لا يُشبِه الصَخب الذي رافق وصول النائب السابق سليمان فرنجية إلى باريس مساء الخميس المرحلة التي رافقت زيارته الشهيرة للعاصمة الفرنسية في تشرين الثاني 2015 ليلتقي “راعي” وصوله المحتمل إلى رئاسة الجمهورية الرئيس سعد الحريري في منزل “الصديق” ورجل الأعمال جيلبير الشاغوري.
هو اللقاء السرّي الذي “انكشف” قبل أن تُقلِع طائرة “البيك” من مطار بيروت، لكنّه أسّس يومها لقلب صفحة سليمان فرنجية وإجلاسه، على مرأى الفرنسيين وأصحاب القرار، على مقاعد “المتفرّجين” لوصول ميشال عون إلى الكرسيّ الأوّل بضغط من حزب الله و”جرّة إيد” من خصم “الجنرال” الأزلي سمير جعجع، وبتكويعة من الحريري وشبه لامبالاة دولية-خليجية.
لم تَعد “ممانعة جبران” تقف حائلاً دون تمهيد الحزب لولاية فرنجية مع الاستعداد السياسي لهذا الفريق لاصطفاف باسيل الحتمي في صفوف المعارضة مع انتخاب فرنجية
اليوم، الزمن الإقليمي-الدولي غَيْر بكلّ تحوّلاته العاصِفة. باريس غَيْر، وكذلك المملكة العربية السعودية بأجندتها الانقلابية وبوصفها اليوم العائق الحديدي الأكبر أمام وصول “البيك” إلى قصر بعبدا بعد وعدٍ من حليفه الأول حزب الله، عمره أكثر من ستّ سنوات، بأن يكون وريث “الجنرال”.
فهل يَعود فرنجية من باريس ليقصّ شريط “ماراتون” إيصال مرشّح آخر إلى رئاسة الجمهورية ثمّ يجلس هذه المرّة على مقاعد “المُتقاعدين” من الرئاسة؟
يَصعب منذ الآن رصد مسار تداعيات الزيارة على حظوظ فرنجية الرئاسية، ولا سيّما أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرف غير مقرّر أصلاً في الأزمة اللبنانية عموماً، وشبيه أكثر بالوسيط، ولأنّ اللاعبين الكبار المعنيّين مباشرة بالأزمة اللبنانية لم يرموا كلّ أوراقهم بعد التحوّل المفصلي في العلاقات الإيرانية- السعودية وتوقّع تمدّدها إلى الملعب السوري-السعودي وباقي دول الخليج، فيما باب التفاوض وتحصيل المكاسب لا يزال ناشطاً ومفتوحاً على جميع الاحتمالات، وأيضاً لأنّ الدخول المصري والقطري على الخط لم يُثمِر حتى الآن ما يمكن أن يُصنَّف خرقاً في الجدار الرئاسي.
ضمن هذا السياق الغامض لا يمكن تجاهل تفصيل داخلي مهمّ تجلّى في موقف حزب الله الأخير عبر نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الذي كرّس معطيَين اثنين:
– الأوّل: تمسّك الحزب بفرنجية “لأنَّه يمتلك الصفات الملائمة والمناسِبة لرئاسة الجمهورية، فهو شخص يتميَّز بقدرته على الحوار والانفتاح على الجميع، ولا يشكِّل تحدّياً لأحد، ويتواصل مع دول المنطقة والعالم بشكل طبيعي، وشجاع في المواقف وخطُّه واضح”، وذلك من دون أيّ إشارة إلى “ميزة” حمله لبرنامج إنقاذي تطلبه دول القرار كممرّ إلزامي إلى بعبدا. وفعليّاً ذَكَر الشيخ قاسم الصفات المناقضة تماماً لتلك التي طالب بها حليف الحزب النائب جبران باسيل.
– الثاني: في ردّ مباشر على باسيل الذي كشف قبل أيام حقيقة “انقلاب” حزب الله على وَعدِه بعدم السير بأيّ مرشّح لا يقبل به رئيس التيّار الوطني، قال قاسم: “نحن لم نلتزم مع أحد بتسمية خلال كلّ فترة الحديث عن الرئاسة، بل كنَّا نقول لمن يَسأل عن عدم حسم الموقف إنَّنا ما زلنا نُفكّر، ثمّ مرَّت مرحلة أخرى كنّا قد حسمنا خيارنا من دون إعلان الاسم، ثمّ جاءت مرحلة ثالثة تمَّ فيها الإعلان من خلال الأمين العام”، مؤكّداً أنّه “في كلّ هذه المراحل الثلاث لم نَعِدْ أحداً بأن يكون موقفنا مرتبطاً بموقفه أو بتسميته أو بآرائه أو بقناعاته”.
الزمن الإقليمي-الدولي غَيْر بكلّ تحوّلاته العاصِفة. باريس غَيْر، وكذلك المملكة العربية السعودية بأجندتها الانقلابية وبوصفها اليوم العائق الحديدي الأكبر أمام وصول “البيك” إلى قصر بعبدا بعد وعدٍ من حليفه الأول حزب الله، عمره أكثر من ستّ سنوات، بأن يكون وريث “الجنرال”
الأهمّ هو ما قاله قاسم من باب انتقاد الحزب لمقاربة باسيل في مكافحة الفساد الذي يضع حليفه الشيعي في قفص الاتّهام: “الاكتفاء بالنقد والتنظير لا يجعل الناقد والمُنظِّر بعيداً عن المسؤولية والمُساءلة، لأنَّ بعضهم يتحدّث أمام الناس كأنَّه هو الذي له حَقّ أن يُحاسب الجميع، أمَّا هو فليس مسؤولاً”.
لم يعد مُمكِناً تَجاهل واقع أنّ ورقة سليمان فرنجية الرئاسية، إن وَصل أو لم يَصِل رئيس “تيار المردة” إلى القصر الرئاسي، هي اللغم الذي سيفجّر كلّ الجسور مع حزب الله. تِباعاً تصل إلى ميرنا الشالوحي “أخبار” عن حماسة أوساط في حزب الله للحديث عن الـ team work الرئاسي لفرنجية وأجندة عمله التي لن تقابَل بالمعوّقات نفسها التي رافقت ولاية ميشال عون “لأنّ ذهنية التفكير والعمل مختلفة وولادة حكومات العهد لن تتعثّر كما في المراحل التي طُبِعت بالشروط الوزارية الباسيلية”….
لم تَعد “ممانعة جبران” تقف حائلاً دون تمهيد الحزب لولاية فرنجية مع الاستعداد السياسي لهذا الفريق لاصطفاف باسيل الحتمي في صفوف المعارضة مع انتخاب فرنجية.
مع ذلك، يَلبد حزب الله بانتظار استواء الطبخة. لا يَستعجل تسوية قد تأتي على حسابه ولا يُقلِّل من أهمية الإعصار التهدويّ الذي يلفح دول المنطقة. هنا، يجزم قريبون من الحزب قائلين: “صحيح أنّ حزب الله يُفاوض اليوم بورقة فرنجية، لكنّه يستعدّ لكلّ الاحتمالات في ظلّ صعوبة تسويق “البيك” داخلياً وخارجياً، ولذلك أعلنت عدّة قيادات في حزب الله أخيراً معادلة: ليُعلِن كلّ طرف مرشّحه ثمّ نتحاور ثمّ نذهب إلى مجلس النواب”.
إقرأ أيضاً: أزمة ثقة بين ميقاتي و”شركائه”
يضيف هؤلاء: “هذا منطق تفاوضي وليس منطق فرض. وحزب الله يتحصّن بـ “الخطة ب” التي تعني إمكانية انتقاله إلى مربّع مرشّح آخر لا يعنيه كثيراً أن يمرّ حتماً من تحت عباءة جبران باسيل بل أن تتوافر فيه مقوّمات المُساهمة في إخراج لبنان من النفق مع ضمانات بالتزامه عدم طعن المقاومة في ظهرها، لكن بالتأكيد فرنجية ما يزال حتى الآن المرشّح رقم واحد لدى حزب الله”.
لمتابعة الكتاتب على تويتر: MalakAkil@