وافق البرلمان السويدي بعد ظهر أمس على مشروع قانون انضمام السويد إلى حلف الناتو بأغلبية واسعة من الأصوات وصلت إلى 269 مقابل 37 صوتاً معارضاً. والنتيجة تعني أنّ الحكومة مُنحت رسمياً الضوء الأخضر للمضيّ قدماً في انضمام السويد إلى الناتو عندما يصادق أعضاؤه على طلب عضوية السويد. لم تصادق المجر وتركيا بعد على طلب السويد، لكنّ هناك إشارات إلى أنّ البلد سيصبح عضواً كامل العضوية في الحلف الأطلسي قبيل عقد قمّة الناتو في فيلنيوس بين 11 و12 تموز المقبل. حينها تكون السويد قد أنهت فترة رئاستها الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي وبدأت التحرّك التاريخي الذي سيُنهي استراتيجيّتها القائمة على الاصطفاف غير العسكري.
وافق البرلمان السويدي بعد ظهر أمس على مشروع قانون انضمام السويد إلى حلف الناتو بأغلبية واسعة من الأصوات وصلت إلى 269 مقابل 37 صوتاً معارضاً
الناتو ضرورة لأمن النظام الأوروبيّ
لا شكّ في أنّ انضمام السويد إلى الناتو يعزّز أمنها ودفاعها ويؤدّي إلى ضمانات دفاعية ملزمة وتخطيط دفاعي مشترك.
لكنّ الأهمّ أنّه يساهم في زيادة الاستقرار والأمن في كامل نظام الأمن الأوروبي الذي كان مسلّماً به لفترة طويلة، غير أنّه يتعرّض اليوم لتحدّيات، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا وتهديدات النظامَين الروسي والبيلاروسي لبولندا وليتوانيا ولاتفيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي. هذا فضلاً عن التهديدات الإلكترونية والمعلوماتية المضلّلة التي تشكّل جزءاً مركزياً من العقيدة العسكرية الروسية وتعمل على تدهور وضع السياسة الأمنيّة في أوروبا.
تركيا عقبة الناتو الأخيرة
مرّ طلب السويد للدخول إلى الناتو في طريق طويل وشاقّ حتى وصوله إلى البرلمان للتصديق عليه لم يتغيّر مضمون الطلب، على الرغم من تغيّر السياسة الحكومية للبلاد من يسارية إلى يمينية بعد انتخابات صيف 2022. لكن ما تغيّر هو أنّه لن يُنظر إلى السويد بعد الآن كدولة يمكنها اتخاذ قرارات مستقلّة لأنّها ستكون جزءاً من الحلف الأطلسي (الناتو)، ولم تعد دولة غير منحازة عسكرياً، وأصبح صوتها المؤيّد للديمقراطية وحقوق الإنسان ضعيفاً. بدأت السويد تسمّي تركيا بالبلد الديمقراطي وتعتذر عن دفاعها عن الأكراد في منطقة شمال سوريا أملاً في الحصول على موافقة النظام التركي على طلبها سريعاً أسوة بالطلب الفنلندي.
إنّ سلسلة الاحتدامات بين البلدين التي ظهرت إلى العلن لحظة إعلان السويد عزمها الانضمام إلى الناتو، كان قد سبقها صدور بعض المواقف عن السويد التي اعتبرتها تركيا نوعاً من الاستفزاز مثل وقف تصدير الأسلحة إلى تركيا عام 2019 ودعم الأحزاب الكردية. ولم تؤدِّ الزيارات الحكومية السويدية المتتالية لأنقرة في الأشهر الأخيرة إلى تليين موقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وتعثّرت موافقته أكثر على طلب السويد الانضمام إلى الناتو بعد شنق دمية تمثّل إردوغان في إحدى ساحات استوكهولم، وحرق نسخة من القرآن أمام مبنى السفارة التركية.
– في نهاية الحرب ساعدت السويد النرويج فدرّبت “وحدات الشرطة” على دخول النرويج لتحرير البلاد من ألمانيا النازية. هذا عدا عن حالات تدخّلت فيها السويد عسكرياً بدافع التضامن مع الآخرين
200 عام من الحياد والتحالفات
مع التأكيدات الرسمية أنّ ما جرى بالأمس هو اللحظة التي أنهت فترة عدم الانحياز السويدي، إلا أنّ الخطوة الحاسمة للابتعاد عن سياسة الحياد القديمة كانت فعلياً عندما انضمّت البلاد إلى الاتحاد الأوروبي. حينها انتهت حرّية التحالف السياسي، والآن تنتهي حرّية التحالف العسكري. حتى إنّ المسألة الأخيرة محلّ جدال، إذ صار خاطئاً بعض الشيء القول المتكرّر بأنّ السويد مرّت بـ200 عام من عدم الانحياز والحياد، لأنّ الحقيقة هي أنّ السويد لم تكن في حالة حرب منذ عام 1814، لكن كانت هناك مناسبات وفترات لم تكن فيها السويد محايدة تماماً.
في أوقات من القرن التاسع عشر تخلّت السويد عن حيادها:
– عندما دخلت في عصبة الأمم.
– عندما غزا موسوليني إثيوبيا.
– خلال الحرب العالمية الثانية، ساعدت السويد فنلندا عسكرياً خلال الحرب الشتوية مع الاتحاد السوفيتي، من دون أن تكون في حالة حرب نشطة.
– في نهاية الحرب ساعدت السويد النرويج فدرّبت “وحدات الشرطة” على دخول النرويج لتحرير البلاد من ألمانيا النازية. هذا عدا عن حالات تدخّلت فيها السويد عسكرياً بدافع التضامن مع الآخرين.
إقرأ أيضاً: كيسنجر: أميركا لم تعد “القوّة الوحيدة” في المنطقة
على الرغم من هذا، لا شكّ في أنّ السويد كانت بحاجة إلى تعديل المسار بوضوح. ومن المتعارف عليه أنّها مرّت بـ200 عام من عدم الانحياز، بدأ تحديداً في عام 1834 عندما أعلن الملك كارل يوهان حالة الحياد نيابة عن كلّ من السويد والنرويج، بعد سلسلة من الهزائم العسكرية مع روسيا. حتى إنّ أهوال الحربين العالميّتين الأولى والثانية في الدول المجاورة لها لم تحرّكها قيد أنملة عن حيادها. لكن مع إعطاء البرلمان السويدي الضوء الأخضر لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، تُنهي البلاد رسمياً حالة الحياد لتشكّل قوة عسكرية في أوروبا.