2023 عام الابتزاز والمقايضات: أردوغان وبوتين والصين

مدة القراءة 5 د

ثلاثة أنماط من السلوك السياسي هي المهيمنة الآن على الصراعات والعلاقات الدولية:

1- “المقايضة” لتبادل المصالح بين الأطراف المباشرة وغير المباشرة في الصراع.

2- الضغط بالعقوبات وكلّ أشكال الحصار والمنع.

3- التلويح بسياسات حافة الهاوية بدءاً من التصعيد بالحرب التقليدية إلى التلويح باستخدام السلاح النووي التكتيكي.

يسمّونها بشكل مهذّب “تبادل المصالح” وأحياناً “تسوية مقبولة”، وهي في حقيقة الأمر نوع من الابتزاز الذي يقوم به كلّ طرف للحصول على الحدّ الأعلى من المكاسب ومحاولة التوصّل إلى الحدّ الأدنى من التنازلات.

وتعريف هذا الأمر في معجم اللغة هو:

“تبادل الخدمات السياسية التي تؤتي بمنافع مرضية لطرفين أو أكثر بهدف إحداث تسوية لاهتمام مشترك”.

خرج إردوغان عن خطط الكبار إقليمياً، وانتشر في العراق وسوريا وليبيا، وتجاوز حدود المياه الإقليمية في شرق البحر المتوسط طمعاً في الغاز

أردوغان وبوتين والصين

نتوقّف اليوم أمام 3 لاعبين يمارسون هذه اللعبة على مسرح السياسة الدولية بكلّ ما أوتوا من قوّة وبراعة.

الأوّل: هو الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي عاش منذ عام 2001 يحلم بأن تنضمّ بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، وفي كلّ مرّة كانت محاولاته تبوء بالفشل.

حاول إردوغان استخدام كلّ أدواته، فتارة يقوم بالالتزام الحرفي بالـ14 شرطاً لدخول هذا الاتحاد. وتارة أخرى يستخدم أهميّته الجوهرية في حلف الناتو النابعة من كون القوات التركية تشكّل النسبة العظمى من عديد القوات البرية لهذا الحلف، إذ تبلغ 190 ألفاً، وتارة ثالثة يهدّد بإيقاف التسهيلات لأكبر قاعدة استراتيجية في أوروبا، وهي قاعدة إنجرليك.

تارة بالهدوء والسياسات الناعمة، وتارة أخرى بالتهجّم على زعامات فرنسا وألمانيا واليونان وهولندا.

خرج إردوغان عن خطط الكبار إقليمياً، وانتشر في العراق وسوريا وليبيا، وتجاوز حدود المياه الإقليمية في شرق البحر المتوسط طمعاً في الغاز.

 

أين ربح وأين فشل أردوغان؟

عرض إردوغان نفسه وسيطاً بين الروس والأوكران، وشكّل تحالفاً مع الروسي والإيراني للتنسيق في الشأن السوري.

وفّر إردوغان أكبر قدر من التعاون العسكري مع الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وأصبح أكثر خطوط الطيران المدنية حركة مع إسرائيل هو ما يربط تركيا بالدولة العبرية.

كلّ ذلك من أجل الضغط أو تبادل المصالح أو خلق أدوات تحقّق له حلم “تركيا القويّة” تحت مظلّة “العثمانيين الجدد”.

آخر ألعاب إردوغان السياسية هي اعتراضه على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وتركيا كانت صاحبة الاعتراض الوحيدة، وهو ما يعيق انضمامهما بصفة قانونية لأن نظام تأسيس “الناتو” ينصّ على أنّ القبول بأيّ عضو جديد في الحلف يجب أن يكون “بإجماع” الأعضاء الدائمين.

حصل إردوغان أمس الأول على ما يريد، إذ قايض قبول عضوية فنلندا بالحصول على نوعية تسليح يحتاج إليها الجيش التركي.

بالنسبة لقبول عضوية السويد فقد رهن موافقته بضرورة قيام السلطات السويدية بتسليم لاجئين أكراد يعيشون على أراضيها.

هذا هو قانون اللعبة التي يجيدها إردوغان معتمداً على مبدأ “شيء مقابل شيء”.

ولكن ها هو السحر ينقلب على الساحر عندما رفض الرئيس السوري بشار الأسد وساطة بوتين لعقد لقاء بينه وبين إردوغان.

أكّد بشار لبوتين أنّ الاتفاق مع إردوغان يجب أن يسبقه تعهّد واضح من الرئيس التركي بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية.

إردوغان الذي يعبّئ كلّ قواه لمعركة الرئاسة الجديدة التي تبدأ مراحلها الأوّلية في أيار المقبل يحتاج إلى اتفاق لإعادة النازحين السوريين الذين يشكّل وجودهم أزمة وستصبح عودتهم مسألة ضاغطة على حكومته وسيكون لها تأثير لافت وقوي على ملفّات معركة الرئاسة، خاصة أنّ المعارضة أعلنت هذه المرّة تحالفاً قويّاً ضدّه.

بوتين والصين وأوكرانيا

المثال الثاني: هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هو الآخر يعزّز علاقاته على عدّة محاور للخروج من حصار العقوبات الغربية ضدّه.

تأمّلوا تحرّكات وزير خارجيته سيرغي لافروف في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.

تأمّلوا تطوّر العلاقات الصينية – الروسية وإعلان الرئيس الصيني الدعم الكامل لروسيا في حربها في أوكرانيا.

يضع بوتين مسألة إيقاف الحرب والدخول في مفاوضات سلام في مقابل تعهّد أوكراني بعدم الانضمام إلى الناتو والقبول بضمّ روسيا الأراضي في القرم والجمهوريات المستقلّة.

شيء مقابل شيء مجدّداً

المثال الثالث هو الصين: ها هي تتحرّك بذكاء ومهارة وحكمة.

تقوم برعاية كاملة لاتفاق سعودي إيراني من 6 إلى 10 آذار وبضمانه، وبذلك تؤمّن استثماراتها مع البلدين التي تتعدّى 550 مليار دولار، وتفتح أبواب التعاون على مصراعيها مع دولتين من أكبر خزّانات الطاقة وتمتلكان عوائد نفطية أسطورية.

وها هي الصين على لسان رئيسها في مؤتمر الحزب الأخير تعلن أنّ تايوان أرض صينية، وأنّها حتماً ستعود إلى الوطن الأمّ مهما كانت النتيجة. وها هي تستعدّ لمناورات عسكرية شاملة في بحر الصين وُصفت بأنّها ستُنفّذ “بأسلحة حقيقية”.

تردّ الصين على العقوبات الأميركية التجارية علبها بالتلويح بالمساس بودائعها التي تتجاوز تريليون دولار في الأسواق والصناديق الأميركية.

إقرأ أيضاً: وَهْم أنّ “الوضع تحت السيطرة”!

مرّة أخرى تهدّد بشيء مقابل أن تحصل على شيء.

باختصار، إنّه عالم “قوّة الضغط” في زمن “الابتزاز” بهدف المقايضة.

إنّها لعبة خطرة يتمّ فيها التهديد بكلّ شيء وأيّ شيء.

حتى الآن اللعبة مخاطرها محسوبة، لكن من الممكن أن تنفلت الأمور في أيّ لحظة.

المهمّ أن نفهم قانون اللعبة ونلعب أوراقنا بحكمة ومهارة.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…