من الذي “لعب بالدولار” مساء السبت؟ وما الذي حصل؟ ولماذا؟ ومن كان خلف هذا الارتفاع الجنونيّ والسريع في سعر صرف الدولار؟ وكيف عاد الدولار إلى الاستقرار مجدّداً؟
بعد استقرار دام قرابة 4 أشهر ونصف تخلّلته بين الحين والآخر انخفاضات هادئة، شهد سعر صرف الدولار خلال نهاية الأسبوع ارتفاعات دامت لساعات قليلة ووصلت إلى حدود 100 ألف، ثمّ أعقب ذلك صدور بيان عن مصرف لبنان مساء الأحد استطاع أن يعيد سعر الصرف إلى صوابه، أي إلى 91 ألفاً مع انطلاقة بداية الأسبوع، ثمّ 92,500 أمس.
ترجّح مصادر صيرفية لـ”أساس” أن يكون مصرف لبنان خلف “فلتة” نهاية الأسبوع، لأنّ الارتفاع حصل بشكل مفاجىء بعد ظهر يوم السبت فيما كان السوق مقفلاً. والآليّة التنفيذية للمصرف هي الصرّافين الكبار في السوق، وبعضهم معروف بالاسم في الإعلام.
أراد رياض سلامة من وراء ذلك توجيه رسالة، بحسب أوساط الصرّافين في بيروت، يقول فيها إنّه الجهة الوحيدة القادرة على التحكّم في سعر السوق صعوداً وهبوطاً، وقد وجّهها إلى:
1- نوّاب الحاكم الأربعة: أو ربّما بعضهم نتيجة الخلافات والتضارب في وجهات النظر بينهم.
2- المنصّة المزعومة: التي بدأ الحديث عن أنّها سترث “صيرفة”. و”بطلها” نائب الحاكم الثالث سليم شاهين، الذي بدأ بالتحدّث عنها جهاراً من دون إعلان قدرته على تسييرها، أو الضمانات التي تجعلها قابلة للتطبيق من أجل تثبيت الاستقرار المزعوم، خصوصاً أنّه لا يملك صلاحيات كافية لتنظيمها، ولا الداتا المطلوبة. فيما تقول أوساط مصرفية إنّ المعنيّ الأوّل الذي يُفترض أن يتحدّث عن تلك المنصة، إن كانت موجودة بالفعل، ولا يفعل حتى الآن، هو النائب الأوّل وسيم منصوري. والمنصّة المفترضة يُقال إنّها ستتعاون مع وكالتَيْ “بلومبرغ” و/أو “رويترز”، لإعلان سعرَيْ الشراء والمبيع عبر المصارف وصرّافي الفئة “أ”.
ترجّح مصادر صيرفية لـ”أساس” أن يكون مصرف لبنان خلف “فلتة” نهاية الأسبوع، لأنّ الارتفاع حصل بشكل مفاجىء بعد ظهر يوم السبت فيما كان السوق مقفلاً
وفقاً لهذه التسريبات، فإنّ العمود الفقري لهذه المنصّة يُفترض أن يكون قدرة المصرف المركزي على إجبار الصرّافين والمصارف والمضاربين على الانضمام إليها وتسجيل سائر عملياتهم عبرها. وهذا ما لم تستطع “صيرفة” أن تفرضه على كلّ العمليات مئة في المئة… فكيف بالمنصّة الحديثة الولادة؟
رسالة من رياض سلامة
ربّما أراد سلامة القول من خلال ذلك إنّ استقرار سعر الصرف يمكن أن تلعب به شائعة بسيطة على مواقع التواصل والتطبيقات. ومن احتمالات الرسالة أنّ بعض المضاربين وبعض الصرّافين قد لا ينضمّون إلى المنصّة الجديدة، وهؤلاء يستطيعون خلق سوق موازية إلى جانب السوق الأصلية (موازية للموازية). عندئذٍ ستحلّق أسعار السلع وسيهيمن هؤلاء مجدّداً على السوق ويخرّبون المنصّة والاستقرار الاجتماعي.
صحيح أنّ قدرات المصرف المركزي على إيذاء هؤلاء وتكبيدهم خسائر كبيرة وإضعافهم ليست بسيطة، وصحيح أيضاً أنّ للمصرف المركزي القدرة الكبرى، بسبب حصرية احتكاره للّيرة اللبنانية، لكنّ ذلك لا يحصل إلّا من خلال التدخّل في السوق شراءً ومبيعاً، أي من خلال ما يقوم به سلامة منذ أشهر عبر منصّة “صيرفة” التي يرفضها النواب الأربعة اليوم. وهذا يعني، في المحصّلة، أنّه حتّى منصّة جديدة Sponsored أو powered by “بلومبرغ” أو “رويترز”، ستعجز عن ضبط المضاربين، من دون العودة إلى الأسلوب الذي أرساه سلامة عبر “صيرفة”… وهذا ربّما كان مضمون الرسالة نهاية الأسبوع.
بتعبير آخر، يتمدّد أسلوب “الشعبوية”. وهو نفسه الأسلوب الذي شهدناه في سلوك نواب التغيير الذين يطرحون الأمور نظريّاً بشكل صحيح، لكن عند التطبيق يصطدمون بالواقع، فيرفضون ويعترضون، ثمّ يعودون صاغرين إلى قواعد اللعبة التي ترسمها السلطة وتتحكّم بمفاصلها.
إقرأ أيضاً: دولار المنصوري “يتنحنح” صعوداً…
قد يفهم البعض أنّ هذا الكلام هو دفاع عن منصّة “صيرفة”، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق. الحلّ النهائي سيمرّ حتماً بتعويم سعر الصرف، وإقفال “صيرفة”، لكن لا نفع من إقفالها اليوم من دون ضبط الاستيراد الذي يتجاوز 17 مليار دولار سنوياً، ومن دون الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي ونواب الحاكم أنفسهم، وأبرزها “الكابيتال كونترول” و”قانون إعادة هيكلة المصارف”، وبالطبع هذا دونه الاتفاق على كيفية توزيع الخسائر المصرفية. ولن يكون توقيف “صيرفة” حلّاً من دون استعادة هيبة الدولة لمكافحة المضاربة وتوقيف عصابات التطبيقات. والخلاصة أنّه في ظلّ منصّة نظامية ومحدثة كما يريد النائب الثالث، شاهين، من دون الإصلاحات المطلوبة، قد تأتي النتائج عكسية، بل وربّما مدمّرة للاقتصاد والاستقرار الاجتماعي.
لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@