إسرائيل والخوف على المكانة؟

مدة القراءة 3 د

تردُّد الإدارة الأميركية في استقبال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو منذ فوزه في الانتخابات الأخيرة، وكذلك انتقادات الإدارة للأنشطة الاستيطانية “الاستفزازية” وإظهار الاستياء من اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى، أثارت ردود فعل متباينة لدى الأوساط السياسية. فبعضها متخوّف على مكانة إسرائيل في الأولويّات الأميركية، والبعض الآخر يتفهّم الموقف الأميركي، ويحمّل حكومة نتانياهو مسؤولية تراجعه بسبب تورّطها في سياسات داخلية من شأنها تغيير هويّة الدولة وتعميق الانقسام على مستوى الشعب والمؤسّسات، وزيادة جرعة الاستيطان الذي ما تزال الإدارة الأميركية متحفّظةً عليه.

غير أنّ الخوف على المكانة في أميركا يظلّ محدوداً وقابلاً للمعالجة إذا ما نُظر لطبيعة وأساس العلاقة بين أميركا والدولة العميقة “إسرائيل”، وعلى وجه الخصوص مؤسّستها الأمنيّة العسكرية.

غير أنّ ما دعا إلى قلق أشدّ هو تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية الذي سحب من يد إسرائيل واحدة من أهمّ الأوراق التي كانت أساسية في تسويق نفوذها الإقليمي، إذ لم يعد بوسع الدولة العبرية مواصلة التخويف من خطر إيراني ومواصلة الادّعاء بأنّها القوّة التي لا غنى عنها في صدّ هذا الخطر.

من البديهي أن تخاف إسرائيل على مكانتها، ما دام على رأس حكومتها نتانياهو وبن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهم من أساطين العنصرية الذين يعتنقون شعار “الموت للعرب ثابتاً سياسياً وعقائدياً

تزايد الخطر على إسرائيل

وآخر ما حُرّر في هذا المجال هو ظهور انزعاج يصل حدّ الخوف من حصول تطبيع مقبل وقريب جدّاً بين مصر وإيران لِما لهذا التطبيع المكمّل للتطبيع السعودي الإيراني من تأثير إيجابي على المناخ السياسي في المنطقة، إذ سيُغلِق الكثير من الفراغات التي كانت مرتعاً خصباً يمكن اللعب فيه وعليه، ذلك أنّ الاستثمار الإسرائيلي الأكثر ربحاً يتمّ في أجواء التوتّر الشامل التي تعيشها المنطقة وكادت تحوّل إسرائيل من خصم للجميع إلى لاعب مؤثّر بين الجميع، حتى بدا للعديد من دول المنطقة أنّ العلاقة معها صمام أمان ومخرج مضمون من الأزمات الاقتصادية، إضافة إلى أنّ تل أبيب مقاول نشط وناجح للعلاقات مع أميركا والدول التي تدور في فلكها. وإذا ما تواصل تطبيع العلاقات بين دول المنطقة ليشمل تركيا ومصر، وربّما سوريا أيضاً، فسيزداد قلق إسرائيل فوق ما هو عليه.

خوف إسرائيل على المكانة ليس أساسه إقليمياً ولا دولياً، بل هو محلّي وفلسطيني. فمحليّاً ها هي الدولة التي تاجر زعماؤها كثيراً بكونها واحة الديمقراطية الخضراء في صحراء الشرق الأوسط، تستقرّ في وضع مناقض تماماً لادّعائها، إذ تتّجه إلى حكم عنصري لا ديمقراطي ترفضه غالبيّة الإسرائيليين، وفلسطينياً تواصل بأشرس الوسائل والأساليب حكم شعب آخر يعدّ بالملايين، والاستيلاء على ممتلكاته، واستباحة حياته، ورعاية أطول وأعمق نكبة عرفتها البشرية، وهو ما اضطرّ الأمم المتحدة إلى الاعتراف بها، وإدانة صانعيها ممّن يجسّدون الاحتلال الوحيد الباقي في القرنين العشرين والواحد والعشرين.

من البديهي أن تخاف إسرائيل على مكانتها، ما دام على رأس حكومتها نتانياهو وبن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهم من أساطين العنصرية الذين يعتنقون شعار “الموت للعرب ثابتاً سياسياً وعقائدياً.

إقرأ أيضاً: حكومة إسرائيل في “أنفاق” الأقصى: تصعيد التهويد

في أميركا رُفع ذات مرّة شعار “أنقذوا إسرائيل من ذاتها”، وفي إسرائيل أغلبية شعبية تقول “أنقذونا من نتانياهو وسموتريتش وبن غفير”.

من هنا لا ينشأ الخطر على المكانة وإنّما على ما هو أبعد من ذلك.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…