سلامة باقٍ في الحاكميّة.. لـ”تصريف الأعمال” النقديّة؟

مدة القراءة 5 د

على الرغم من الصخب الذي يُحدثه ملفّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في فرنسا وفي الإعلام العالمي، وعلى الرغم من مذكّرة التوقيف التي صدرت أمس عن القضاء الفرنسي، يبدو أنّ السلطة بلبنان في مكان آخر. إذ تشير المعلومات إلى أنّ السلطة لم تستسلم، وما زالت تحاول إبقاء سلامة في منصبه.
لن يكون بقاء سلامة هذه المرّة على شكل “تمديد” ولا “تجديد”، وإنما بموجب مقتضيات “تسيير المرفق العامّ” وعدم توقّفه، وعلى قاعدة “تصريف الأعمال” النقدية، لكن ليس لولاية ثانية، ولا حتى تمديد، وإنّما إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
لم يجافِ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الحقيقة حينما قال قبل أيام: “أرفض التجديد لرياض سلامة في منصبه”، بل يبدو أنّه نطق بنصفها أو بـ”حقيقة منقوصة”، وهو المعروف بقول الشيء وفِعل نقيضه.
ما يجري اليوم يُختصر بالتالي: سدّ المنافذ أمام جميع الحلول للوصول إلى حائط مسدود، مكتوب عليه بالخطّ العريض “فليبقَ سلامة”، من خلال البحث عن “تخريجة” قانونية أو فتوى لاستبقائه… إلى حين.
كشف مصدر مطّلع على تفاصيل هذا الملفّ وخفاياه، لـ”أساس”، أنّ الجهود التي تقوم بها فرنسا على المستوى القضائي، ومنها إصدار مذكّرة التوقيف بحقّ الحاكم، ما زالت كلّها تُقابَل بـ”صمت” أميركي مطبِق، وهذا مؤشّر صريح إلى أنّ سلامة ما زال يحظى حتى اللحظة بـ”شبه غطاء” من واشنطن، التي تعهّدت بحمايته حتى بعد تركه الحاكمية في نهاية شهر تموز.

تجزم الآراء أنّ الحديث الدائر عن لجوء سلامة إلى الإمارات ما كان ليكون قيد البحث والتداول لو لم يكن هذا الغطاء الأميركي موجوداً وأبو ظبي على علم به

تحبّذ واشنطن تنحّي سلامة، لكنّها في الوقت نفسه ترفض استبداله بشخصية “غير متعاونة” أو تابعة لـ”حزب الله” أو الثنائي الشيعي. بينما مشكلة سلامة في التنحّي اليوم تتوقّف على قدرته، وبالتالي قدرة السلطة على تأمين المخرج الآمن له.
من هذا المنطلق، تؤكّد المصادر أنّ خطط سلامة للانتقال إلى الإمارات (إلى إمارة الشارقة تحديداً) تنتظر معطيَيْن:
1- الخروج الآمن من لبنان.
2- توفير غطاء أميركي حيث سيقيم بعد تقاعده.
لكنّ هذين الشرطين يصعب تحقيقهما من دون السلطة اللبنانية والأميركيين. أمّا غطاء السلطة فموجود، والغطاء الأميركي موجود أيضاً (أقلّه حتى الآن)، لكن تبقى معضلة الاتفاقية الموقّعة بين باريس وأبو ظبي في عام 2007، التي تتحدّث صراحة عن التعاون القضائي بين البلدين والاعتراف بالأحكام وتنفيذها في الشؤون المدنية والتجارية، وهدفها تقوية التعاون الثنائي والدولي في مجال مكافحة الجريمة وغسل الأموال وجرائم التجارة.
تجزم الآراء أنّ الحديث الدائر عن لجوء سلامة إلى الإمارات ما كان ليكون قيد البحث والتداول لو لم يكن هذا الغطاء الأميركي موجوداً وأبو ظبي على علم به، وإلّا لكانت الاتفاقية ستُحدث إرباكاً لدى الطرفين وتجلب “وجع رأس” لفرنسا وأبو ظبي على السواء، خصوصاً أنّ باريس تهتمّ بضمان “تحييد سلامة” عن الحاكمية، أكثر ممّا تطمح إلى محاكمته، وهي تولي لهذا الهدف الاهتمام نفسه الذي توليه لملفّ الرئاسة.

تحبّذ واشنطن تنحّي سلامة، لكنّها في الوقت نفسه ترفض استبداله بشخصية “غير متعاونة” أو تابعة لـ”حزب الله” أو الثنائي الشيعي

الخيارات المتاحة
المنفذ الأوّل: لا تخفي المصادر أنّ واشنطن تولي أهمية بالغة لحاكمية مصرف لبنان تفوق أهمية رئاسة الجمهورية، وهي تطمح إلى وصول الوزير الأسبق كميل أبو سليمان. لكن يبدو أنّ وصول أبو سليمان إلى الحاكمية اليوم يشوبه الكثير من العقبات، أولاها الجدل القائم في صلاحية حكومة تصريف الأعمال الإقدام على تعيين كهذا، وثانيتها رفض المسيحيين واحتمال مقاطعتهم جلسة الحكومة، خصوصاً أنّ الحاكم في ظلّ الأزمة يُعتبر من “عُدّة شغل” أيّ رئيس و”حكومة عهد” مقبلين قد يصلان إلى بعبدا ووادي أبو جميل. وبذلك تكون السلطة قد سدّت المنفذ الأوّل.
المنفذ الثاني: رفض الرئيس نبيه برّي تولّي نائب الحاكم الأول وسيم منصوري سدّة الحاكمية بعد انتهاء ولاية سلامة، على اعتبار أنّ الطائفة الشيعية بغنىً عن افتعال أزمة إضافية مع المسيحيين، هي الثغرة الثانية التي تحاول السلطة سدّها لتمهيد الطريق أمام بقاء سلامة وفق المرسوم. أضف إلى هذا أنّ منصوري نفسه يرفض، بحسب المعلومات، تولّي تلك المسؤولية، خصوصاً إذا كان المطلوب هو الاستمرار بنهج رياض سلامة نفسه (التدخّل في السوق عبر “صيرفة” التي يرفضها).
المنفذ الثالث: يصطدم خيار تعيين حارس قضائي برفض الجميع، سواء السلطة بمواليها ومعارضيها، أو القطاع المصرفي والخبراء في هذا المجال، باعتبار أنّ هذا الحارس المفترَض سيكون “منزوعَ المخالب”، وعاجزاً عن اتّخاذ أيّ قرار، ولن تكون له سلطة أو قدرة على إدارة ملفّ ملتهب كهذا، ناهيك عن الصعوبات التي سيصطدم بها المجلس المركزي في مصرف لبنان مع كلّ قرار سيتّخذه. وبذلك يكون المنفذ الثالث قد سُدّ أيضاً.

إقرأ أيضاً: لماذا لم يبلّغ سلامة “لصقاً”؟

هكذا لن يبقى أمام الجميع إلّا خيار واحد عنوانه بقاء سلامة، وحينئذٍ ربّما يضطرّ الأميركيون “البراغماتيون” إلى القبول بهذا الخيار وربّما الدفاع عنه، من أجل ضمان وجود عين لهم داخل المصرف المركزي، لأنّهم بين الفراغ وسلامة سيختارون سلامة، وبين ممثّل الثنائي الشيعي وسلامة سيختارون سلامة. وسيكون أقلّه عيناً مؤقّتة إلى حين الانتهاء من معضلة الرئاسة التي قد لا تبدو بعيدة ذاك البُعد الذي ظننّاه في الأيّام الأولى للفراغ.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…