يبدو أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيكون أحد ضحايا حرب غزّة. تماماً كما يتوقّع كثيرون أن تتساقط جثث سياسية كثيرة، أبرزها نهاية الحياة السياسية لرئيس حكومة إسرائيلي بنيامين نتانياهو، والضغط الغربي لإخراج “حماس” من “قيادة” قطاع غزّة.
تؤكّد مصادر سياسية فرنسية لـ”أساس” أنّ هناك حديث جدّي في الأروقة الفرنسية عن تداعيات هذه الحرب على فرنسا. وتعترف شخصيات فرنسية وازنة باحتمالات وصول تأثير هذه الحرب إلى عجينة المجتمع الفرنسي، على المديين المتوسط والبعيد، فتضرب الاستقرار الداخلي، بسبب الوجود العربي واليهودي في تركيبتها المجتمعية والسكانية، ما يبرّر الخوف على “الأمن القومي”.
لهذا تعامل ماكرون بحذر مع هذه المعركة لأنّها تمسّ الداخل الفرنسي أكثر من أيّ ملفّات وأحداث خارجية مستجدّة خلال فترتَيْ ولايته الأولى والحالية. فسعى من خلالها تقديم النصح والمساعدة، كما في لبنان وأوكرانيا، حيث لم ينجح، وانعكس ما جرى سلبياً على الإدارة الفرنسية.
الآن ها هو يحاول استعادة التوازن على المسرح الدولي عبر مجموعة مواقف:
1- إدانة واسعة لحركة حماس يقابلها تشديد على شروط السلام وحلّ الدولتين.
2- تضامن مع الكيان الإسرائيلي يقابله أيضاً رفض تعليق المساعدات الفرنسية للفلسطينيين، مع إرسال فرنسا حاملتَيْ طائرات هيليكوبتر، إضافة إلى سفينة “تونير”، وهي المستشفى الفرنسي العائم.
في معلومات خاصّة لـ”أساس”، تناقش دول الاتحاد الأوروبي، تحديداً فرنسا وألمانيا، ضرورة التشدّد في حماية قوات اليونيفيل العاملة جنوب لبنان، وكبح أيّ تدهور، لقناعة تامة بأنّ فتح جبهة لبنان يعني حرباً شاملة وإقليمية وغير محلّي
فقد وضع مؤسّس الجمهورية الخامسة “الجنرال ديغول” ركناً فرنسياً في السياسة الخارجية، وهو الثابتة المنادية بتطبيق القرارات الدولية، وقيام دولة فلسطينية قابلة وفق “حلّ الدولتين”. واستطاعت الإدارات الرئاسية المتعاقبة، إبّان فترة حكم الرئيسين: الاشتراكي فرانسوا ميتران، واليميني المحافظ جاك شيراك، التدخّل لمرّات عديدة بتوازن لصالح منظمة التحرير الفلسطينية في المحافل الدولية. وذهبت أكثر من ذلك من خلال حماية قياداتها خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982. وساعدتها كذلك في استرجاع حضورها.
التحصين الفرنسي
كذلك على الصعيد الداخلي سعت الإدارة الفرنسية إلى تحصين وحماية نفسها داخلياً عبر مجموعة خطوات:
1- دعوات من أجل تحصين الوحدة الفرنسية المحلية.
2- العمل بكلّ جدّية في مكافحة احتمالية ارتداد الصراع على شكل مواجهات في الداخل الفرنسي.
3- السعي والقيام بوساطات بغية تخليص الفرنسيين الموجودين لدى حماس.
4- فهم القلق المجتمعي الفرنسي بشكل تعجّلي.
5- تجنّب تمدّد الصراع في الشرق الأوسط، خاصة على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلّة.
تسعى فرنسا بكلّ قوتها مع جميع الأطراف المتنازعة بشكل مباشر، والمنغمسة عن بعد، في هذه المعركة، إلى منع انزلاق لبنان إلى الحرب الشاملة. تجزع من حالة لااستقرارية في المجتمع الفرنسي انعكاساً لهذه الأحداث. وتتهيّب استيراد لبنان اقتتالاً مهجّناً ونشوب معركة أجنبية على أرضه.
حراك أوروبيّ لحماية الفرنسيين؟
في معلومات خاصّة لـ”أساس”، تناقش دول الاتحاد الأوروبي، تحديداً فرنسا وألمانيا، ضرورة التشدّد في حماية قوات اليونيفيل العاملة جنوب لبنان، وكبح أيّ تدهور، لقناعة تامة بأنّ فتح جبهة لبنان يعني حرباً شاملة وإقليمية وغير محلّية، وهذا ما يعرّض البلاد وجنود اليونيفيل للخطر. وفي هذا السياق أتت زيارة وزير الدفاع الفرنسي، لحماية مواطنيه على الأراضي اللبنانية، ومساعدة لبنان في إنقاذ وإجلاء الرعايا في الوقت المناسب.
ويجري الحديث عن أنّ ما يحكم قواعد الاشتباك الحدودية إلى جانب القرار 1701 هو اتفاق الترسيم البحري. يستلزم الأمر احترام حرّية حركة هذه القوّة بموجب التفويض المعطى لها وفق قرار مجلس الأمن وقواعد اشتباكه، مع إمكانية تمدّدها في حالة توسّع هذه القواعد. مع ضرورة تعزيز التعاون بين الجيش اللبناني واليونيفيل، وزيادة عدد القوات المسلّحة اللبنانية المنتشرة في الجنوب اللبناني، وذلك يعدّ تطبيقاً إضافياً للقرار 1701. وتؤكّد هذه المعلومات كذلك على عدم تحوّل هذه الحرب إلى إبادة ومعركة متفاقمة يصعب احتواؤها ضمن القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية العالمية.
لذا تتكثّف المحادثات الإضافية في سبيل الضغط من أجل تطبيق حرفيّ لقرارات مجلس الأمن الدولي، وخاصة الـ1701، من خلال دعم مشترك من المجتمعين العربي والدولي، في محاولة للوصول إلى مسوّدة واقعية قد تأخذ حيّزاً تنفيذياً متشدّداً أكثر لحماية لبنان. حيث تعتبر فرنسا أنّ تفادي الحرب في لبنان مصلحة فرنسية لا يمكن التفريط بها.
إقرأ أيضاً: هل ينجح بايدن في ردع “الثور” الإسرائيلي؟
هكذا تحاول الإدارة الفرنسية الحالية التخلّص من عجزها، عبر العمل على إظهار موقفها المتوازن والمتمايز اتجاه القضية الفلسطينية. فاستوعبت الأحداث الجارية أكثر، وخفّفت من غلوّها، فصرّح ماكرون أنّ الحرب “لا تعني استهداف المدنيين العزّل”. وشدّد على ضرورة حلّ الدولتين. وتسعى أيضاً إلى معالجة تردّدها وميلها ناحية الكيان الإسرائيلي، في عودة جزئية إلى تمايزها المتوازن اتجاه المسألة الفلسطينية، وفي حماية لبنان وفصله عملياً عن المعركة، وفي ضخّ جرعات المناعة الفرنسية المحصّنة للمجتمع الداخلي.