بعد ثلاثة أيام، في 14 و15 حزيران، يستضيف الاتحاد الأوروبي في بروكسل المؤتمر السابع حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي يتناول دعم النازحين السوريين في سوريا ودول النزوح، وسط سجال بين معارضي النظام السوري من السوريين وغير السوريين بأنّ النظام هو الذي يرفض عودتهم بعدما كان اعتبر أنّ خروج من نزح أعاد “التجانس” إلى التركيبة السكّانية لسوريا، ثمّ إعلانه استعداده لاستقبالهم نتيجة الإلحاح اللبناني.
لا موجات ضخمة للعودة
تستبعد مصادر معنيّة بسياسات الدول الغربية حيال النازحين أن تُطرح العودة على المؤتمر، الذي سيكتفي كما في السنوات الماضية بجمع مبالغ ماليّة على الورق لتقديم المساعدات للنازحين، سواء داخل سوريا أو خارجها، ويستمع إلى مطالب لبنان في شأن تمويل العودة من جهة، وحول تخصيص مبالغ للبنية التحتية اللبنانية من جهة ثانية.
مع ذلك يقرّ بعض المسؤولين الدوليين بضرورة أخذ خطوات لإعادة ما يمكن من النازحين، ويلفتون إلى أنّ بدايتها “لن تشهد موجات ضخمة، بل صغرى”.
بات لدى الدول الغربية قناعة بأنّ النظام السوري يراوغ في إعادتهم للحصول على تمويل يستفيد منه لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة ولتوجيه الإنفاق نحو مناطق نفوذه، وأنّ المسألة مرتبطة بالحلول السياسية للأزمة السورية. وتعترف مصادر دولية بأنّ المبالغ التي صُرفت على نازحي لبنان والمجتمعات المضيفة كانت أقلّ ممّا تقرّر سابقاً في بروكسل. وبينما خُصّصت 3 مليارات دولار السنة الماضية لم تقدّم منها الدول المانحة سوى 1.38 مليار، تنوي الأمم المتحدة المطالبة بتخصيص 3.8 مليارات لهذه السنة، لكن لا ضمانات بأن تتسلّمها بكاملها.
تحتاج عودة القاطنين في التجمّعات الكبرى إلى معالجة معقّدة لأوضاعهم القانونية والسياسية ولأملاكهم، وتتطلّب الكثير من الوقت والإجراءات
ينقل مصدرٌ سوريّ معنيّ بالعلاقة مع الدول المانحة عن مسؤولين دوليّين استخفافهم بالوعود السورية، وبالحملة التي تشنّها أوساط لبنانية عليهم متهمّةً إيّاهم بالتآمر لإبقاء النازحين في لبنان، وقولهم: “بتنا معتادين على تصاعد الحملة قبل كلّ مؤتمر لابتزازنا، ثمّ لا تلبث أن تتراجع فور انتهائه”.
برنامج الرئيس المقبل… ومعضلة العقوبات
باتت أزمة النازحين مشكلة سياسية واقتصادية داخلية كبرى للبنان والأردن وتركيا، التي تنوي إعادة مليون منهم إلى الشمال السوري خلال سنة، بعد بناء مساكن وبنية تحتية لهم بتمويل بدأ قطريّاً ويؤمل توسيع دائرته.
بالنسبة إلى لبنان هي واحدة من عناوين مهمّات الرئيس اللبناني المقبل. ويقول مصدر دبلوماسي لبناني إنّ العناوين الكبرى المطروحة في المنتديات الدولية والعربية، والتي تفرض على المرشّحين للرئاسة في لبنان أن يجيبوا على سبل التصدّي لها هي: الاستراتيجية الدفاعية، السياسة التي سيعتمدها لإعادة النازحين السوريين، والإصلاحات الاقتصادية والمالية الملحّة لإنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. لكنّ الخلاف الداخلي حول التنسيق مع النظام السوري يتفرّع من الانقسام السياسي الحادّ في السياسة الخارجية، بين قوى تلحّ على التنسيق مع النظام السوري على أعلى مستوى كما يطالب الحزب وحلفاؤه بناء على إصرار دمشق، وأخرى تعارض التطبيع الذي يسعى إليه النظام وتتّهمه برفض إعادة النازحين حتى يتمّ تطويعهم وضمان ولائهم له، وإلّا فسيتعرّضون للاضطهاد.
بغياب الخطط… لبنان أضاع الوقت
في وقت كان يؤخذ على المسؤولين اللبنانيين أنّهم في مؤتمرات بروكسل الستة السابقة، التي عُقدت من أجل تمويل تكاليف النزوح في الدول المضيفة، لم يقدّموا خططاً واضحة لمعالجة أزمة النزوح، فإنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعلن قبل أسبوع أنّ الوفد اللبناني إلى بروكسل سيقدّم هذه المرّة خطّة أقرّتها الحكومة على مراحل قصيرة، ومتوسطة وبعيدة المدى. لم يمنع ذلك مسؤولين دوليين من القول إنّ لبنان أضاع الوقت، بامتناعه عن تقديم خطط واضحة، ولا سيما بعدما أوقف تسجيل النازحين الوافدين منذ عام 2014، وهو ما فاقم عشوائية انتشارهم على الأراضي اللبنانية.
يُنتظر أن يحمل الوفد برئاسة وزير الخارجية عبد الله بوحبيب إلى بروكسل هذه الخطّة التي تمزج بين إعادة خمسة آلاف من النازحين شهرياً، مع تحويل التمويل للعائدين إلى الداخل السوري، وبين تعويض لبنان عن الكلفة التي تتحمّلها بنيته التحتية جرّاء استضافتهم.
“الإنعاش المبكر” وآليّة المراقبة الدوليّة
يقول مصدر دولي مسؤول إنّ هناك برنامجين للمساعدات داخل سوريا وخارجها. في داخلها يوجد برنامج “الإنعاش المبكر” (early recovery) الذي يشمل تأمين الغذاء، الإغاثة، الرعاية الصحية، الأدوية، مستلزمات المستشفيات، موادّ التعليم. لكنّ هناك أيضاً حاجة إلى ضمان الثقة الأمنيّة والسياسية بأن العائدين لن يتعرّضوا لحوادث، فضلاً عن أنّ الرجال العائدين مع عائلاتهم قد يُجبرون على تأدية الخدمة العسكرية، وهو ما يحتاج إلى تطمينات من النظام إلى مصيرهم. وأُبلغت الأجهزة الدولية عن نازحين داخل سوريا عادوا إلى المناطق التي هُجّروا منها فوجدوا كلّ شيء مدمّراً، فمنهم من عادوا من حيث أتوا وبعضهم الآخر هاجروا.
تستبعد مصادر معنيّة بسياسات الدول الغربية حيال النازحين أن تُطرح العودة على المؤتمر، الذي سيكتفي كما في السنوات الماضية بجمع مبالغ ماليّة على الورق لتقديم المساعدات للنازحين
يصرّ المانحون على وضع آليّة للتأكّد من أنّ عودة النازحين آمنة، وسبق لوزير الخارجية عبد الله بوحبيب، حين زار الرئيس السوري بشار الأسد على رأس وفد وزاري إثر زلزال 6 شباط، أن طرح الأمر عليه فأجابه أن لا مانع من وضع آليّة للمراقبة الدولية.
يشير المصدر الدولي إلى أنّ مساعدات برنامج “الإنعاش المبكر” في الداخل لا تشمل تقديم المساعدة النقدية للسوريين كما يحصل في دول النزوح، وهي المساعدة التي يحصل عليها النازح شهرياً عبر بطاقة ائتمان، “لأنّه لا توجد ماكينات سحب نقدية آلية (ATM) لدى المصارف في مناطق التهجير”.
لكنّه يشدّد على أنّ هذا البرنامج منفصل عن الجهد الذي يقوم به المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون في عمله للحلّ السياسي الذي يقود إلى إعادة الإعمار وفق برنامج ضخم وشامل، والمقيّد حتى الآن بعقوبات قانون “قيصر” الأميركي والعقوبات الأوروبية والبريطانية المتشدّدة، خصوصاً أنّ المانحين يريدون الاطّلاع على كيفيّة صرف الأموال، في وقت باتت المساعدات الغربية مشروطة بالإصلاحات السياسية والمالية، ولا سيما بعد التقارير عن فساد وعن تغلغل مناصري النظام في المنظمات الدولية وجمعيات الإغاثة بحيث باتت المساعدات تذهب إلى الأزلام.
تشمل الخطة اللبنانية تحديداً المناطق التي يمكن للنازحين العودة إليها في الداخل السوري، مع التزام سوري باستقبالهم في مراكز إيواء مبكر، كما صرّح وزير المهجّرين عصام شرف الدين بعد محادثات مع مسؤولين سوريين تبلّغ خلالها أنّ عدد هذه المراكز يناهز 450، لكنّ العديد من الناشطين السوريين يشكّكون في الجهوزية السورية نظراً إلى مشاكل لا تحصى ستواجههم في المناطق التي يمكن العودة إليها. والتجمّعات الكبرى لهؤلاء في مخيّمات ومراكز إيواء تتوزّع كالآتي:
– النازحون الموجودون في منطقتَي المصنع والبقاع الغربي القريبتين من الحدود مع سوريا معظمهم من داريا والمعضمية وكفرسوسة والزبداني الواقعة في منطقة ريف دمشق ومحيطها، وهي مدمّرة في شكل شبه كامل وسبق للدولة السورية أن باعت عقاراتها على شكل أسهم لمستثمرين، بينهم إيرانيون، بحجّة القانون رقم 10 وملحقاته، وهو القانون الذي حدّد مهلة لمالكيها كي يبرزوا مستندات الملكية وإلّا جرت مصادرتها بانتهائها، فيما مالكوها في عداد النازحين، أو بحجّة قانون “الإرهاب” الذي يجيز مصادرة أملاك المتّهمين به من المعارضة.
إقرأ أيضاً: النارحون السوريّون: قرار العودة بيد النظام
– النازحون في عرسال في البقاع الشمالي معظمهم من مناطق حمص والقصير، التي يوجد فيها الحزب بكثافة، فضلاً عن سمعتها بأنّها تضمّ معامل الكبتاغون وعصابات مسلّحة تمنع العودة، وهو ما دفع الأمين العام للحزب إلى أن ينفي حؤوله دون عودتهم. وفي وقت عاد بعض منهم في سياق الحملات التي نظّمتها المديرية العامة للأمن العام منذ سنتين، فإنّ لوائح أسماء العائدين تخضع لتدقيق أجهزة الأمن السوري التي رفضت استقبال كثر منهم.
– النازحون في الشمال قادمون من حمص وإدلب وريف حلب، ومعظم هؤلاء إمّا ممنوعون من العودة، أو لا يرغبون بها خوفاً من ملاحقة النظام لهم.
تحتاج عودة القاطنين في التجمّعات الكبرى إلى معالجة معقّدة لأوضاعهم القانونية والسياسية ولأملاكهم، وتتطلّب الكثير من الوقت والإجراءات.
لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@