المقسومة بين البلدين ومعهما الحدود الكويتية أيضاً.
شكّل هذا الحقل مادّة التي يفضّل الحديث عنها وزير النفط الإيراني الذي ادّعى وجود حقّ إيراني فيه يجب استغلاله، وطرح هذا الادّعاء في لقائه مع وزير النفط الكويتي. وجاء الردّ من الرياض والكويت صريحاً غاضباً يقول: هذا الحقل حقّ حصري لكلّ منّا نحن الاثنين فقط.
3- على الرغم من التسريب المتعمَّد من قبل إيران لنصيحة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان للحزب بعدم إغضاب السعودية في ملفّ التسوية الرئاسية، يفعل الحزب كلّ شيء في قاموس التعطيل السياسي.
في المقابل لا بدّ من القول إنّ إيران أعطت الأوامر للحوثيين بتبادل الأسرى مع السلطة اليمنية في الجنوب وأوقفت إطلاق الصواريخ الباليستية على السعودية والإمارات.
يمكن القول أيضاً إنّ إيران نصحت الرئيس السوري بحسن التعامل مع الرياض بعد بدء المصالحة في قمّة جدّة.
يقول مصدر خليجي: “لا تدرك إيران ولا يقدّر مسؤولوها حجم شجاعة وكلفة القرار السعودي إبرام اتفاق مع إيران برعاية صينية، ولا يدركون حجم ردّ الفعل الأميركي تجاه إعادة نظام الرئيس السوري إلى الجامعة العربية واستقباله في قمّة جدّة”.
لا يمكن لإيران أن توقّع اتفاقاً صريحاً مع السعودية في بكين ثمّ تتحرّش بملاحة الخليج وتطالب بما لا تستحقّ في حقل الدرّة وتعطّل انتخاب رئيس في لبنان
اعتراض أميركا على التطبيع مع الأسد
يُقال إنّ رئيس الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز نقل في لقائه الأخير مع وليّ العهد السعودي ما وُصف بأنّه “شعور واشنطن بالصدمة من الاتفاق مع إيران برعاية صينية وإعادة بشار الأسد إلى الجامعة العربية”. وسمع بيرنز في هذا اللقاء كلاماً صريحاً حازماً من وليّ العهد السعودي أكّد فيه أنّ هناك مسائل سيادية للمملكة ليس لواشنطن حقّ التدخّل فيها، خاصة بعدما قامت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بإبرام اتفاق مع الإيرانيين متجاوزة أمن الخليج ومصالحه. ونُقل عن وليّ العهد السعودي في هذا اللقاء قوله: “الآن أنتم تحاولون إنجاز اتفاق مع الإيرانيين في أسرع وقت وبأيّ ثمن”.
بالطبع لم يفهم رئيس الاستخبارات الأميركية المعنى المبطّن العربي الذي يقول: “حرام علينا وحلال لكم! كيف هذا؟”. والرسالة التي وصلت إلى بيرنز: “نحن لا نستأذن أحداً كائناً من كان في شؤوننا السيادية”.
بالطبع هناك رسائل عديدة من واشنطن إلى الرياض تحذّر من “تلاعب وعبث السياسة الإيرانية بالتعهّدات الشفهية والمكتوبة”.
يجب الرجوع إلى نصّ الاتفاق الإيراني السعودي الموقَّع في بكين الذي تمّ إنضاجه على مدار ثلاث سنوات في جولات تفاوضية شاقّة في مسقط وبغداد. في هذا النصّ تعهَّد كبير المفاوضين القانوني والسياسي المخضرم الوزير مساعد العيبان، بأن تكون النصوص صريحة مباشرة مُلزِمة قانونياً وسياسياً لكلّ طرف، وأن تكون الالتزامات تبادليّة خطوة مقابل خطوة لا يتمّ فيها الانتقال من درجة تقارب أو تعاون إلا بعد الالتزام الكامل بالتنفيذ الحرفيّ لِما سبقها.
يسأل زوّار الرياض في الفترة الأخيرة صانع القرار السعودي، سواء في الديوان الملكي أو وزارة الخارجية أو الاستخبارات: “هل تثقون بالتعهّدات الإيرانية؟”.
تأتي الإجابة السعودية الهادئة الواثقة: “التجربة خير برهان، ونستطيع أن نؤكّد أنّنا سوف نلتزم بكلّ ما تعهّدنا به، ولذلك نحن نراقب بدقّة وحذر السلوك الإيراني”.
وحينما تسأل: “وماذا سيحدث إذا تلاعبوا أو عبثوا بالتعهّدات؟”.
يأتي الردّ: “أكثر ما يكرهه وليّ العهد السعودي هو خيانة التعهّدات والغدر بالوعود، ولذلك ننصح الجميع بعدم العبث معه”.
الصبر الاستراتيجي.. والالتزام الاستراتيجي
حينما تسأل المطّلعين على الأمور في الرياض عن رأيهم في فلسفة الصبر الاستراتيجي التي تتبعها السياسة الإيرانية في إرهاق الطرف الآخر حتى يصل إلى مرحلة القبول بالشروط الإيرانية، يأتيك الردّ: “إذا كانوا في إيران يتبعون فلسفة الصبر الاستراتيجي فنحن في السعودية نتبع سياسة الالتزام الاستراتيجي”.
وحين تسأل: ماذا يعني ذلك؟ يأتيك الردّ: حين نختلف نطرح الأسباب صريحة واضحة، لكن حين نتفق لا نقبل أبداً بأيّ مناورة أو ابتزاز أو مماطلة أو غدر.
من هنا يمكن القول إنّ العلاقة الجديدة التي بدأت بين طهران والرياض عقب اتفاق بكين لم تتعدَّ مرحلة التعهّدات الملزمة للطرفين، وحتى ننتقل إلى مرحلة التنسيق ثمّ التعاون، ثمّ نصل في النهاية إلى تسوية الخلافات وتبادل المنافع، فإنّها ستظلّ دائماً تحت مجهر وليّ العهد السعودي الدقيق والصارم الذي لا يقبل أيّ تلاعب مع بلاده.
إقرأ أيضاً: “خماسية” لبنان: إيران لن تسمح بالحلّ
خلاصة القول إنّ الرهان الإيراني على التعهّد بالشيء ثمّ فعل نقيضه هو أمر سوف يصل بالمصالح الإيرانية إلى طريق مسدود:
– فلا يمكن لإيران أن توقّع اتفاقاً أحادياً ينظّم عملية ودرجة التخصيب وتقوم في ذات الوقت برفع درجات التخصيب في مفاعلات سرّية بعيدة عن كاميرات المراقبة لهيئة التفتيش النووية.
– ولا يمكن لإيران أن توقّع اتفاقات تجارية مع الكويت وهي تشجّع شيعة الكويت على تعكير صفو الاستقرار.
– ولا يمكن لإيران أن توقّع اتفاقاً صريحاً مع السعودية في بكين ثمّ تتحرّش بملاحة الخليج وتطالب بما لا تستحقّ في حقل الدرّة وتعطّل انتخاب رئيس في لبنان.
دبلوماسي فرنسي مخضرم نصح زميله الإيراني: يا صديقي نصيحتي لكم أن لا تتلاعبوا مع حكّام الخليج الآن.