أخيراً وإن بطريقة غير مباشرة، اعترف بنيامين نتانياهو بمسؤولية الدولة العبرية عن استفحال ظاهرة الجريمة في الوسط العربي.
السبب المباشر لهذا الاعتراف، هو مصرع ستّة فلسطينيين في ساعة واحدة ليرتفع منسوب القتل منذ بداية السنة إلى ما يقلّ قليلاً عن مئة، وهو ما سجّل رقماً قياسياً جعل من التجاهل الإسرائيلي وعدم القيام بأيّ جهد جدّي من جانب أجهزة إسرائيل الأمنيّة، وفي مقدّمها الشرطة، دافعاً قوياً للعرب الفلسطينيين لتصعيد صراخهم من الظاهرة، واتّهامهم للدولة ليس فقط في التقصير وإنّما بالإسهام المباشر في استمرارها.
التفسيرات الرسمية الإسرائيلية، يصدق عليها القول: “عذر أقبح من ذنب”:
– قائد الشرطة، وبتصريح علني، أرجع الظاهرة إلى ما وصفه بـ”ثقافة القتل عند العرب”. وبالتالي أزاح الاتّهام عن إسرائيل ملقياً به على العرب وثقافتهم “الثأرية الدموية”.
– أمّا الوزير، الذي هو المسؤول الإسرائيلي الأعلى عن الشرطة وعملها في الوسط العربي، فهو من معتنقي مبدأ “الموت للعرب”. وقد عزا استمرار الظاهرة إلى تراكم تقصير طويل الأمد فعلته الحكومات المتعاقبة. وكأنّه يقول: “مثلي مثل غيري”. فلماذا اللوم والاتّهام إذاً فيما بعض المسؤولين اتّهم جهاز الشاباك برعاية الظاهرة.
الدولة تدير “المافيا المنظّمة”
معظم عناصر المافيا المنظّمة ينتسبون إلى هذا الجهاز ويأتمرون بأمره. ولأنّ الشاباك والشرطة ووزارة الأمن القومي ليسوا منظّمات خيرية وغير حكومية، بل إنّهم من أركان الدولة، فإنّ الضلوع الرسمي في الظاهرة لم يعد اتّهاماً انفعالياً يطلقه الضحايا، بل حقيقة لم تعد السلطات الرسمية الإسرائيلية بقادرة على نفيها، وترويج روايات تبرّئها من المسؤولية عن شلّال دم ينزف من أجساد أناس يحملون جواز سفرها وتسمّيهم الدولة بالعرب الإسرائيليين!
إسرائيل واحدة من أهمّ الدول في مجال المعلومات ليس فقط بما يجري منها داخل حدودها وحتّى حدود من يجاورها، بل على مستوى العالم، وتواجه سؤالاً منطقياً
إسرائيل واحدة من أهمّ الدول في مجال المعلومات ليس فقط بما يجري منها داخل حدودها وحتّى حدود من يجاورها، بل على مستوى العالم، وتواجه سؤالاً منطقياً: ما دام الأمر كذلك فلماذا تنعدم القدرة على جمع المعلومات المتّصلة بالجريمة المنظّمة الناشطة في الوسط العربي؟ مع أنّ أجهزة الدولة تعرف بأدقّ التفاصيل ما يهمس به العرب وما يكتبون على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبيع لكلّ من يحتاج معلوماتٍ عمّا يجري في بلده حتى لو كانت تبعد آلاف الأميال عنها. وأمّا العصابات التي تقتل يومياً من العرب فكأنّها تعمل في كوكب آخر، أو أنّها تفتك بأعداء.
بعدما تحوّلت الظاهرة إلى عبء أخلاقي على الدولة التي تتباهى بديمقراطيتها وأمنها ومساواة ساكنيها أمام القانون، تدخّل نتانياهو مباشرة في الأمر ليقود بنفسه الجهد الرسمي “للملمة الموضوع” على نحو تفوح منه رائحة تفادي فضيحة تلطّخ وجه الدولة بالسواد.
فقد أبعد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن اللجنة التي رأسها لمعالجة الأمر. وهذا اعتراف، يكاد يكون مباشراً، بدور الوزير في الظاهرة وعدم منطقية إشراكه في الجهد المفترض أن يكون ضمن صلاحيّاته ولا منطقية عزمه على إشراك الشاباك في المعالجة. بما يؤكّد الاتّهام بأنّ هذا الجهاز القويّ الذي يعرف كلّ شيء كان ممنوعاً من التدخّل لإنهاء الظاهرة، منذ نشوئها إلى حين بلوغها حدّ فقدان السيطرة عليها.
نتنياهو شريك في الجريمة
تأخّر نتانياهو كثيراً وطويلاً في قيادة الجهد الرسمي لتطويق الظاهرة، والحدّ من تداعياتها الكارثية على الأمن الداخلي والصورة الحضارية المدّعاة. فإذا ما توقّف النزف، وهذا ما نتمنّاه، ضنّاً بأرواح الأبرياء الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، فسيكون البرهان الأخير والحاسم على أنّ عدم تدخّله كان بمنزلة اشتراك مباشر في نشوء الظاهرة واستمرارها ومضاعفة ضحاياها. وإن استمرّت، وهذا ما لا نتمنّاه، تكون الأمور خرجت عن السيطرة، وهذا ما لا يقوله العرب وحدهم بل نسبة كبيرة من الإسرائيليين.
ملاحظة: بعدما فرغت من كتابة هذه المقالة بساعات صار عدد القتلى مئة وواحداً، وإلى أن يُنشر فلا أحد يعرف كم سيبلغ العدد.
ملاحظة أخيرة: تحفّظ قادة الشاباك على المشاركة في أيّ جهد للحدّ من الجريمة في الوسط العربي، لأنّ الشاباك لن يضحّي بنفوذه داخل عائلات الجريمة المنظّمة.