واحِد ع الشام…

مدة القراءة 3 د

على غير عادة يوم الخميس، دخلت المنزل فوجدت أمّ زهير قد أهملت مسلسلها التركيّ، وتسمّرت أمام شاشة التلفاز، ضابطة جهازها الـLED على قناة “الإخبارية” السعودية. قلت في نفسي: “شو عم تتابع هالمخلوقة على القناة السعودية؟ وكمان أخبار؟… سترك يا رب!”.
دخلت الغرفة وبدّلت ملابسي، ثمّ أُبْتُ (عُدت) إلى الصالون، لأفهم إلامَ ترمي أمّ الزوز، وما الهدف من متابعتها القناة السعودية والأخبار تحديداً، خصوصاً أنّها من أولئك الذين يبغضون النشرات الإخبارية و”واللتلتة” اليومية (هي تقول هكذا) فاتني أنّ يوم الجمعة كان اليوم الموعود في مدينة جدّة، التي تستضيف القمّة العربية الجامعة، فأنا لست من دعاة الشجب والاستنكار والتحذير والتنديد.
نسيت أيضاً أنّ الرئيس السوري بشار الأسد سيحلّ ضيفاً في تلك القمّة، وسيخطف الأضواء مثلما خطف أرواح السوريين بالآلاف.
جلستُ وكانت أمّ زهير تنظر إلى الشاشة، وتتمتم بكلمات غير مفهومة، لكنّ اللهجة تشير فيما يبدو إلى كيلِ كلامٍ “من الزنّار وبالنازل”، لكنّها كانت في الوقت نفسه متحمّسة لِما بعد القمّة.
المشاهد التي تُبثّ أظهرت نائب أمير جدّة يرافق الرئيس “أبو ضحكة جنان” من باب الطائرة إلى حرم المطار.
فجأة التفتت أمّ زهير صوبي وقالت: “أيمتا بدنا نطلع على الشام يا أبو زهير… هيّاها انحلّت؟”.

أمّ زهير المسكينة، وبقيّة المساكين في بلدنا، يظنّون أنّ استقبال الأسد في مملكة الخير والكرم والجود سيُنسينا ما حصل منذ عام 2011 إلى اليوم على قاعدة “عفا الله عمّا مضى”

ضحكتُ. ثمّ ضحكتُ مجدّداً، وقلتُ لها: “يحلّك حلّ… لك يا أم زهير روقي ليسخن قفاه للزلمي ع الكرسي. شو هي القصة كاسة شاي بسوق الحميدية؟”.
ردّت: “إيه والله ذكّرتني بسوق الحميدية يا أبو زهير. نفسي بكاسة بوظة عند بكداش. شو رأيك نتغدّى عند أبو العزّ؟ وبالمرّة منشتري الجهاز لبنتك من هونيك، وكمان ناقصنا شويّة ألبان وأجبان… ولا تنسى البرازق”.
ثمّ أردفت: “إذا ما عبالك بطلع لوحدي من البور (المرفأ)… شو بتقول؟”.
أنا: “ريتو الحكيم يقلّك ويهزّ براسو… شو بدّي قول؟ ع الشام واحِد… لك آخ منك آخ”.

إقرأ أيضاً: موسوعة الرُهاب… في وَصفِ “الأحباب”

أمّ زهير المسكينة، وبقيّة المساكين في بلدنا، يظنّون أنّ استقبال الأسد في مملكة الخير والكرم والجود سيُنسينا ما حصل منذ عام 2011 إلى اليوم على قاعدة “عفا الله عمّا مضى”، بل يظنّون أنّ السعودية نفسها فرحة أو مغمورة بعودة الأسد إلى الحضن العربي، فلا يعرفون أنّ الدول تحكمها المصالح، وفي بعض المرّات تكون تلك المصالح على مضض (أتمنّى ذلك).

السعودية تعرف (ربّما). لكنّ أمّ زهير وأترابها لا يعرفون أنّ هذا النظام يُطلق الوعود ويكذب بقدر ما يتنفّس… ومين جرّب المجرّب كان عقله مخرّب.
تركت أمّ زهير تحلم بسوق الحميدية وبقلاوة “سميراميس” و”مهنا” والشام القديمة ظنّاً منها أنّ الشام ما زالت تلك الشام التي تعرفها، ودخلت غرفتي وخلدت إلى فراشي لأنام وأحلم بأنّ الشام ستعود قلب العروبة النابض… ولو بالأضغاث.

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@

مواضيع ذات صلة

تصويت مجلس الأمن وزيارة الأمير

ستتضح أمورٌ هامةٌ يترقبها العالم باهتمام بالغ، من خلال حدثين بارزين، الأول تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة وما بعدها، والثاني ما…

متى تستقر سورية في مواجهة المخاطر الكبرى؟

توجّه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين آخرين، وخرج باتفاقٍ حول مكافحة الإرهاب. وفيما كان بنيامين نتنياهو…

سحبُ السّلاح جنوباً سيخضع للتّدقيق الدّوليّ؟

خلص المسؤولون اللبنانيّون، استناداً إلى ما سمعوه من الموفدين الذين توافدوا إلى بيروت، إلى أنّ إسرائيل لن توسّع حربها على لبنان قبل 31 كانون الأوّل…

واشنطن تعيد صياغة مقاربتها السّودانيّة؟

هل كان انفصال جنوب السودان حتميّاً أم غياب قادة بارزين مثل جون غارانغ مهّد الطريق لذلك؟ وكيف لعبت التدخّلات الإقليميّة والدوليّة دوراً في فرض واقع…